نجاح في الشكل للقمة العربية: سقطتان ترجئان تحقيق طموحات بن سلمان ورؤية الأسد (علي يوسف)
كتب علي يوسف – الحوار نيوز
يمكن التأكيد ان اهم العناوين التي ظهرت في القمة العربية التي انعقدت في جدة على صعيدي الشكل والقرارات هي أنها :
١ -قمة اعادة الجمع على طريق اعادة التكوين ولو ان مضمون هذا التكوين ما زال مبهما ..
٢-قمة العودة الى اعتبار قضية فلسطين هي القضية المركزية
٣-قمة العودة الى مرحلة ما قبل العام ٢٠١١ بتعريفاتها وبنودها وامانيها وطريقة وطبيعة قراراتها التي كانت دائما تنتهي بانتهاء الاجتماع ،ويذهب التنفيذ في اتجاه الثوابت والسياسات للدول الاعضاء وتطوراتها والتأثيرات التي تضيفها اميركا ..
٤- قمة دفن مؤامرة ما سُمي بالربيع العربي الذي خطط له الاميركيون ونفذه “الاخوان المسلمون” وشاركهم رومانسيو الثورات والتقدمية والغارقون بالاندهاش بالتجربة الغربية الباقي منها شكلها والفاقدة لقيمها ..
٥- قمة بمشاركة سوريا التي بحضورها انقذت شعار الجمع، واعلنت دفن مرحلة الاخوان المسلمين التي كانت نفذت دفنها في الميدان وصححت معنى العروبة واعادت بوصلة الاتجاهات لتحديد العدو وتحديد الصديق وأرست اسس هذه البوصلة ..
٦- قمة الاطلالة المبهمة “الحيادية”على الازمة الاوكرانية بما يمكن وصفه اشارة الى اهتمام القمة ومتابعتها لأزمات التغيرات الدولية والتوازنات الدولية والاقليمية ….
اما اهم شعارات هذه القمة، وهي التي طرحها الامير محمد بن سلمان الذي بات رئيسا للقمة حتى القمة المقبلة هي:
أ- اعادة لم الشمل العربي ومعالجة المشكلات القائمة ..
ب- توحيد الموقف العربي في مواكبة التغييرات الدولية وتحقيق تموضع عربي موحد فيها
ج- السعي والعمل لعمل عربي مشترك يجعل من العالم العربي قوة سياسية واقتصادية واجتماعية تنافس التكتلات الدولية الكبرى، وتكون شريكا فاعلا وليس متلقيا، انطلاقا من موقعها الجيوسياسي ،وانطلاقا من مخزون الثروات الاقتصادية والبشرية والحضارية والثقافية الذي تملكه …
اعمال القمة ونتائجها وتقييمها
اول ما يلفت ،وانطلاقا من هذا العنوان ، هو الانفصام الكبير في اعمالها بين عناوينها وبين الواقع الراهن وبين الشعارات الجذابة ….
فباسثتناء السعودية التي تخطو خطوات شجاعة وجبارة لتنقل تموضعها من التبعية لاميركا والغرب الى محاولة الشراكة في صنع التغيرات والتوازنات الدولية الجديدة ، وباستثناء سوريا التي لم تستطع كل المؤامرات ضدها والحصارات والحرب الكونية عليها من تغيير مواقفها الاستراتيجية التي تنطلق من تحرير العالم العربي من الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ومن التحررمن الهيمنة الاستعمارية وتحقيق استقلال الارادة والقرارالوطنيين عن طريق الصمود والموقف الحر والمقاومة والتي اظهرت التطورات صحتها وجعلتها تخرج لتشارك في القمة، وهي على طريق الانتصار الذي بات شبه محقق ..
وباستثناء الانجازات التي حققتها المقاومة في فلسطين، كل فلسطين، وفي لبنان وفي سوريا وفي العراق .. باستثناء هذه التطورات في السعودية وسوريا وعلى صعيد محور المقاومة، فإن الواقع العربي ما يزال على حاله من التشرذم والتبعية ،بل تفاقمت تبعيته لتذهب انظمة عربية عديدة لاسترضاء الولايات المتحدة الاميركية والكيان الصهيونى عبر الذهاب الى التطبيع مع العدو الاسرائيلي ، والاستجابة للمساهمة في تمويل وتنفيذ كل المؤامرات التي تحاك لضرب من يدعو ويعمل لتحرير فلسطين والعالم العربي وتشجيع الانقسامات والخلافات بين الدول العربية واعاقة اي توجه لعمل عربي مشترك ايجابي ..
صحيح ان القمة العربية صححت البوصلة في اتجاه اعادة التأكيد على اولوية القضية الفلسطينية ،الا ان مقرراتها خلت من اي اهتمام لانجازات المقاومة ،واكتفت اولويتها بإعادة التأكيد على القرارات الدولية والمبادرة العربية المدفونة في الجواريرالاسرائيلية والاممية ،كما اقتصر الحديث على الدولة الفلسطينية على الاراضي التي احتلت في العام ٦٧ ،من دون حتى الوقوف عند ما فعله الاحتلال الصهيوني بهذه الاراضي من بناء مستوطنات وتدمير واستيلاء على الاراضي بما يجعل بناء دولة فلسطينية على هذه الارض مستحيلا ،بموجب اتفاق او بمبادرة ، وبما يؤكد ان التحرير هو الطريق الوحيد للحصول على الارض وبناء الدولة ،وان المقاومة هي الطريق الوحيد للتحرير ، وان من يتوصل الى تحرير الاراضي التي احتلها الصهاينة عام ٦٧ ،لماذا لا يستكمل بتحرير الارض التي احتُلّت في العام ٤٨ …وبالتالي يحررالعالم العربي من الاداة الاستعمارية الاساسية لفرض الهيمنة عليه ؟
كما ان القمة تحدثت عن المشكلات التي تواجهها الدول العربية بكونها مشكلات مجزأة ، وغاب ترابطها في الاهداف ووحدة المخططين لها والادوات المستعملة، فجاء خطاب اليمن كلاما من الماضي مستفزا وخارج كل التطورات، وجاء خطاب السودان “انسانيا”همه المدنيون ونصائح للصلح، وجاء خطاب لبنان كتلاوة ادعية للتوفيق والخروج من الازمة مكللة ببعض النصائح ….وخيم الصمت على الواقع المأساوي للوضع التونسي وعلى العلاقات الخطيرة بين دول المغرب العربي ، والوضع الكارثي في ليبيا . كما خيم الصمت على الهيمنة الاميركية على المقدرات المالية للعراق وعلى الحصارات المفروضة على سوريا ولبنان وعمليات الابتزاز التي تمارسها اميركا على مصر عبر صندوق النقد الدولي. وخيم ايضا صمت على ازمة البحرين الخ….
والاخطر من كل ماذكرنا هو الصمت الذي خيم على عمليات التطبيع مع العدو الاسرائيلي التي حصلت أو هي قيد الحصول والتي تترافق مع المجازر اليومية التي يرتكبها هذا العدو في حق الشعب الفلسطيني واستمرار الاعتداءات على سوريا وعلى غزة والتهديدات التي يطلقها في كل اتجاه ………
ورغم كل ما نقول لا بد من التنويه بأن القمة استطاعت ان تتجاوز آفتين اصابتا القمم العربية التي اتت بعد العام٢٠١١ واصابت عددا كبيرا من الانظمة العربية، وهما : الأولى آفة اعتبار أن ايران هي العدو وتحول العدو الاسرائيلي الى حليف في مواجهتها …. والثانية هي آفة تصنيف حركات ومنظمات المقاومة “حركات ومنظمات ارهابية”……
سقطتا القمة
رغم النظرة العامة الايجابية بالشكل للقمة من حيث لم الشمل فإن السقطة الاساسية للقمة هي في عدم تحريك بوصلتها ، انطلاقا من مفهوم وواقع الأمن القومي العربي والذي كان سيعطي القضية الفلسطينية موقعها الحقيقي ويعطي المقاومة موقعها الحقيقي، ويوضح حقيقة المشكلات العربية البينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ويُؤشر الى حلول فعلية وادوار فاعلة للقمة وواضحة الاتجاهات والاهداف….
والسقطة الثانية هي التفاوت بين طموحات الامير بن سلمان وعمق رؤية الرئيس الاسد من جهة، وبين الواقع الفعلي الراهن لأنظمة ودول عربية من جهة أخرى…
خلاصة
واذا اردنا خلاصة نقول ان امام رئيس القمة الحالي الأمير محمد بن سلمان فرصة تاريخية ليجمع طموحاته مع رؤية الرئيس الأسد التي عبرت كلمته الملفته والعميقة في القمة عن ملامحها ،وذلك في برنامج عمل مشترك لقيادة العالم العربي نحو تشكيل قطب اقليمي في مرحلة التغييرات نحو عالم متعدد الاقطاب…
ولعل تصحيح البوصلة في اتجاه اعتبار تحرير فلسطين هو شرط و بداية تكريس اي انجاز ،هو الخطوة الاولى…