كتب حلمي موسى من غزة:
إسرائيل تفشل صفقة التبادل بحسب حماس وأهالي الأسرى الإسرائيليين. وحماس تفشل الصفقة بحسب إسرائيل وخصوصا كبار السياسيين فيها. وأمريكا المنحازة لإسرائيل تتحدث طوال الوقت عن تنازلات إسرائيلية سخية وعن تعنت من جانب حماس، فيما حماس تصر على أن أمريكا ليست وسيطا وأنها منحازة وطرف. ولكن جهات إسرائيلية بينها أطراف كانت تعتبر ضمن “الجهات العاقلة”، مثل رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق الجنرال غيورا آيلاند، يرون أن إدارة بايدن متآمرة مع “الإسلاميين” ضد إسرائيل. وبعد أن تستمع لكل هذا الخليط من المواقف، تحتار من أين تبدأ وكيف تطبخ عشاء يصلح للتناول بعد يوم عناء طويل.
وقد كرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ما كان يفعله طوال فترة المحادثات خلال الحرب، وهو اختيار اللحظة المناسبة لإطلاق تصريح ينسف كل ما كان المفاوضون توصلوا إليه. هل تذكرون التصريحات بخصوص الأوامر التي أصدرها للموساد لاغتيال قادة حماس في قطر؟ هل تذكرون موعد اجتياح رفح في ذروة الحديث عن قرب إنجاز صفقة تبادل وهدنة، وقبل أيام حينما قرر أنه مع صفقة أو من دونها سيتم اجتياح رفح قريبا وأن الخطط جاهزة؟.. كل هذه التصريحات كان نتنياهو خلفها علنا وبهدف واضح وهو افشال الصفقة ومنع انتهاء الحرب.
وبعد الضجة التي أثارها قبل يومين بإعلانه تحت ستار “مصدر سياسي” أن إسرائيل ستجتاح رفح في كل الأحوال، وهو اعلان اجتذب انتقادات واسعة من داخل الحكومة وأهالي الأسرى الإسرائيليين، عاد نتنياهو ليتهم حماس بإفشال الصفقة. وأعلن نتنياهو أن “ما ينشر عن موافقة إسرائيل على إنهاء الحرب كجزء من صفقة تبادل أو أن إسرائيل ستسمح بتوفير ضمانات من جانب الوسطاء إنهاء الحرب، ليست صحيحة”. وأتبع ذلك بالقول إن “حماس حتى هذه اللحظة لم تتخل عن مطلب إنهاء الحرب، وهي بذلك تفشل كل إحتمال للتوصل لاتفاق”.
ونقلت “يديعوت” عن جهات سياسية إسرائيلية أخرى توضيحها أن نتنياهو أمر بعدم وصول الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى القاهرة حتى بعد وصول رئيس المخابرات المركزية ويليام بيرنز إلى هناك. بل أن إسرائيل انتقدت وصول بيرنز واعتبرته تسهيلا لمواقف حماس ووسيلة ضغط على إسرائيل. وقرر نتنياهو أن الوفد المفاوض “يفترض أن يصل إلى القاهرة حال رد من حماس يفتح أفقا لمفاوضات وتقدم. والوفد جاهز وتلقى تفويضا للتقدم بالصفقة. وأن إسرائيل تتوقع وصول رد حماس الليلة أو صباح الغد” (ليلة أمس أو هذا الصباح). وسرعان ما اتضح أن قرار عدم إرسال الوفد الإسرائيلي المفاوض اتخذه نتنياهو بمعزل عن وزرائه في كابينت الحرب، وتحديدا بمعزل عن غانتس وآيزنكوت وهو ما أثار انتقادا واسعا.
وبعد نشر نتنياهو لإعلانه الأخير أصدرت عائلات الأسرى بيانا قالت فيه أنه “في أعقاب بلاغي رئيس الحكومة، المختبئ خلف ستار “مصدر سياسي كبير”، والتي أفادت بأن إسرائيل لن تقبل إنهاء الحرب مقابل صفقة تعيد كل الأسرى، سوف تبدأ الساعة الثامنة والنصف مساء اليوم تظاهرة في بوابة بيغين بإعلان طارئ من أبناء عائلات الأسرى”.
وذكرت الصحف الإسرائيلية أنه في أعقاب تزايد الأنباء عن رد إيجابي من جانب حماس اختار نتنياهو، تحت مسمى “مصدر سياسي كبير” نشر بلاغات قالت إنه وبشكل مطلق لن توافق إسرائيل على إنهاء الحرب وأن الجيش الإسرائيلي سيدخل رفح ويدمر كتائب حماس الباقية فيها، سواء تم الاتفاق على هدنة أم لا. وقد انتقد الوزير بيني غانتس إصدار هكذا بلاغات في ذروة المفاوضات وقال “لم نتلق بعد رد حماس عى المقترح، وعندما نتسلم الرد سيجتمع كابينت إدارة الحرب ويبحث الأمر. وحتى ذلك الوقت، أقترح على كل “المصادر السياسية” وجميع صناع القرارات انتظار تعليمات رسمية، والتصرف ببرودة أعصاب وعدم الدخول إلى هيستيريا لاعتبارات حزبية”.
وكان الوزيران بتسئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير قد أعلنا في الأيام الأخيرة وبشكل متكرر معارضتهما للصفقة المقترحة معتبرين أن قبولها هو “استسلام مهين”. ونتنياهو يشعر أنه في معضلة حقيقية بين قبول الصفقة وانهيار ائتلافه الحكومي الذي بناه بشق الأنفس، ولذلك يحاول مؤخرا وبشكل متسارع رفض الإيحاءات بقرب الاتفاق على صفقة تنهي الحرب، ويصر على أن الحرب مستمرة حتى لو شهدت هدنة هنا وأخرى هناك. ولذلك يهرب نتنياهو من تعابير وقف النار التام ويرفض إيرادها ضمنا أو علنا، وهو ما ترفضه حماس وتصر على إيراده علنا في أي اتفاق.
وكان لافتا هذه المرة انحياز صحافيين إسرائيليين مشهورين إلى جانب مواقف تسجل لهم. فقد أصر المراسل السياسي لقناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي على أن يوضح للمشاهدين أنه خلف عبارة “مصدر سياسي كبير” يوجد نتنياهو وديوان رئاسة الحكومة، وأن هذا الموقف جاء من هناك. وهذا ما أثار انتقادات مهنية لتسريب مصدر المعلومات وإشادات سياسية للجرأة في منع استمرار الخدعة الإعلامية الدائرة منذ زمن طويل.
في كل حال وخلافا لما ساد في وسائل الإعلام العربية عن انتهاء المفاوضات وقرب الإعلان عن الاتفاق، ساد نوع من الحذر الشديد في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وتحدثت معظم هذه الوسائل عن أن التفاؤل الموجود في وسائل الإعلام العربية يتجاهل الخلافات الشديدة داخل إسرائيل ويركز على الدور الأمريكي. وأشارت هذه الوسائل إلى أن الجو السائد في إسرائيل أقرب إلى التشاؤم منه إلى التفاؤل بشأن صفقة التبادل في ظل إدراك صعوبة تقبل نتنياهو واليمين لها. وحسب الرأي السائد في إسرائيل فإن رد حماس لن يتيح استمرار المفاوضات وتقدمها وصولا إلى إبرام اتفاق لوقف النار.
ولكن بعكس التشاؤم الشائع في إسرائيل تبث مصادر أمريكية أملا بأنه في “نهاية المطاف سوف تبرم اتفاقية لتبادل الأسرى”. وحسب أحد هذه المصادر فإن “هناك الكثير من الضغط عى القطريين. وحماس تنشر فيديوهات عن الأسرى معناها أنهم لا يريدون دخول الإسرائيليين إلى رفح. في حماس اعتقاد بأنهم انتصروا في الحرب ولذلك يحاولون رفع سقف الثمن، أما نتنياهو فإنه يعاني من اعتباراته الحزبية، ونحن نحاول تربيع الدائرة. حتى الآن دعمنا موقف إسرائيل ونحن نظن أنها قطعت طريقا. وحاليا نضغط على حماس”.
وبحسب الصحافة اإسرائيلية فإن نقطة الخلاف الأساسية في الصفقة بقيت مطالبة حماس بتعهد إسرائيلي لوقف الحرب. وإسرائيل لا تزال تصر على رفض هذا المطلب. والمقترح المصري صاغ هذه النقطة بشكل غامض يسمح للطرفين بتفسيره وفق ما يريان وتتحدث عن “هدوء مستقر” وليس عن وقف نار دائم.