الحوارنيوز – وكالات
كان الليبيون يأملون أن تكون الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر تنظيمها الجمعة، عرسا وطنيا وفرصة لا تهدر لإعادة بناء بلادهم بعد سنوات من العنف والدمار التي تلت سقوط نظام معمر القذافي في 2011. لكن التجاذبات السياسية وتضارب المصالح وكثرة المتدخلين الخارجيين ونقص التنظيم حال دون تحقيق هذا المبتغى. ووقفت هذه العقبات صامدة أمام عبور هذا البلد الغني بالنفط من العنف إلى بر الأمان السياسي.
خيبة أمل كبيرة شعر بها الليبيون بعد الإعلان عن قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا تنظيمها الجمعة 24 كانون الأول/ديسمبر في هذا البلد الذي يواجه العنف ويعاني من التدخلات الخارجية منذ سقوط نظام القذافي في 2011.
ويفسر ذلك بغياب توافق في الآراء بشأن الأساس القانوني للاقتراع، وتضارب في المصالح وبعض الثغرات في وساطة الأمم المتحدة، ما أدى إلى فشل في إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 كانون الأول/ ديسمبر، كما يرى خبراء.
واقترحت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا الأربعاء تأجيل الانتخابات الرئاسية لشهر واحد، بعد ساعات قليلة من إعلان لجنة برلمانية أنه “يستحيل” تنظيمها في موعدها.
ورجحت أن تجري الانتخابات في حزيران المقبل.
وأدى قانون الانتخابات المتنازع عليه وما ارتبط به من شخصيات مثيرة للجدل تعلن نفسها مرشحة، إلى توتر على الأرض وبدأ سيناريو التأجيل يلوح في الأفق منذ أسابيع.
ولزيادة الارتباك، استقال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيتش الذي كان يعمل من جنيف وبدا بشكل واضح أنه عاجز عن إدارة الملف الليبي قبل شهر.
ورأى مراقبون أن كوبيتش كان موقنا باستحالة إجراء الانتخابات وأراد عدم تحمل مسؤولية ذلك.
وعُينت الأمريكية ستيفاني وليامز التي عملت في 2020 مبعوثة، مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، حيث قامت في الأيام الأخيرة بترتيب الاجتماعات بين مختلف الجهات الليبية وتنقلت بين مدن عدة، في محاولة واضحة لإنقاذ الملف الليبي المعقد والمتهالك بفعل التدخلات والاستقطاب.
قانون انتخابي مثير للجدل
وردا على سؤال عن تفسير هذا الفشل الذريع، أوضح جليل حرشاوي من مركز المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة ومقره سويسرا، لوكالة الأنباء الفرنسية أنه “كانت هناك أخطاء مشتركة وأخطاء من جانب الأمم المتحدة وموقف من سوء النية الشديد من جانب الممثلين الليبيين“.
خرجت العملية عن مسارها بشكل خطير عندما سنّ البرلمان بقيادة عقيلة صالح قانونا انتخابيا مثيرا للجدل في أيلول/سبتمبر من دون تصويت، يناسب الرجل القوي من الشرق المشير خليفة حفتر قبل ترشحه.
يقول حرشاوي إن عقيلة صالح “شخصيا وليس البرلمان، هو المسؤول عن قوانين الانتخابات التي تشكل كارثة حقيقية. هذه العقبة ذات الطابع القانوني والتشريعي أساسية قطعاً لشرح فشل الانتخابات“.
ويضيف أن “هذا النص المصمم خصيصًا للمشير حفتر، أثار على الدوام استياء السلطات في طرابلس. وقد وافق عليه المبعوث كوبيتش” على الرغم من انتقادات الطبقة السياسية.
ويرى الباحث أنه بذلك “فقدت الأمم المتحدة أي مجال أو فرصة للمناورة، بما فعله المبعوث الدولي السابق الذي لم يبذل الكثير من الجهد، مع علمه أن هناك ثغرات ولا توجد قوانين انتخابية“.
غياب نصوص قانونية توضح وتحدد صلاحيات الرئيس
ويضيف حرشاوي أن “هذا ليس هو السبب الوحيد وراء هذا الفشل الذريع. هناك خلافات حول الأهلية، الطبيعة المباشرة أو غير المباشرة للتصويت، وعدم فهم صلاحيات الرئيس هناك مشكلات في الصميم“.
من جهته، يقول عماد الدين بادي الباحث في المركز نفسه “كانت مسؤولية بعثة الأمم المتحدة التوسط لدعم المرحلة الانتقالية عقب منتدى الحوار السياسي الليبي (اسم العملية السياسية)، بما يفضي إلى إجراء الانتخابات بأدنى حد من الإجماع وبدون حدوث أزمة من صنع هذه العملية“.
ويضيف لوكالة الأنباء الفرنسية “هذا لا يعني أن السياسيين الليبيين لا يتحملون أي مسؤولية بل كان قرارا طوعيا تقريبا لتسليم عجلة الانتقال إليهم وكان من الحتمي تقريبا أن نصل إلى هنا”، معتبرا أنه “يمكننا إلقاء اللوم بقدر ما نريد على الفاعلين السياسيين الليبيين“.
وبموجب قانون انتخاب الرئيس ومع استمرار عمل ليبيا بوثيقة دستورية “مؤقتة” منذ 2011، لا توجد نصوص قانونية توضح وتحدد صلاحيات الرئيس الذي سيتم انتخابه، لا سيما مع استمرار الخلاف حول “مسودة الدستور” المقترحة، التي ظلت حبيسة الأدراج ورهينة الخلافات ولم تعرض على الاستفتاء الشعبي منذ سنوات.
شعور الليبيين بخيبة أمل بسبب عدم التصويت
وطالبت السفارة الأمريكية لدى ليبيا، الأطراف الفاعلة بالإسراع في معالجة العقبات التي تواجه العملية الانتخابية. وقالت في بيان إنه “يتعين على القادة الليبيين، ونيابة عن الشعب، معالجة العقبات القانونية والسياسية لإجراء الانتخابات“.
كما عبرت عن مشاركتها قلق وخيبة أمل الليبيين الذين ينتظرون أن تتاح لهم فرصة التصويت من أجل مستقبل بلادهم.
ويؤيد هاميش كينير من معهد “فريسك ماكلفروت”، وجهة النظر التي تميل إلى فشل المبعوث الدولي السابق إلى ليبيا يان كوبيتش، وتسببه في هذا الارتباك الذي رافق عملية سن القوانين المنظمة للانتخابات.
وقال إن “حل الخلافات بين الفصائل الليبية حول كيفية هيكلة النظام السياسي سيكون معقدا لأي مبعوث خاص للأمم المتحدة مهما كانت موهبته“.
وأضاف أن الانتخابات “ليست الحل المعجزة الذي يضمن الاستقرار السياسي لليبيا“.
وستحمل الأسابيع المقبلة التطورات المتعلقة بمصير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومدى قدرة الأطراف الدولية اللاعبة والمؤثرة في الملف الليبي، على التوافق حول موعد يحظى بدعم جميع الأطراف ويضمن تجنب الثغرات لقانونية والتحديات الأمنية التي واجهت عملية التنظيم لأول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا.
زر الذهاب إلى الأعلى