بقلم د.أحمد عياش
كان إن اراد الاتصال بك لأمر هامّ له يتصل هاتفيا ويقفل الخط لتتصل به.
كان يسافر على نفقة شركة ادوية لمدة اربعة ايام ويعود الى بيروت من دون ان ينفق اكثر من دولارين.
كان يستخدم بيت اهله الارضي كصيدلية كي لا يدفع أيجار محلّ كبير.
كان يطلب من أمّه ومن أبيه ان يبيعا الادوية إن غاب عن الصيدلية كي لا يضطر ان يدفع راتبا شهريا لموظفة.
كان يمشي ويمشي ويستخدم سيارة الأجرة كي لا يشتري سيارة خاصة له حتى لا يضطرّ لتعبئة خزانها بالوقود.
لم يحبّ كي لا يتزوج .
لم يتزوج كي لا ينفق مالا لعرس ولبيت ولأثاث.
لم ينجب أطفالاً كي لا ينفق مالا من اجل حفاضات وحليب وثياب وهدايا والعاب واقساط مدرسية وجامعية.
لا اصدقاء دائمين له كي لا يضطر لردّ الدعوة على الغداء بسحور او بفطور او بعشاء.
وفجأة ترك لبنان.
سافر الى الدنمارك كي يعمل هناك.
قال ان في الدنمارك خدمات اكثر.
اتصل اليوم ليسأل عن التعميم رقم 158 لمصرف لبنان، وعن احتمالات لتعاميم أخرى في المستقبل القريب.
بعد الاطمئنان على صحته وبعد الكلام عن خاركوف وموسكو وكييف ،سألته لماذا هو مهتمّ بأمر التعاميم.
قال انّه كان مجرّد سؤال.
–قل الحقيقة! هل لك في المصرف مالا تسأل عنه؟
-نعم.
–هل الرقم كبير؟
ربما ليس كثيراً.
-كم هو المبلغ،عذراً على السؤال،فانت لا احد لك هنا،كل عائلتك اما هاجروا او اموات،اخبرنا لنعرف فالله اعلم بالاحوال؟
-تقريبا مليوني دولار.. رجاء انه سرّ بيننا.
–والله لافضحنك على شجر حرش بيروت ..كنت تملك مليوني دولار وتطلب منّا دائما ان ندفع لك ثمن كوب الشاي الانكليزي المشبع بالنعناع!؟
سامحك الله ..افقرت نفسك وهرمت وتتناول الآن ادوية وقد أثريت المصارف وعصابات النقد والحاكم بأمر المال…
لا سامحك الله قضيت عمرك شحاداً وحيداً ليسرقك الانجاس.
اتعلم؟ لقد خسرك الجاحظ ،الا انني سأكتب عنك ليكون ملحقاً سريعا ومختصرا لكتاب البخلاء…
ضحك حتى كاد ان يلفظ انفاسه ،واصرّ ان اكتب قصّته حتى لا يكرّرها احمق مثله استيقظ بعد فوات الأوان، وقال ممازحاً خاتما كلامه:
-طمنتني ،اذن لي غرفة ملكي في قصر الحاكم بأمر المال، او لي سيارة ملكي بين سيارات اصحاب المصارف.
سلام!!
زر الذهاب إلى الأعلى