“نحن الدولة، نحن الشعب”؟ “النسبية” لا تستقيم في دوائر إنتخابية مصغرة.
لو كان المسؤولون الحاليون يمثلون حقيقةً ارادة اللبنانيين، لما أقحموا قانون النسبية بدوائر مصغرة مخزية بتقسيماتها،لما احْتموا، مرغماً أخاك لا بطل، في تحالفات لا يَجمع بينها ايُّ فكر سياسي صالح وبناء،
ولما لجأوا الى صوت تفضيلي واحد سمح لهم بإذكاء العصبية الطائفية التي فعلت فعلها في نفوس اللبنانيين وأمّنت لمرشحي السلطة الفوز وأرست مبدأً مخادعاً للواقع مفاده" نحن الدولة، نحن الشعب". مبدأ أجاز لهؤلاء إعطاء أنفسهم وكالة مطلقة تسمح لهم بالتصرف الكامل والشامل بمصيرنا.
فما رأي اللبنانيين بذلك؟ وهل نتصور ان يتنازل هؤلاء عن مخزون القوة الذي في متناولهم فيقرون لمصلحتنا قانوناً نسبياً عادلاً يهدد وجودهم؟
العصبية الطائفية لم تنته فصولها بانتهاء الانتخابات النيابية ،بل ظهر وجهها القبيح أخيراً في حادثة النائبة الطبش التي خضعت للأسف لترهيب طائفي يتنافى ونظام الدولة الديمقراطي والتي من المفترض انها تمثل شعبها وتحمي حقوقه وحرياته، فخلقت الحادثة بلبلةً خطيرة وصل معها موال الفدرالية مجدداً الى مسامعنا!
إن دولتنا، وإن اعترفت للسلطات المتواجدة على أراضيها، دينية كانت ام سياسية أم غيرها، بحق ممارسة شعائرها وعقائدها ومبادئها بحرية، فقد اشترطت ألا تتضمن ممارسة هذه الحقوق إخلالاً في النظام العام وأن تتم "ضمن دائرة القانون" وفق أحكام الدستور.
فالسلطات الدينية أو الحزبية، مهما علا شأنها، تخضع كالأفراد لسلطان الدولة الذي يعطي هذه الاخيرة وحدها سلطة الحكم والإدارة والإكراه إنطلاقاً من التابعية القانونية الملزمة التي تربط المواطنين بدولتهم. وبالتالي يستلزم الخروج عن سلطان الدولة تدخلاً من جانب القائمين بأعمال الحكم لمواجهة أي تهديدٍ، بصرامةٍ وحزمٍ جدّيين لضبطه ومعاقبته.
لا أجد حقيقةً شيئاً أشدّ خطورةٍ على النظام العام والسلم الأهلي من الترهيب الطائفي لأنه منافٍ لجوهر نظامنا الضامن لحرية المعتقد المطلقة.
رغم ذلك، مرّت هذه الحادثة من دون أي تحرك أو تنديد رسمي من السلطة اللبنانية، الامر الذي يؤكد لنا حقيقتتين مخيفتين:
-أننا شعب تحكمه احزاب وطوائف تتناوب في لعبة فرز الناس مللاً وقبائل وفق مصالحها الشخصية لضمان ديمومتها.
-أننا شعب يقع دائماً في فخ هذه السياسات. والبرهان اننا، بدل أن نستدرك خطورة أفعال الأحزاب والطوائف، ونتخذ الخطوات الآيلة للحد من تبعات أعمالهم، نهرع فوراً الى التصريح عن ان عيشنا المشترك بات زيفاً ونفاقاً.
لا بد أن نستفيق من هذا الواقع ونواجه الخداع بجدّية وصدق فتفرض إرادتنا المشتركة مدنية دولتنا المغيبة والمهمشة فنكون "نحن الشعب، نحن الدولة" وأصحاب السيادة والقرار!
هل نستطيع ذلك؟
الجواب متعلق بقناعتنا بقدرتنا على ان نكون شعباً واحداً.