رأي

ميناء أمريكي عائم على شواطئ غزّة : مساعدات إنسانيّة ام قاعدة عسكرية ؟ (جواد الهنداوي)

 

   د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز

  كِذبَة اخرى وكبرى من بين اكاذيب الولايات المتحدة الأمريكية، تروّجها قبل حلول نيسان .

وتنطوي ( واقصدُ الكذبَة ) على قدر كبير من هواية وممارسة أمريكية، إلا وهي ” الاستخفاف في عقول الناس “.قد تمّرُ وتعبرُ على بعض من الرأي العام الأمريكي ، والمُتابع لما يجري في بلاده وخارج بلاده من احداث ،بحكم قرب الانتخابات الأمريكية ، وضرورة امتلاك صورة واضحة ومعيار لابداء رأيه و ممارسة حق الاختيار او الانتخاب ،ولكن لن تجتاز الكذبة الأمريكية حول غرض الميناء عقولنا !

دخلت غزّة ،بدماء أطفالها ونسائها ، وصمودها ، و مآسيها ،في السباق الانتخابي الأمريكي ، فبدأت ادارة الدولة العظمى ،والعاجزة عن إيصال المساعدة لغزّة براً وبحراً  بالمساهمة في الإغاثة الجويّة لمُحاصري وجائعي غزّة ، وابتكرت فكرة مشروع الميناء البحري العائم على شواطئ غزّة ،كي تسّرع بالإغاثة ! وطبعاً ثمة هدفان خلف الإغاثة جواً وفكرة الميناء العائم : الانتخابات وحرص الرئيس بايدن على الظهور ،امام الرأي العام الأمريكي ،بمظهر لباس الإنسانية وحقوق الإنسان الخ … والهدف الثاني هو ألا تتُّهم ادارته ،سياسياً او قضائياً او اعلامياً، بتهمة المشاركة مع اسرائيل في جرائم الابادة الجماعية المروّعة ،التي يعيشها العالم منذ ما يقارب ستة شهور !

ولكن هل هدف الميناء هو اغاثة اهل غزّة ؟

بكل تأكيد ،كلا . و ادناه هي الاسباب :

اولا ،امريكا هي التي تدير الحرب ، او بالأحرى ” الابادة “، ومنذ اليوم الثالث لطوفان الأقصى ،اي منذ يوم ١٠ تشرين الاول، وتشارك فيها ،  ليس فقط سياسياً و اعلامياً و دبلوماسياً ، وانما عسكرياً وميدانياً ، وتساعدها دول الناتو. وبعبارة اخرى ،يقع على امريكآ عبء مسؤولية مساهمة فعّالة في جرائم الحرب والإبادة في غزّة ؛ فهي ( اي امريكا ) قادرة بكل تأكيد ،ولديها كل الوسائل السياسية والعسكرية،لايقاف جرائم الابادة في غزّة . مجّردْ استخدام امريكا الفيتو لمنع صدور قرار بايقاف إطلاق النار ( والأصح ايقاف جرائم الابادة ) يجعلها شريكاً اساسياً ومع سبق الإصرار في الجرائم المرتكبة في غزّة !

ثانياً ، يكرر كبار مسؤولي الادارة الامريكية في تصريحاتهم ، ضرورة الوصول إلى إعلان هدنة في غزّة ، ” وقبلَ  حلول شهر رمضان ” ! ولكن نواياهم ومصالحهم هي الوصول إلى هدنة ،في اقرب وقت ، ” وقبل  موعد الانتخابات ” ! اي حتى المطالبة بالوصول إلى هدنة ( إنْ كانت المطالبة صادقة او نفاقا ) يجبُ ان تُبرّمج ،لا وفقاً لمعايير اخلاقية وقانونية وانسانية ،وانما وفقاً للمصلحة الانتخابية الامريكية ،والمصلحة الاسرائيلية في الميدان ، واستخدام ” حلول شهر رمضان ” هو مجرد تغطية للنوايا وتضليل العالم ،كما هو ديدنهم في استخدام ” الديمقراطية ،وحقوق الإنسان ، ومعاداة السامية الخ …) .

ثالثاً ، هل فعلاً امريكا بحاجة إلى ميناء عائم لنقل وايصال المساعدات ، وهل هي فعلاً عاجزة على الضغط او الطلب من إسرائيل بفتح المعابر الحدودية الأربع لايصال المساعدات ؟ ولماذا عدم الاستعانة بمجلس الامن لاتخاذ مايلزم بخصوص إيصال المساعدات ؟ ولماذا عدم الاستعانة بقرارات محكمة العدل الدولية ، والتي طالبت إسرائيل باتخاذ كل التدابير لمنع الابادة والموت جوعاً؟ مجرد طرح هذه الاستفهامات ، ودون اجابة ، تكفي لكشف التضليل و نوايا الادارة الأمريكية بخصوص اغاثة غزّة وبخصوص اهداف الميناء .

رابعاً، منع الابادة و اغاثة غزّة لا يقتضيان الانتظار ستة شهور ،ولكن ايجاد فكرة الميناء ، ليكون قاعدة بحرية عسكرية أمريكية جديدة في المنطقة ، تحتاج ربما مثل هذه المًدّة . سيكون لأمريكا قاعدة عسكرية جديدة  في شواطئ غزّة ،ليس بعيداً عن لبنان ، وتبعد بمسافة ٤٠٠ كيلومتر عن قاعدة حميميم  الروسيّة .ولكن ماذا تريد امريكا من هذا الميناء العائم ؟

حماية إسرائيل و داعميها في المنطقة ، وعن قرب ، والضغط على حماس للقبول بالشروط الاسرائيلية للهدنة ، والمشاركة معها في اقتحام رفح ( ان اقتضت الضرورة ) ، و رسالة اخرى إلى حزب الله و ايران ،والى الشعب العربي ،وخاصة في مصر والأردن ، وفي حالة انتقال الحرب ،من مهدها الفلسطيني إلى جغرافيتها الشرق اوسطيّة . تفكّر امريكا ومَنْ معها ، باستخدام الميناء العائم ،ربما ،لنقل اهل غزّة ، إلى دول ومناطق اخرى ،في حالة اقتحام رفح .

وهل المقاومة في غزّة و في المحور في غفلة عمّا يخطط له الصهاينة ؟

كلا .. والدليل هو التكتيك الجديد الذي تستخدمه  المقاومة في غزّة ،في الوقت الحاضر ،والذي يساير حرب استنزاف طويلة الامد ، قائمة على نصب الكمائن ،والاشتباك بمجموعات مقاومة اقل عدداً و اخّف حملاً .و نتساءل مثلما تساءل الصحفي الفلسطيني ،عبد الباري عطوان : هل ستستعين المقاومة في غزّة بخبرة ودعم اليمنيين في التعامل مع الميناء الأمريكي ،المزمع إنشاؤه على شواطئ غزّة ؟ .

   للأسف ،ما تزال الادارة الأمريكية ترهنُ سياساتها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها الدوليّة  للأرادة الصهيونية ،وتوظفهما لمصلحة إسرائيل . تعتقد الادارة الأمريكية ان ما تتبناه من سياسة تجاه القضية الفلسطينية،وخصوصاً تجاه ما يجري في غزّة ،سيصب في مصلحة إسرائيل ،وقد يكون هذا الاعتقاد صائبا لمدة محدودة من الزمن ،ولكن ،بكل تأكيد ،سيقود هذا الدعم اللامحدود و الاعمى ، إلى نهاية إسرائيل .

  *سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / في ٢٠٢٤/٣/١٢.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى