د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز
أستعيرُ عنوان المقال ،الذي نشره الكاتب والاعلامي المعروف ، كمال خلف ، في صحيفة رأي اليوم الالكترونية ،بتاريخ ٢٠٢٣/٦/٣ ، و عنوان المقال هو ” العلاقة المصرية الايرانية ..المشيمة التي لم تنقطع على مدار الزمن ” ، كي اصفُ البينيّة التي تجمع ايران بمصر .
وبيّنَ الكاتب عمق العلاقة التاريخية بينهما وأستّدلَ بحقائق ووقائع ، إستنارتْ بإرث حضاري ميّزَ البلديّن والشعبيّن ، وروابط اسلاميّة و فكريّة وبهموم المنطقة و مصالحها .
يخطئ البعض في الرأي حين يعتقد أنَّ مَنْ يقفُ في المسافة بين مصر وايران هو دور اسرائيل ! هو ذات الاعتقاد الذي سادَ لردحة من الزمن في تفسير التنائي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية ، وكتبنا ،في دحضْ هذا التفسير ، بتعبير”أنَّ قَدَرَ و مكانة المملكة لا يسمحان بأن تكون مصالحها وسياساتها مرهونة بكيان محتل ،رفضَ ويرفض مبادرة المملكة للسلام وينتهك حقوق الشعب الفلسطيني”.
مصر وايران دولتان لهما ثقلهما ونفوذهما العربي والاقليمي والدولي،وهما اكبر بكثير من أنْ تتعثّر جهود وخطوات تلاقيهما بحاجز اسرائيل .
ايران لم تعرْ ايَّ اهتمام لإسرائيل في موضوع العلاقات الايرانية العربية او في موضوع العلاقات الايرانية الاقليمية والدولية ؛ بمعنى ،أن العلاقات العربية الاسرائيليّة والعلاقات التركية الاسرائيليّة لن تُثني ايران عن الحرص على ديمومة العلاقات الايرانية العربية والايرانية التركية ؛ استمرت ايران في تطوير علاقاتها ، وفي جميع المجالات مع دولة الامارات العربية المتحدة ومع مملكة البحرين ،رغم قيام الدول المذكورة بتطبيع وتطوير علاقاتها مع اسرائيل . وتسعى ايران الى علاقات مع الاردن ومع مصر دون التقيّد بما للبلديّن من علاقات واتفاقيات مع اسرائيل . تصّورَ الامريكان والاسرائيليون أنَّ إيران ستسقط في الفخ وتعادي الدول التي طبّعت مع اسرائيل ما يؤول بالامر الى عزلة ايران ، وما حصَلَ عكس ذلك بالضبط ، فطّورت ايران علاقاتها مع الامارات والبحرين ، وافشلتْ خطة الامريكيين والاسرائليين بتأسيس ما سمّوه بالناتو العربي ،او الناتو الابراهيمي ، والذي كان هدفه معاداة ايران وحماية المنطقة من ايران ،كما يدعوه .
والآن ايران هي التي تسعى الى تأسيس تحالف اقليمي بحري يضّمُ دول الخليج و دول اخرى ، و هدفه امن مياه الخليج وأمن المنطقة . سياسة ايران تجاه دور اسرائيل في المنطقة مرتكزة على اساسين : الاول هو الصبر الاستراتيجي تجاه عمليات الاغتيال والتحريض للحرب على ايران ، والثاني هو اعتقادها بأنَّ الكيان دخيل على المنطقة وأنَ زواله أمرٌ لا مُحال منه ، وأنَّ هذا الكيان لا يؤثرعلى علاقاتها وسياساتها مع دول وشعوب المنطقة ،الاّ في اطار الدعم العسكري والسياسي المقاوم الكيان .
مصر ،بوزنها السياسي والعسكري ، وبحضورها العربي والاقليمي والدولي ،هي مؤثّرْ وليست فقط متأثّرْ بما يشغلُ المنطقة من ملفات و احداث ، وخاصة في ملف القضية الفلسطينية ، وملف أمن المنطقة و أمن الخليج و دول الخليج. وتتعامل وفقاً لمصالحها الاستراتيجية ، وليس وفقاً لإملاءات او مجاملات على حساب سيادتها و مصالحها . و اسرائيل تدرك ذلك جيداً ، ولم تتوقف عن التصريح عن مخاوفها وقلقها من اعادة العلاقات الدبلوماسيّة بين مصر وايران . و تصريح اسرائيل علناً عن مخاوفها من التقارب المصري الايراني يعني بأن هذا التقارب قد حدث وسيؤول الى اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلديّن ،كما أنَّ اسرائيل تدركُ ايضاً بأنَّ عودة العلاقات الايرانية المصرية لن يؤثر على العلاقات المصرية الاسرائيلية ، و لن يقود الى تواجد قوات الحرس الثوري الايراني على الحدود المصرية الفلسطينيّة ، ولكن ستخسر اسرائيل هدفين استراتيجيين : الاول هو عزل ايران ، والهدف الثاني هو خسارة أمل هيمنتها على المنطقة .
لم يكْ خلاف بين مصر وايران ،ولم يعُدْ اختلاف بينهما ،طالما تفاهم يسود بين ايران و الدول العربية على ضفتّي الخليج ، ولم يعُدْ مقبولاً بأن تتخلف مصر عن الانضمام الى مشاريع التسويات والتفاهمات التي تسعى لنقل المنطقة من حالة التوتر وعدم الاستقرار الى حالة الامن و الاستقرار . وهذه المشاريع هي التي تُخيف و تُقلقْ اسرائيل .
لابُّدَ لمصر أن تستعجل في الدخول فاعلاً في مشاريع التسويات و التفاهمات التي تعّمُ دول المنطقة العربية والاقليمية ، وأنْ تُكمل جهود المملكة العربية السعودية و العراق و عمان ، وجهود الدول العربية الاخرى في مسار أمن و استقرار المنطقة .
لنْ أبالغ في القول بأنَّ المنطقة تسير ، ولاول مرّة ،و منذ ثمانية عقود من الزمن ،نحو أمن واستقرار حقيقي وليس وهميا ،ذاك الذي سمعنا به ،منذ ستينيات القرن الماضي ،و لن نراه ولن نعيشه . والمسار نحو أمن و استقرار المنطقة لن يصل الى مبتغاه ما لم تقم الدولة الفلسطينية ،وفقاً للشرعية الدولية.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل