مئة عام على نظام المحاصصة والفساد… كفى!
ماري ناصيف الدبس* -الحوارنيوز
لم نعد نعرف من أين نبدأ في تعداد المآسي التي نتجت عن نظام المحاصصة الطائفية المتعدد الرؤوس ،كما التنين في الأساطير والحكايات التي كانت تروى لنا في الصغر في محاولة يائسة بعض الشيء تهدف إلى ردعنا وحملنا على الكف عن المطالبة بما لا ينوي الأهل التنازل عنه… علما أن الفارق شاسع بين دور الأهل ودور هؤلاء الفاسدين المارقين الذين لم يتركوا من الموبقات شيئا إلا وجربوه.
سيقول البعض إنها ليست المرّة الأولى التي نرفع فيها الصوت وإن حناجر شعب لبنان بحّت دون جدوى، غير أننا نجيب هذا البعض أن حناجرنا لن تبح ولن نكف عن الصراخ حتى يسقط كل هؤلاء في مزبلة التاريخ.
فاليوم، وفي خضم تفتيش القسم الأكبر من بيننا عن لقمة العيش المغمسة بالدم، بعد أن سرقت مدخراتنا وقمعنا، وبعد أن شرّعوا حدودنا أمام فيروس كورونا ليحجزونا في المنازل، وخاصة بعد الانفجار الرهيب الذي ضرب بيروتنا، ومعها الأبناء، وشرّد مئات الآلاف منا وهدم المنازل والمستشفيات والمؤسسات وأتى على ما تبقّى لنا من متاع الدنيا، عادت السلطة التنفيذية إلى استقدام "مؤسسة لازار" ومن بعدها "شركة مارسال وألفاريز"من أجل استكمال ما كانت قد بدأت به من تنازلات أمام الرأسمالية الدولية، ممثلة بصندوق النقد الدولي، للبحث في كيفية تنفيذ الشروط العرقوبية المطروحة على وطننا… مقابل مدنا بالمال الذي نحتاجه بديلا عن الثروات الوطنية التي سرقت وتوزعت ما بين مصارف ومدن أميركا الشمالية وأوروبا الغربية.
وهكذا، عدنا إلى دوامة الاجتماعات بين وزارة المالية والمصرف المركزي وجمعية المصارف لمعرفة كيف سينفّذ شعار "قص الشعر" بعد "الكابيتال كونترول"، في وقت أعلن فيه – نقلا عن رياض سلامة – أن المال المخصص لدعم الطحين والبنزين نضب تقريبا، وبدأ الاعلام تداول تصريحات أخرى تفيد بأن بورصة الدواء إلى ارتفاع. بمعنى آخر، أن بقايا أرباب السلطة مستمرون في غيّهم الهادف إلى قتل وتهجير من يستطيعون… أما الباقون فالمجاعة والأمراض تنتظرهم.
وكالعادة، ولأنهم قرروا الابقاء على دولتهم الفاشلة بشتى الوسائل والأساليب، ها هم اليوم يعملون، عبر الجمعيات التي يسيطرون عليها أو تلك التي أنشأوها، لتهريب المساعدات العينية والمالية التي تأتي إما من اللبنانيين في الخارج أو من شعوب وحكومات عربية وأجنبية، في وقت لم يقوموا بأي خطوة فعلية لمعالجة ذيول تلك الجريمة التي وعدونا بأنهم سيكشفون ملابساتها ومن وراءها تخطيطا وتنفيذا في غضون… خمسة أيام. ودارت الأيام، ومرّت مسرعة خمسة وراء خمسة، ونسي الواعدون وعودهم بين ترقب ما ستعلنه المحكمة الدولية في لاهاي والاجتماعات التي تدور في عين التينة والمراسيل التي تتحرك في كل اتجاه للوصول إلى قواسم مشتركة بين أطراف الطبقة المسيطرة التي لو أكتفى كل منها بالغناء على ليلاه لوفروا علينا ما نعيشه من تصعيد أمني متنقل ومن تهويل يقوم به البعض باحتمال العودة إلى الحرب الأهلية الساخنة… ونقول "الساخنة"، لأن النار لم تنطفيء يوما وبقيت تتربص بنا تحت الرماد إنفاذا لمشروع قديم متجدد اسمه "مشروع الشرق الأوسط الجديد" الذي طالما كتبنا عن صاعق التفجير الطائفي الذي يجعل لبنان لقمة سائغة له…
لذا نختصر ونقول إن الشعب اللبناني يعيش معادلة – مأساة لم يعشها شعب من قبل، لا في المنطقة ولا في العالم بأسره، وأن هذا الشعب، أو من تبقّى منه، لم يعد قادرا على احتمال المزيد من التدمير الممنهج الذي تستخدمه طبقته الحاكمة، وأن كل محاولات الخارج، القريب والبعيد، لم تعد قادرة على إنقاذ تلك "الصيغة الفريدة" التي نشأت منذ مئة عام بفعل استعمار عرف كيف يبقي السكين في النحر ليعود من نفس الباب الذي خرج منه… وخاصة أن البيت اللبناني يعوم على الكثير من الذهب الأسود والغاز، وأن شهوة السيطرة عليها، أو اقتسامها ربما، بل إعادة اقتسام كل دول المشرق والمغرب العربيين، قد أعادت الأولوية إلى كل منطقة البحر المتوسط، بدءا من الجزائر وليبيا ووصولا إلى لبنان وفلسطين المحتلة.
هذه المعادلة – المأساة لا يمكن حلها إلا باستعادة زمام المبادرة وتجميع القوى استعدادا للمواجهة التي لا بد منها. فالوطن أهم من كل "الصيغ" والمعادلات الطائفية وغيرها، والشعوب هي التي تصنع الأوطان وتحميها وتطورها. هكذا تعلمنا من الذين سبقونا، وخاصة من دروس الماضي القريب…
*عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي في لبنان. عضو قيادي في الحزب الشيوعي اللبناني