سياسةمحليات لبنانية

لبنان امام استحقاق ازمة الهوية والتكوين (علي يوسف)

التقاطع والتوافق عدة ترقيع لمشاريع عاجزة

 

كتب علي  يوسف – الحوار نيوز

لم تكن الخلافات السياسية في لبنان  في المنعطفات الاساسية خلافات سياسية تحت سقف النظام السياسي،  بل كانت دائما خلافات وطنية تتعلق بالهوية والنظام نفسه بل حتى في التكوين أساسا.وكانت المعالجات دائما تقاطعية بركائز ظرفية توازنية أبقت لبنان..  ولكنها  ابقت ايضا خلله وعناصر تفجيره وضبابية هويته .

كثيرون لا يعرفون ان الفرنسيين كانوا يسعون لإنشاء “دولة صهيونية  ”  في لبنان بمفهوم الدورالاقليمي لهذه الدولة  عبر الطائفة  المارونية. والكثيرون لا يعرفون  أن  مثل هذا الأمر تم اخفاؤه بعد ذلك بعد أن  تدخل الإنكليز عارضين موانع كثيرة تحول دون اتمام هذا المشروع ،أبرزها عدم  قدرة الموارنة على تأمين استقطاب مسيحي دولي وهجرة مسيحية الى لبنان في وقت كانت  فيه اوروبا تتجه نحو العلمنة.

وتم التراجع عن هذه الفكرة لمصلحة وعد بولفور القاضي بهجرة اليهود الى فلسطين ،وبإنشاء دولة صهيونية  في فلسطين ذات الموقع الاستراتيجي المهم ،والذي يفوق اهمية موقع لبنان  ، وبمشروع توسعة  مفتوح ومن دون حدود ،وبما يؤمن استمرار السيطرة الاستعمارية على المنطقة  وعلى مقدراتها وثرواتها والخلاص من الازمة اليهودية في اوروبا ، مع الاخذ بعين الاعتبار ضرورةاستمرار دور علاقة الأم الحنون بين فرنسا وبين الموارنة في لبنان ، لتكون الدولة اللبنانية التي اضيف اليها بعض الاطراف الإسلامية، حتى لا يشكل وجودها استفزازا طائفيا لمحيطها ويُعطيها مبرر استدامة  لتكون جسر العبور بين الشرق والغرب، وأيضا بين المشروع الصهيوني الغربي وبين الشرق … على ان يتراوح  دور هذا الجسر بين “وساطات ” السلم وبين “صياغة” المؤامرات والانقلابات والتفجيرات ووفق ما تتطلبه المصالح الاستعمارية الغربية ..

  أشرت إلى هذه الوقائع التاريخية ، ليس طبعا لإدانة الطائفة المارونية كطائفة ،ولا حتى لإدانة بعض قادتها الذين كانوا يعلمون ويشاركون في هذه المؤامرة  شهوة بمصالح لم تأت عليهم إلا بكوارث لاحقة، وان استفاد  منها البعض كالعادة فأضحى مالهم  و ثروتهم هما الوطن. ولا  يعني ما قلته ان بعض قادة الموارنة هم وحدهم الذين شاركوا في المؤامرة ،بل هناك قادة مسلمون لبنانيون وعرب كان لهم الدورالأفعل والأكبرفي السماح بمرور هذه المؤامرة .واذا   قلت وضوحا الموارنة لأنهم  استُعملوا وقودا لهذه المؤامرة ودفعوا وما يزالوا يدفعون ثمنها وبمشاركة اسلامية وعربية، نتيجة استلاب واغتراب فكري وسياسي تعيشه المنطقة منذ سايكس بيكو … ولن نخرج منه الا  بالخروج من الغرب الى الشرق والخلاص من نتائج  اتفاقية سايكس بيكو، بدءا بتحرير فلسطين واستكمالا بتعديل  الخرائط التي انتجتها  والتشبيك الاقليمي القادر على تحقيق الكرامة الوطنية والاستقلال والتنمية والازدهار  لدول وشعوب المنطقة …

 

التقاطع

 

 قلت كل ذلك لأُبيِّن كيف ان مسألة “التقاطع ” ليست ابتكارًا ظرفياً أو تذاكياً مستجداً ،بل أنها عميقة عمق تكوين لبنان..!! لقد أُنشىء لبنان بصيغته بتقاطع فرنسي انكليزي لمشروع لم يكتمل كما كان الهدف  لكونه فاقدا للمرتكزات ..فعاش لبنان على التقاطعات..التقاطعات السياسية والتقاطعات الاقتصادية والتقاطعات الطائفية ،فتعمق ما يمكن تعريفه بفكر التقاطع الظرفي والاجندات المتقاطعة والمصالح  المتقاطعة وما يمكن تعريفه ب”نظام التقاطع”  …

-اليست تركيبة لبنان ناتجة عن التقاطع بين المشروعين الفرنسي والانكليزي ؟

-اليس النظام الطائفي هو تقاطع لمصالح  وحصص زعماء الطوائف وارتباطاتهم المختلفة  وفقا ظروف؟

– اليس الميثاق الذي يسمى وطنيا ،والذي كان في الحقيقة مارونيا -سنيا ،هو ميثاق تقاطع الاقوياء بعددهم وارتباطاتهم حينها؟ وهل كان ميثاقا  يبني وطنا ومواطنية ام تقاطع حصص طائفية سياسيا واقتصاديا  يلتزم  بتقاطع التوازنات الدولية والاقليمية حينها  ؟!

-اليس الازدهار اللبناني في  الستينات بعد  الاكتشافات النفطية نتيجة  تقاطع مصالح  ظرفي ؟

– اليست الشهابية – الناصرية تقاطعا ظرفيا  توازنيا انتجت خطوات ولم تنتج وطنا ؟

– اليس اتفاق القاهرة تقاطعا ظرفيا توازنيا اقليميا دوليا يحمل تفجيره في مضامينه ؟؟!!!

– اليست الحرب الاهلية ناتجة عن عدم التقاطع الظرفي ؟؟

–  أليس اتفاق الطائف ناتجا عن تقاطع ظرفي انهى الحرب وعززالانقسام وابقى على عناصر تفجيره في مضامينه الطائفية؟؟

-أليس اتفاق الدوحة  تقاطعا ظرفيا توازنيا لتجاوز مشكلة  آنية  ؟

– اليس اتفاق معراب هو تقاطع ظرفي توازني لتجاوز ازمة انتخاب رئيس الجمهورية..؟

–   ألم تكن موافقة الحريري على ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية تقاطعا توازنيا ظرفيا لتجاوز ازمة انتخاب رئيس الجمهورية ؟

-اليس تشكيل كل الحكومات في لبنان يتم بطريقة التقاطع في الحصص والاسماء والوزارات والموازنات ؟

– أليست كل هذه التقاطعات تمثل  فعليا  التقاطع البنيوي الذي قام عليه لبنان …. تقاطع ارض .. تقاطع طوائف  …تقاطع مناطق.. تقاطع جنسيات … تقاطع ادوار ومهمات…تقاطع انظمة في نظام متقطع….

 

التوافق

قد يعتبر البعض ان الرد على “التقاطع “هو “بالتوافق “وبحيث يتم اعطاء مضامين للتقاطعات، وهذا ما ينادي به الثنائي الشيعي معتقدا انه يحقق هدفا في المرمى الآخر  !!!  ويسجل على الطرف الآخر سطحية خياراته ليثبت انها ناتجة ،إما عن ولاءات وانصياع للخارج (وهي كذلك   بالفعل)  في مشروع مواجهة  المقاومة وإما  عن مصالح فئوية وشخصية ونكايات وكيديةالخ…..

ولكن وبكل صراحة  التوافق هو الاخ التوأم للتقاطع.. كونهما يتكونان من  مضامين جزئية !!!!

 و اذا كان من يتبنون التقاطع  في انتخابات الرئاسة ، الراسخون في وعي التقاطع التكويني اللبناني  يتبنون سلفا التبعية للغرب والانصياع لأوامره تحت مُسمى ارشاداته ونصائحه ،ويُحددون منذ الآن تبعيتهم لصندوق النقد الدولي ، فإن من يتبنون التوافق في انتخابات الرئاسة  وهم  في اعلى مراتب مواجهة المشروع   الاستعماري  و يمارسون المقاومة لإنهاء هذا المشروع من جذوره التي يُشكلها الكيان الغاصب المؤقت  ..تراهم  يطرحون التوافق ،ولكن بمعنى التقاطع لأنه  توافق على اتجاهين متناقضين : الحفاظ على المقاومة من جهة ،ولكن ومن جهة ثانية  الموافقة على التوجه نحو صندوق النقد الدولي وتنفيذ شروطه مع محاولة تحسينها اجتماعيا والشراكة مع توتال الاميركية -الفرنسية – الاسرائيلية نفطيا ومع الحفاظ اللفظي على شعار التوجه شرقا ؟

انه توافق التقاطع أو تقاطع التوافق ..  لا فرق ..!!

 

الخلاصة

 

 

 الخلاصة اننا لسنا في موضع الخلاف على الرئيس ولا على البرنامج ولا على  الحكومة ..

اننا على خلاف حقيقي استحق على ابواب مرحلة التغييرات الكبرى. خلاف حول هوية لبنان وموقعه  المستقبلي ونظامه كوطن وليس  كتقاطعات او توافقات ……

وهو  خلاف لا يحسمه تقاطع ولا توافق على جزئيات ..يحسمه اتفاق  نهائي على وطن  ومواطنة وهوية الوطن وامنه القومي  ونظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتموضعه الخ…….

ننتظر الوطن لا التقاطع ولا التوافق ..!!!

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى