رأي

لتعديل دستوري يحدد المهل..

عشية عيد الميلاد المجيد المقبل، تكون أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية قد أقفلت سبعة أشهر من الأخذ والرد ،اذا لم يوفق المسؤولون قبل الميلاد في معالجة العقدة المستعصية حتى الآن ،والتي لا يبدو أنها على طريق الحل.
   قبل هذه الأزمة أمضى الرئيس تمام سلام 315 يوما مكلفا تشكيل الحكومة قبل أن يخرج الدخان الأبيض من السراي الحكومي ،لكن الرئيس سلام عوّضه الله بأكثر من سنتين في تصريف الأعمال وهو على رأس الدولة لخلو هذه الأخيرة من رئيس للجمهورية.
   والواقع أن أزمة تشكيل الحكومات تفاقمت في لبنان منذ خروج القوات السورية من لبنان عام 2005 .ففي عهد "الوصاية السورية" لم تتجاوز مهلة تشكيل الحكومات أكثر من 14 يوما ،لأن "الترف السياسي" لم يكن متاحا أمام القوى السياسية كما هو حاصل اليوم.
   وليس سرا أن هذا الترف اليوم مرده الى عاملين أساسيين :
الأول يتمثل في إصرار القوى السياسية على حكومات الوحدة الوطنية في اطار الديموقراطية التوافقية المعمول بها منذ اتفاق الطائف .
والثاني ،وهو الأهم ،يتلخص في غياب المهل عن الدستور اللبناني ،وهو ما يفسح في المجال في تفاقم الأزمات الحكومية.
   وحيث أن الديموقراطية التوافقية باتت منهج حكم في لبنان ،وفي غياب الوصاية التي يمكنها فرض الأمر الواقع على البلد وأهله،سوف تظل أزمة تشكيل الحكومات في لبنان قائمة الى ما بعد بعد تشكيل الحكومة الحالية ،ما لم يتدارك اللبنانيون هذا الواقع المرير من خلال تعديلات دستورية جريئة تفرض مهلا محددة لانتاج السلطات، تبعا لما هو معمول به في الدول التي تعتمد الديموقراطية البرلمانية.ولا يغيب عن البال هنا أن فرض مهلة أمام رئيس الحكومة المكلف يستوجب تعديلا منطقيا في صلاحيات رئيس الجمهورية في هذا المجال.
فليس سرا أيضا أن هذه المسألة نوقشت في محادثات الطائف عام 1989 ،وثمة من طرح حجة منطقية حينها، مفادها أنه لا يجوز فرض مهلة على الرئيس المكلف في وقت يمتلك رئيس الدولة حق "الفيتو" على أي تشكيلة حكومية يرفعها اليه الرئيس المكلف.وعليه اعتمدت الصيغة الحالية التي جعلت من رئيس الجمهورية شريكا في تشكيل الحكومات ،وتركت لرئيس الحكومة المكلف حرية الاعتذار من عدمه من دون أن تكون لمجلس النواب الذي اختاره أي سلطة في هذا المجال ،خلافا للقاعدة المعروفة التي تقول "من يعطي يحق له أن يأخذ" ،وبالفرنسية (qui donne ordonne ).
    وليس سرا أيضا وأيضا أن هذه المسألة طرحت منذ الطائف مرات ومرات ،واستلزمت الكثير من حلقات النقاش التي لم تصل الى نتيجة بسبب التوازنات الطائفية القائمة،في حين كان رهان المشرعين في الطائف وبعده ،أن الغاء الطائفية السياسية والتحول الى نظام المواطنة من خلال المادة 95 من الدستور سوف يزيل هذه المشكلة.لكن 28 سنة مضت على تعديلات الطائف من دون مقاربة الحد الأدنى الدستوري، من خلال تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية.
   وحيث أنه لا يجوز مطلقا أن يمضي لبنان أكثر أيامه من دون حكومات أصيلة،فقد بات من الضروري اجتراح حلول ،ولو مؤقتة،بانتظار الفرج السياسي الذي لا يستقيم الا بنظام سياسي يلغي الطائفية ويعتمد المواطنة.وفي هذا المجال يمكن اعتماد أحد الخيارين الآتيين:
   الأول: تحرير البلد من حكومات الوحدة الوطنية ،وترك الخيار للرئيس المكلف بتشكيل حكومة أكثرية ضمن مهلة محددة تبعا لنتائج الانتخابات النيابية ،وبالتفاهم مع رئيس الدولة،تقابلها معارضة برلمانية تراقب وتحاسب ،وبذلك تتحقق الديموقراطية السليمة.
   الثاني :تحديد مهلة شهر للرئيس المكلف لتشكيل حكومة يذهب بها مباشرة الى البرلمان لنيل الثقة بالأكثرية المطلقة،ويحق لرئيس الجمهورية أن يعترض عليها لمرة واحدة ويردها الى المجلس كما يرد القوانين العادية ،وعندها يصبح البرلمان مضطرا لمنحها الثقة بأكثرية الثلثين.
   طبعا لكل من الخيارين ايجابياته وسلبياته ،ويمكن مواجهته بحجج وذرائع كثيرة ،ولكن السلبية الكبرى ،بل الكارثة الأكبر ،أن يستمر الحال على ما هو عليه ،لأن الانهيار حتمي عاجلا أم آجلا.والسلام على من اهتدى.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى