الدكتور وجيه فانوس* – الحوارنيوز خاص
أَنْ تَنالَ هذهِ الحكومُة، لدولةِ الرئيسِ نجيب مِيقاتي، ثِقَةَ المجلسِ النِّيابيِّ؛ وخاصَّةً في خِضَمِّ ما بَرِحَ يُعايِشُهُ اللُّبنانيُّون اليومَ مِن ويلاتِ الخُطوبٍ المحليَّةِ والإقليميَّةِ، ويعانونهُ من بؤسِ أزماتِ السّياسةِ والاقتصادِ وهزالِ الإدارةِ، ويسبحونَ فيهِ، تالياً، في خضَمٍّ مِن المآسي الاجتماعيَِّة الماحِقةِ؛ فهذا ممَّا يُعتبرُ من بابِ تحصيلِ الحاصلِ، في سَعيٍّ لاهِثٍ ومحمومٍ إلى خلاصٍ ما مِن أعباءِ ضغطٍ وطنيٍّ عامٍّ مُتزايدٍ؛ أو هو، وبكلِّ بساطةٍ، عملٌ يُشبه مجرَّد الحصولِ على إِذْنِ دخولٍ إلى منطقةٍ معيَّنةٍ من مؤسسةٍ أو حتَّى (فيزا) إلى بلدٍ ما. وكما هو معلوم، فإنَّ إذنَ الدُّخولِ هذا، يبقى صالحاً، إلى حينِ ثُبوتِ ما هو خلاف ذلك. أما تقرير ُهذه الصلاحيّّة، فمرتبطٌ، وبصورةٍ عُضويَّةٍ، بالقيِّمين على أحوالِ المنطقةِ المَعنِيَّةِ، والمستفيدين المباشِرين من حُسنِ سَيْرِ أوضاعِها؛ إذْ هم، وهم وحدهم، مَن يَقدِر على إصدار حُكم استمرارِ الصَّلاحيَّة.
وبكلِّ وضوحٍ وبكلام مباشر، فَلَئِن أجازَ المجلسُ النِّيابيُّ، لهذه الحكومة، أن تُباشر أعمالها، بثقةٍ أصدرها لها؛ فلا بدَّ من الانتباه، تالياً، وبكلِّ يَقَظَةٍ ومسؤوليٍَّةٍ، إلى أنَّ الثِّقةَ الحقيقيَّةَ، ستبقى مرهونةً بواقعِ أنَّها لا تُمنحُ ولا تُؤخذُ، بل تُعاش.
إن الثِّقةَ، عامَّةً، والوطنِيَّةِ مِناه خاصَّةً، ثقةٌ ذاتُ وُجُودٍ جَدَلِيٍّ، ينهضُ على توافقٍ عملانيٍّ، قِوامه معادلةٌ وطنيَّةٌ بين قُطبين أساسين؛ أحدهما ما ستقوم به الجكومة من أعمال، وثانيهما ما سيجده الشَّعب من خدمةٍ وطنيَّةٍ تقدِّمها هذه الحكومة إلى الوطن. وهكذا، فإن لم تنجح الحكومةُ في القيامِ بأعمالها، انتفى وجود الثِّقة؛ وكذلك هو الحال، إن لم يجد الشَّعب خدمة وطنيَّة، في ما تقوم به الحكومة.
من أبرز معايير الخدمة الوطنيَّة، وخاصَّة في هذه المرحلة، ورغم كلِّ أحقيَّةِ موضوعاتِ التَّحقيق في ما بات يُعرف بنهب المال العام وسوءِ إدارته، وجميع ما هو مرتبطٌ بما حصل في مرفأ بيروت، يوم الرّابع من آب 2020، وكذلك سائر ِما يتفرَّعُ عن فسادِ إدارةِ كثيرٍ من مرافقِ الدَّولةِ، وما يلحقُ بكلِّ هذا من شؤونِ أزماتِ المحروقاتِ والدَّواءِ والغذاءِ والتَّربيةِ؛ فإنَّ المعيارَ الأهمَّ، بلِ المعيارِ الذي لا بدَّ لهُ مِن أن يحتلَّ أولويَّةً لا ينازعه عليها أيُّ اهتمامٍ آخر، هو وضعُ قانونٍ انتخابيٍّ يُراعي مبدأ المواطنة الحقَّة، وإقرارهُ بالابتعادِ عن كلِّ ما هو تقسيمٌ طائفيٌّ، واعتمادُ مفهومِ التَّمثيلِ النِّسبيِّ؛ والعملِ، من ثَمَّ، على تشجيعِ إنشاءِ أحزابٍ وطنيَّةٍ ديمقراطيَّةٍ فِعلِيَّةٍ، بعملانيَّةِ رؤاها وممارساتِها على حدٍّ سواء.
ما مِن أحدٍ إلاَّ ويرى في القانونِ الانتخابيِّ الحاليِّ، أُسُسَ ما يُعوِّقُ قِيامَ أيِّ نظامٍ ديموقراطيِّ عمَلِيِّ، يُمْكِنُ مِن خلالهِ القيام بمحاسبةٍ وطنيَّةٍ فعليَّةٍ، مسؤولةِ عن أيّ تقصيرٍ أو سوءِ إدارةٍ أو نَهْبٍ أو حتَّى خِيانة. واقعُ الحالِ، إنَّ في هذا القانونِ الانتخابيِّ الحاليِّ، ما لا ينفكُّ قائماً على رؤيةٍ طائفيَّةٍ، ومستنداً إلى مفاهيم ترتبطُ بالمصالحِ المباشرةِ والطُّموحاتِ الخاصَّةِ بأشخاصِ الزُّعماءِ والقياداتِ؛ أكثرَ بكثيرٍ مِمَّا ينبثقُ مِن رؤيةٍ إلى مصلحةٍ وطنيَّةٍ عامَّةٍ، أو تحقيقِ طموحاتٍ وطنيَّةٍ جامعةٍ.
إنَّ هذا القانون الانتخابيّ البائد، والذي ما برح مُعتَمَداً، رَغْمَ جميعِ ما أُدخِلَ عليهِ مِن تعديلاتٍ، أو نالَهُ مِن ترقيعاتٍ أو أُسْبِغَ عليهِ مِنً تلفيقاتٍ، يبقى القانونَ الانتخابيَّ المُتَوارَث، عن منطقِ ماضٍ سياسيٍّ مُتهتِّكِ البنيانِ ومُنهكِ الفاعليَّةِ، منذ مايتجاوزُ النِّصفَ قرنٍ مِن التَّطوُّراتِ السِّياسيَّةِ، التي احتلَّت مطارِحها الواسعةِ والبائسةِ في الشَّأنِ اللُّبنانيِّ.
لم يَعُد، وبكلِّ واقعيَّة صادقة ومسؤوليَّةٍ وطنيَّةٍ، بإمكانِ هذا القانون مراعاةَ ما حصلَ خلالَ النّصفِ قرنٍ الذي مضى، مِنَ الزَّمَن؛ مِن تطوُّراتٍ عقليَّةٍ وفكريَّةٍ ومفهوميَّةٍ وعمليَّةٍ، ومن بنى مختلفةٍ ومتجدِّدةٍ لمنطقِ التّفكيرِ السِّياسيِّ، ومِن تطلُّعاتٍ مستجدَّةٍ إلى العيشَينِ، الاجتماعيِّ منهما والمجتمعي، عندَ جميعِ أفرادِ الشَّعبِ، في لبنان. لقد تَوَلَّدَ، خلالَ الخمسينِ سنةٍ المنصرمةِ، وفاقَ ما يُثبته الواقعُ الوطنِيُّ المَعِيشُ، وَعيٌّ وَطَنِيٌّ معاصِرٌ، ينهضُ على احتياجاتٍ مختلفةٍ، ويعتمدُ لغاتٍ سياسيَّةٍ مغايرةٍ، ويستشرفُ رؤىً ذاتَ أبعادٍ أشدَّ ارتباطاً بالآتي مِن الزَّمنِ وتطلُّعاتِ ناسِهِ.
وحدهُ، القانونُ الانتخابيُّ غير الطّائفي، القائمُ على مبدأ المواطَنَةِ الحقَّةِ ومفاهِيمِها، والنَّاهضُ على عملانيَّةِ الاحتسابِ النِّسبيِّ للفوزِ بأصواتِ النَّاخبين؛ والهادفِ إلى أن يكونَ لكلِّ مواطنٍ، بعيداً عن أيِّ احتسابٍ لطائفتهِ الدِّينيَّةِ أو مذهبِهِ الإيمانيِّ أو منطقتهِ الجغرافِيَّةِ، المقدرةَ على الإدلاءِ بصوتهِ الانتخابيِّ الحرِّ، تقريراً منه لتوجُّهه إلى من سيوليه ثقة تمثيله في المجلس النِّيابي؛ هو القانون الذي سيقود، حُكماً وبالمنطق العقلي، وبعيداً عن أيِّ خَطٍّ أَحمَر، إلى تمكين اللُّبنانيين من التَّحقيقِ في ما جرى نَهْبُهُ من مالهم العام، وما ارتُكِبَ من سوءِ إدارة لأموالهم أكان في الدوائر العامة أو في المصارف؛ وكذلك الأمرُ، في الكشفِ عن ما هو مرتبطٌ بما حصلَ في مرفأ بيروت، يومَ الرَّابعِ من آب 2020، وسائرِ ما أدَّى إلى ما نُعانِيهِ اليومَ مِن فواجع وطنيَّةٍ، في فسادِ إدارةِ كثيرٍ مِن مرافقِ الدَّولةِ، وما يَنْبَثِقُ عن هذا مِن بلاوي أزماتِ المحروقاتِ والدَّواءِ والغذاءِ والتَّربيِة.
*رئيس ندوة العمل الوطني – لبنان
زر الذهاب إلى الأعلى