دولياتسياسة

لهذه الأسباب تفاقمت أزمة الوباء في إيطاليا!

 

هدى سويد – إيطاليا
أتابع ما بدأته بالأمس كي أصل للتساؤلات التي واكبت أزمة انتشار كوفيد 19 ، وبعدما عرضت في الجزء الأول من المقالة الشائعات المغرضة ضد إيطاليا في محنتها ، مقرونة بنظرة سريعة لتاريخ الفيروسات في إيطاليا وشفعائها ، أُضيف إليها أن قلم الأدباء كما ريشة الفنانين لم تخل من التعبير عن فظاعة ما أرخته الأوبئة إنسانيا هنا ، لعلّ أبرزها لوحة "تخطيط أولي للطاعون" التي حققها أنطونيو زنكي "الفينيسي" ،  رغم أن جدارية محفوظة في معرض لأحد قصور مدينة باليرمو ـ إقليم صقلية ، لا تخلو من براعتها ولا بد من التنويه عنها رغم عدم معرفة من يقف وراء تحقيقها  تحمل"عنوان انتصار الموت" .
أمّا إذا حاولنا قراءة خارطة ما حصل والخطوات التي سارعت الحكومة الإيطالية القيام بها متمثلة بحالة الطوارئ وما تضمنه ، مقارنة بغيرها من الدول إزاء كوفيد 19  الذي انتشر بسرعة لا تُقاس في الأقاليم الشمالية ، حاصدا بأرقام خيالية  ضحايا يوميا لم يتسن حتى إحراقها ، نجد أن المسألة انطلقت في 29 يناير ـ قد تكون أيضا قبل ذلك بشهر نظرا لإشكالية الفيروس ـ مع  سائحين صينيين تم عزلهما في مستشفى "سباللانزاني" الميداني العسكري في روما شُفيا فيما بعد، أما الثانية فكانت في السادس من فبراير في العاصمة أيضا في السادس من فبراير من أحد الإيطاليين المقيمين في  ووهان ، وتطور الأمر بصورته الخطرة  مع شاب( 38 عاما)  سُمي بناقل العدوى رقم 1 في مدينة كودونيو إقليم لومبارديا الشمالي، والأخيران شفيا أيضا وهما على قيد الحياة ، لتنتشر بصورة لم يسبق لها مثيل في أقاليم شمالية ثلاثة، ومن ثم في ايطاليا كلها حاصدا 101.739 حالة إيجابية لغاية كتابة المقالة هذه اليوم ، من بينها 11.591 حالة وفاة و 14.620 شفاء.
ويمكن القول إن إيطاليا لم تكن تتوقع كما غيرها من الدول انتشار هذا الفيروس وبالتالي مواجهة هذا الزحف ، دخلت الحرب بنقص في العديد والمعدات أقلّها الكمامات ، التي اعترفت السلطات أنها أرسلت كمية كبيرة من احتياطها دعما للصين في محنتها لما بين الدولتين من رابط تعاون تجاري واقتصادي،  تترجم وتتوج خلال العام الماضي بزيارة الرئيس الصيني لها. أمّا خطتها الإتقائية  فتترجمت بإحداث مناطق حمراء لعزل المصابين ، دون إتخاذها قرارات حاسمة في إعلان حالة الطوارئ القصوى ،وإنما عمدت إلى التدرج بها لتحضير المواطن وتحضير بيتها بدءا من 23 فبراير بإعلانها للمناطق الحمراء ، مرورا بإغلاق المدارس ،المتاحف والكنائس  بمرسومها والقرارات النابعة من شعار " أنا أبقى في البيت" في الحادي عشر من مارس ، أعقبها بالتالي إقفال المؤسسات الاقتصادية مع انتشار للجيش الذي سيستمر لغاية 18 أبريل ــ أو تتضاءل قيودها تبعا للمناطق والنتائج ــ  وبقيت الأقاليم البالغ عددها 21 إقليما مفتوحة على بعضها ولم تستطع الجهات الرسمية إغلاقها كليا في ما بينها ، لأسباب عدة يأتي في مقدمها التواصل الاقتصادي والإجتماعي ما بين الأقاليم .
فعلى سبيل المثال حركة التنقل ما بين الجنوب والشمال نشطة  بسبب فرص العمل المتاحة شمالا لأبناء الجنوب أو لأسباب أخرى كالدراسة الجامعية وما إلى هنالك ، فارتفعت بذلك العدوى ما بين المناطق ــ رأى فيها عديدون أنها أرقام مرتفعة، لكن علينا ألاّ ننسى أن عدد السكان يبلغ اليوم 60.48 مليون نسمة لا ملايين تُعد على الأصابع ــ دون أن ننسى عامل الذعر الذي لحق بمواطني الشمال الذين هربوا من مناطقهم لاجئين  إلى مناطق أخرى لم تكن موبوءة حينها ،  ناقلين الوباء إليها عبر كثيرين ممن أثبتت الفحوصات تعرضهم لها ، ما ساهم في الإنتشار الوبائي دون ريب عدم ظهور بوادر الوباء ، إلاّ بعد فترة تمكّنه من صاحبه الذي يستغرق حسب الجهات الصحية الرسمية حوالي الخمسة عشر يوما ،وكان ذلك كافيا لاستشرائه دون نظير .
ويكفي القول حسب الباحث الفيزيائي جورجيو باريري في جامعة المعرفة في روما أن 80% من المصابين أظهرت فحوصاتهم إيجابية الإصابة ، بينما 15% كانت عوارض الفيروس غير واضحة و5% دونها، كما يكفي معرفة أن كل مُصاب كاف لنقل العدوى لآخرين بنسبة 3.1 ما ساهم بالتالي في الإنتشار الكاسح للوباء في ظل ظروف دراماتيكية، عجزت فيها القدرات الطبية عن استيعاب وإنقاذ المصابين في ظل عدم توفر الكميات المطلوبة من أجهزة التنفس وغيرها ، علما أن التعامل مع المرضى دون المعرفة بإصابتهم قبيل حالة الطوارئ ، خلا من الأجهزة الوقائية كالكمامات التي كانت الحاجة إليها مُلحة حسب وزيري الصحة والخارجية وقُدرت بحوالي 100 ألف كمامة يوميا ،كذلك النظارات والملابس ما ساهم بازدياد العدد وتدفقه على المستشفيات المتوفرة في تلك المناطق،  إضافة إلى تناقص الفريق الطبي بإصابة العديدين منه (أنظر الأرقام في الجزء الأول)  ما آل بالوضع بكليته، سواء من جهة نقص المعدات الطبية والبشرية أو تدفق المصابين ، إلى ما يشبه طب الحروب.
  ففي حين كان يُعنى بالمريض أكثر من طبيب( فلنقل عشرة أطباء) لإجراء عملية جراحية ما قبل مرحلة كوفيد 19 أصبح الأمر عكسيا ،ولم يكن متوفرا ان كان بوسعنا القول أكثر من طبيب لخمسن مصابا ، فتراكمت أكياس الموتى ولم تعد المقابر والأفران  قادرة على استيعاب الضحايا، ولا المستشفيات التي استعانت بفنادق كميكيل أنجلو في روما وإحدى البواخر في جنوى  لحل مشكلة الأسرة ، ولذا سارعت الجهات الرسمية الى  العمل على مختلف الصعد الديبلوماسية ، طالبة العون بعدما تخلى عنها جيرانها ، كتوقيف المساعدات الصينية في الدولة التشيكية وغيرها، أو ورفع الإتحاد الأوروبي يده تحديدا عبر الدول الأوروبية الشمالية الغنية ، عن دعم الدول المتضررة ماليا كإيطاليا وإسبانيا.
وفي هذا الإطار قال رئيس الحكومة السابق باولو جانتيلوني والمفوض الأعمال الاقتصادية في الإتحاد : "حتى الدول الغنية لا يمكنها مواجهة أزمة من هذا النوع لوحدها !" ، لذا تحركت على مختلف الصعد لإنقاذ البلاد ، متلقية  مساعدات من أجهزة وطواقم طبية كما المستشفى الميداني ، من دول صديقة أو سبق وأن ساعدت إيطاليا بعضها في محنها ،فأتاها الدعم من الصين ، كوبا ، ألبانيا كما أميركا وروسيا مؤخرا الذي أثار قدومه البيولوجي العسكري إن جاز التعبير الكثير من الإنتقادات !
وكان آخر المساعدات اليوم على سبيل المثال  وصول 350 مليون كمامة من الصين ،علما أن 60 ألفا أهدتها الدولة الصينية لمدينة "ريكاناتي" الجنوبية مسقط رأس الشاعر جاكومو ليوباردي بحكم التوأمة الإيطالية الصينية .
وفي هذا الصدد يتساءل العديد من المواطنين مع بعض التخوف أحيانا رغم غضبهم من الإتحاد الأوروبي : هل ستتغير الخارطة السياسية في أوروبا مع هذا الزحف الصيني ـ الروسي يكون منطلقها إيطاليا ؟ بل هل سيتغير العالم ككل بعدما خفف الوباء من لمعان وجود أميركا التي سارعت بعد الخطوة الروسية الى ارسال باخرة كمستشفى ميداني عسكري آخر ؟
أسئلة كثيرة ستجيب عليها الأيام المقبلة ليبقى القول إن كان من عتب على إيطاليا، فهو يتلخص بعدم تحضيرها عمليا لمثل هذه الكوارث ،وبالتالي لا يمكن محاسبتها اليوم في ظل الظروف هذه ، لكن مستقبلا عليها إعادة النظر في هيكليتها بل بيروقراطيتها والإستفادة مما حصل ، وهذا ما أكده وزير الخارجية دي مايو بقوله " لم يعد مسموحا أن يتقاضى لاعب كرة القدم في اليوم ما يتقاضاه طبيب أو باحث في شهر، لذا لا بد من إعادة النظر على أن نكرس في الأيام القادمة الأولوية للأبحاث ، المرضى ، المستشفيات والجيش" إلخ..
لكن لا بأس من ختام بأن ما مرّت به إيطاليا كحالة طوارئ ، حصل للأسف في الصين التي تأخرت عشرة أيام في إعلانها لها.  ولم تستفد أو تعتبر إيطاليا من ذلك رغم أنها  غير قادرة كالصين على تطويق المشكلة كما فعلت الأخيرة في ظرف ستة أسابيع ، وإيطاليا التي انقضى حوالي أربعين يوما على انتشار كوفيد 19 وبدأ ينحسر تقريبا في المناطق الشمالية هل يمكنها  الخروج من هذا النفق ، إذ كل ما نسمعه إنما هي حالات إصابات قديمة، إلا ّأن المسألة تتجلى بانتقال الوباء للجنوب الذي قد يشكل هما وتهديدا جديدا ، وإن تدارك أغلاط الأمس لكن مقدراته وقدراته محدودة وبخاصة في ظل جماعات المافيا التي عملت سابقا على تفريغ مستشفيات في مختلف الأقاليم الجنوبية.
على كل في قراءة متأنية لحظنا أن الدول المجاورة والعالم أجمع لم يكترث واستخف بايطاليا ولم يحذو حذوها عندما أعلنت ناقوس الخطر وحالة الطوارئ ، ارتكب غلطتها دون أن يصحبه الضجة ذاتها وليقبع في الحجر كل من ولي العهد البريطاني ورئيس الحكومة ، الذي سخر من منع التجول واعلن استمرار أبواب الملاهي والمطاعم والبوب مفتوحة للشباب لاحتساء البيرة كما قال ، ودعا لخلط المصابين بالأصحاء للقضاء على الفيروس ،  وكذلك فعلت بغباء أكبردولة بشخص رئيسها ترامب الذي ترك شعبه في الشارع دون ان يجنبه من العدوى ،  ليحصد اليوم أعلى نسبة بالمصابين وكذلك كان حال اسبانيا و..
لذا يمكن القول إن إيطاليا البسيطة اتجاه الدول الكبرى كانت نموذجا جديدا لحالة طوارئ لم يكن لها مثيل، كما للتضامن ،مشجعة ناسها على البقاء في البيت بتأمين 600 يورو للمحتاجين الذين توقف مردودهم ، وضبط المخالفين بالخروج من بيوتهم ورفع الجزية من مئتي يورو إلى أربعة آلاف ، كما ساعدت شعبها بواسطة عدة برامج فنية وثقافية يوميا من أغان على الشرفات وغيرها ما جعلها رائدة في هذا الصدد ، احتذت بها فيما بعد كل الدول المصابة ،وبتطبيق محلي للشعار أو للأغاني ، هذا ناهيك عن مساعدة متطوعين للمسنين ، وتكريس برامج مدروسة وموجهة للأطفال كما للكبار والطلب من هؤلاء الرسم وكتابة يومياتهم قصصا وإرسالها للجنة في التلفزيون الرسمي الذي كرس للجميع  مكتبته التي تضم مئات القصص التي يمكن سماعها عبر موقع تم نشره ، كما خصص مسرح لا سكالا 30 مسرحية مجانا يتم عرضها على الشاشة وغيرها كثير دعما لصمود المواطن في البيت ، لذا فعلت إيطاليا بحكومتها وناسها الكثير. .  


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى