الحوار نيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب إبراهيم الأمين في صحيفة الأخبار:
أظهرت الاتصالات غير العلنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية وإقليمية ومنظّمات أممية أن العدو ماضٍ في عدوانه الشامل على قطاع غزة، وأن تهجير سكّان القطاع إلى خارجه لا يزال على رأس لائحة أهدافه، فيما تشير العقبات التي تواجه المفاوضات حول تبادل الأسرى والمعتقلين إلى أن العدو يريد كسب الوقت لمواصلة حربه المفتوحة.
وعلمت «الأخبار» من مصادر مشاركة في الاتصالات أن حكومة العدو أبلغت الإدارة الأميركية والأمم المتحدة ودولاً أوروبية وعربية، أخيراً، بأنها «تشجّع» على بناء «منطقة نزوح آمنة» في منطقة المواصي القريبة من البحر جنوب غرب قطاع غزة، وطلبت أن تبادر المنظمات الدولية، برعاية الأمم المتحدة، إلى نصب 200 ألف خيمة لاستيعاب أكثر من مليون لاجئ فلسطيني من سكان شمال القطاع. وعُلم أن الموفد الأميركي الخاص للشؤون الإنسانية ديفيد ساترفيلد بدأ بممارسة ضغوط على مصر وعلى جهات في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للموافقة على الخطة وبدء العمل بها سريعاً. وبحسب معلومات «الأخبار» فإن النقاش في مكتب غوتيريش حُسم بإبلاغ الأميركيين والإسرائيليين بأن الأمم المتحدة «تفضّل عدم الانخراط في هذه العملية، وتطالب بالقيام بكل الإجراءات الهادفة إلى حماية المدنيين وتوفير متطلّبات معيشتهم وحياتهم غذائياً وصحياً».
وعزت المصادر تصاعد الحملة الإسرائيلية على غوتيريش إلى عدم تجاوبه مع خطة التهجير هذه، فيما يسعى ساترفيلد، الذي يتجوّل بين القدس والقاهرة وعواصم أخرى لمتابعة تنفيذ برنامج التهجير، إلى فرض أمر واقع على الجميع، وهو يمارس ضغوطاً مكثّفة على مصر للقيام بخطوات عملانية في منطقة العريش وبعض مناطق سيناء، خصوصاً لجهة تسهيل تثبيت مراكز لمنظمات دولية في المناطق المقترحة. وقالت المصادر إن ما تطلبه إسرائيل يقود إلى نتيجة واحدة، هي تهجير أبناء شمال قطاع غزة ودفعهم إلى العيش في ظروف لا إنسانية، تمهيداً لدفع دول عربية وغربية للقبول باستضافتهم. ولفتت إلى أن الخطة تتطابق مع مجريات العمليات التدميرية التي تقوم بها قوات الاحتلال في شمال القطاع، حيث دمّر العدو قسماً كبيراً من المساحات السكنية والمرافق الحكومية والصحية والخدماتية، ويقوم بعمليات تجريف تعيق أي عودة للسكان.
وكانت مذكّرة سرية صادرة عن الملحق العسكري في سفارة هولندا في تل أبيب، نشرتها صحيفة «إن آر سي» الهولندية، أشارت إلى أن «إسرائيل مدفوعة بالانتقام تستخدم القوة المميتة وتتعمّد إحداث دمار هائل للبنية التحتية والمراكز المدنية في غزة، واستهداف المنازل والجسور والطرق والتسبّب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين». وأشارت المذكّرة إلى أن العدو «يحاول القضاء تماماً على تهديد حماس، وهو هدف عسكري يكاد تحقيقه أن يكون مستحيلاً»، و«تستعرض القوة لتظهر لإيران وحزب الله أنها لن تتوقف عند أي حدّ».
الشمال منطقة عسكرية محظورة
وفي هذا السياق، كشفت مداولات مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين أن العدو يريد التعامل مع شمال قطاع غزة على أنه «منطقة عسكرية محظورة».
وعلمت «الأخبار» أن العدو عطّل صفقة كانت شبه منجزة لتنفيذ هدنة تستمر خمسة أيام يتخللها إطلاق معتقلين فلسطينيين مقابل محتجزين لدى المقاومة، عندما رفض إدخال أي مساعدات إنسانية وإغاثية إلى شمال القطاع، وأبلغ الأمم المتحدة وأكثر من عشرين منظمة دولية بأن «وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق» ستكون مسؤولة عن تنسيق أي عمليات إغاثة في مناطق الشمال، بما في ذلك متابعة أحوال المرضى الذين لا يزالون قيد الاحتجاز في مستشفيات شمال القطاع. وعُلم أن مسؤولين في هذه الوحدة باشروا اتصالات مع جهات فلسطينية في مستشفيات شمال القطاع، كما يشارك هؤلاء في الاجتماعات التي يديرها ساترفيلد مع جهات عربية ودولية ومنظمات معنيّة بالعمل الإنساني.
وأدّى هذا الرفض إلى تعقيدات في مفاوضات الهدنة المؤقتة، من دون أن يعطّلها. وتفيد المعلومات بأن اجتماعات خاصة عُقدت ليل أمس في كل من القاهرة والدوحة، بمشاركة وفود من الحكومة القطرية والمخابرات المصرية والمخابرات الأميركية وجهازَي الموساد والشاباك. وشملت البنود الرئيسية التي كان التوافق قد أُنجز حولها، إطلاق المقاومة النساء المسنّات والأطفال دون الـ 18 سنة إضافة إلى حاملي الجنسيات الأجنبية، مقابل إطلاق إسرائيل سراح الأسيرات المعتقلات في سجونها والأطفال دون الـ 18، على أن يجري ذلك بعد إعلان عن وقف شامل للعمليات العسكرية في كل مناطق قطاع غزة، فيما أكّد العدو أنه لن يوقف الطلعات الجوية الاستطلاعية فوق مناطق الشمال باعتبارها منطقة عسكرية. كذلك تم الاتفاق على تنفيذ الصفقة تدريجياً على مدى خمسة أيام، يجري خلالها السماح بإدخال 1000 شاحنة مساعدات إلى القطاع، من بينها عدد قليل من صهاريج الوقود المخصّصة للمستشفيات وبعض المراكز الخدماتية، على أن تسمح إسرائيل بدخول الوقود الذي يخص شاحنات وكالة الأمم المتحدة العاملة في القطاع.
غير أن الاتفاق اصطدم بتقديم إسرائيل لائحة بـ 100 اسم قالت إنه تنطبق عليها صفة المدنيين من فتيان ونساء، فيما أبلغت المقاومة الوسيطيْن المصري والقطري بعدم إمكانية التثبت من وجود كل هذه الأسماء لدى القوى الرئيسية، وأن الأمر يحتاج إلى وقت للبحث والجمع والإحصاء، أضف إلى ذلك رفض المقاومة «تلغيم» اللائحة بأسماء مجنّدات إسرائيليات يتجاوزن الـ 18، ممن تنطبق عليهن صفة الأسرى العسكريين غير المشمولين بهذه الصفقة.
وقالت مصادر فلسطينية لـ«الأخبار» إن العدو يتجاهل الوقائع الجديدة في قطاع غزة بعد حربه التدميرية، وهو يفترض أن الرقم الذي أعلن عنه موجود فعلياً في القطاع، فيما لا يمكن للفصائل الفلسطينية الجزم بدقة الرقم، وقد أُبلغ الوسطاء بذلك، وبأن وقف الحرب بصورة شاملة أو لفترة زمنية طويلة هو السبيل الوحيد للتثبت من المعطيات التي توردها إسرائيل. وأشارت المصادر إلى أن بين الأسرى من قُتلوا في الغارات الإسرائيلية ولا تزال جثثهم تحت الأنقاض، إضافة إلى وجود أسرى لدى مجموعات مدنية لم يعد يُعرف عنهم شيء.
وشدّدت المصادر على أن الوقت بدأ ينفد لدى قوى المقاومة، وأن أي عرقلة جديدة من جانب العدو قد تطيح بالمبادرة من أصلها. وكان لافتاً في هذا السياق موقف الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة باعتراض الحركة على بعض ما يخصّ المفاوضات وعرقلة العدو، وأنها قد تخرج من المبادرة وتترك الأسرى لديها لمبادلتهم في ظروف أفضل لاحقاً.
الأمر الآخر يتعلق بآلية التنفيذ، إذ تريد إسرائيل الإفراج عن جميع الأسرى دفعة واحدة، إلا أن الوسطاء أكدوا استحالة الأمر، وأن التنفيذ يجب أن يتم بالتزامن، بحيث تطلق المقاومة المحتجزين لديها (تقول مصادر فصائل المقاومة إن العدد الذي تنطبق عليه الشروط لا يتجاوز الـ52) على خمس دفعات، على أن تطلق إسرائيل المعتقلين لديها على خمس دفعات أيضاً، بالتزامن مع إدخال 200 شاحنة مساعدات يومياً والسماح بدخول فرق طبية إلى القطاع ونقل عدد من الجرحى إلى خارج غزة.