كتب حسن عماشا
مع ولادة مرحلة تاريخية جديدة للصراع في منطقتنا، لم يتبلور بعد أطر سياسية – وطنية بمستوى هذه المرحلة وتحدياتها. لا زالت كياناتنا تحت تأثير كبير مشوّش من قبل قوى عديدة تختلف في تاريخها وايديولوجيتها ولكنها جميعها ماضوية تستقي معارفها وأدواتها المفهومية من منابع “سايكس-بيكو” ومدارسها، ولو ان بعض التشكيلات السياسية لم يتعدَّ عمرها بضع سنين.
من هنا تمثل الحاجة إلى بلورة أطر وحركة سياسية ضرورة ملحة لمواكبة هذا المرحلة التاريخية وما تمليه من تحديات مضافة على مرحلة لم تنجز مقتضياتها، وهي مرحلة التحرر الوطني- القومي، وبناء الدولة الصاعدة التي تستطيع أن تصوغ مستقبلها وتتفاعل بشكل بناء مع العالم الجديد، عالم ما بعد هيمنة الإمبراطورية الاميركية.
ما تشهده فلسطين اليوم ليس مجرد انتفاضة تؤدي في مآلها إلى تحقيق بعض المكاسب الواهية على غرار ما آلت إليه الانتفاضات الشعبية الفلسطينية السابقة، وذلك لأسباب موضوعية وذاتية ترتبط في طبيعة الأزمة العامة على الصعيد العالمي وانتقال مركز التأثير الاقتصادي في العالم من الغرب إلى الشرق. مع ما يعنيه ذلك من تراجع وضعف نفوذ ومقدرات الولايات المتحدة وراثة الاستعمار القديم والمستثمرة لموارد الشعوب التي خضعت للاستعمار والأدوار الوظيفية التي رسمتها للكيانات التي صنعتها قوى الاستعمار القديم. وباتت اليوم بامس الحاجة إلى موارد جديدة ليست متوفرة لتنقذ نفسها وتحافظ على سطوتها في العالم. بمواجهة عالم جديد تكون على قدرات هائلة في الإنتاج والبناء والتقدم وتعظيم موارد الحياة، على العكس تماما ممّا قامت به الولايات المتحدة والغرب عموما في استهلاك واستنزاف الموارد الطبيعية القيم الخادعة في الرعاية الاجتماعية التي كانت تتغذى صناديقها من موارد الشعوب المستغلة.
أحداث اسبوع واحد في فلسطين كشفت زيف تصوير وجود الكيان الاستعماري الاستيطاني باعتباره حق وجودي ورغم المحاولات الحثيثة من قبل الغرب اساسا وسكوت العالم على عمليات الاقتلاع الممنهجة للسكان الاصليين وإحلال مكانهم آخرين هم شذاذ افاق جرى جمعهم من بقاع الأرض تحت عنوان ديني زائف. لدور وظيفي يشكل شرطي وحاجز يمنع تحرر المنطقة تزود بأحدث آلات القتل والترهيب وحظِي بحماية دولية مكنته ان يكون فوق اي قانون وخارج اي إطار للمحاسبة على الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها بحق البشر والتاريخ والحضارة.
منذ بداية الألفية الثالثة وبعد اول هزيمة تعرض لها هذا الكيان الاستعماري دخل مرحلة العجز وفقد معها أحد أهم الأدوار التي خلق لاجلها بفعل المقاومة رغم ما حظي به من دعم عالمي.
ومن ناحية أخرى شكل صمود وتطور الجمهورية الإسلامية في إيران والتي شكلت سندًا وداعمًا لا يخشى اي مواجه مع الولايات المتحدة والغرب الاستعماري لشعوب المنطقة التواقة للتحرر من الهيمنة والتجزئة، والتي بنفسها صنعت بتحرير إرادتها الانتصارات من العراق إلى اليمن إلى لبنان والصمود الأسطوري لسوريا بوجه الهجمة الاستعمارية والتي استندت إلى كيانات رجعية عربية لا تلتزم الا ما يرسم لها أسيادها المستعمرين.
لقد بات واضحا مستوى التنسيق والتكامل بين أطراف محور المقاومة ولو انه لم يأخذ بعد شكلا دولتيا ،ولا زالت بعض اضلعه مخترقة ساحاتها التشكيلات سياسية واجتماعية تتماهي مع الاستعمار الغربي وأدواته، الا ان هذا لا يعدو مجرد كتل عاجزة ومفلسة وسوف تضمحل تأثيراتها في وقت قصير لن يطول بعد أن تنتهي هذه الجولة على أرض فلسطين.
فهل تنضج القوى البديلة وتتبلور لاملاء مساحة الفراغ السياسي التي سوف تتكشف مع انسحاب أميركا من المنطقة وانتهاء قدرة الكيان الاستعماري على البقاء.
زر الذهاب إلى الأعلى