لبنان:أزمة كيان وتصدع بنيان(راضي علوش)
راضي علوش – الحوارنيوز خاص
إزاء ما يتعرّض له لبنان من أزمات تعصف به وتتوالى عليه محدثة في كلّ مرّة اهتزازاً في الكيان وتصدّعاً في البنيان، يخطر في البال طرح جملة من التساؤلات تُختزل جميعها بتساؤل واحد: هل يمكن تجنّب ما يحصل لهذا الكيان من أزمات تكاد تطيح به بين الحين والآخر؟.
لا شكّ في أنّ الإجابة عن هذا التساؤل ينبغي أن تكون حصيلة نظر متعدّد الأبعاد، تتداخل فيه وتتقاطع علوم السياسة والجغرافية والتاريخ والسوسيولوجيا والميتولوجيا…وغير ذلك من المعارف القريبة والبعيدة.
من الثابت أنّ الكيان اللبناني الذي بدأ بالإمارة وانتهى بالجمهوريّة، مروراً بنظامي القائمقامية والمتصرّفية لم يكن في أيّ مرحلة من مراحله إلّا محطّ انظار الدول الكبرى الخارجية ومرمى سياساتها وعلاقات بعضها ببعضها الآخر، في الوقت الذي كان فيه اللبنانيون يلتفـتـون ويتطلّعون إلى ما وراء حدود كيانهم بحثاً عن دعم أو مساعدة أو حماية. وهذا ما أثّر تأثيراً واضحاً في طبيعة بنيانه وصلابة أركانه.
إذا انطلقنا من تأسيس لبنان الكبير الذي غدا بحدوده الجغرافية الجديدة دولة حديثة قامت على تسوية وضعت حدّا لصراع بين أبنائه، صراعٍ تداخل فيه كلّ ما هومحليّ وإقليميّ وعرقيّ وقوميّ وطائفيّ ودينيّ ومذهبيّ… إلى حدّ جعل من هذا الكيان فسيفساءَ بنيويّة تراعي أهواء الدول الخارجيّة الكبرى، ولا سيما فرنسا التي كان لها الدور الأبرز في تأسيسه. ومن الطبيعيّ أن يظلّ ذلك الكيان عرضة لما ينتج عن تلك الأهواء من سياسة تراعي فيه كلّ دولة مصالحها القريبة والبعيدة. ولا يفوتنا، في الوقت ذاته، عامل مجاورته لكرة النار الصهيونية التي أنشأها الغرب في فلسطين المحتلّة.
وفي خضمّ الأزمة الراهنة التي تعصف بالكيان اللبنانيّ اليوم نكتفي بمقاربة قانونيّة تحملنا على النظر في استيفاء كياننا اللبنانيّ لمقوّمات الدولة من وجهة نظر القانون الدولي الذي اشترط مقوّمات ثلاث تقوم عليها الدولة، وهي: أرض وشعب متجانس وسلطة. ومن الطبيعيّ أن ننظر في مدى انطباق تلك المقوّمات على واقع الكيان اللبناني.
يبدو لنا، للوهلة الأولى، من الناحية الجغرافية، أنّ لبنان الكبير قام على أرض الإمارة القديمة بعد أن ضمّت إليها مناطق كانت خاضعة من قبل بشكل مباشر للدولة العثمانيّة. وبهذا توفّر عنصر الأرض. بيد أنّ مقوّمة الشعب المتجانس لم تتوفّر كما يلحظها ويشترطها القانون الدولي. فلا تجانس يذكر بين الفئات المختلفة التي شكّلت شعب هذا الكيان. ويكفي القول إنّ القواسم المشتركة والمفاهيم الموحّدة الرئيسة تغيب عن أفق ذلك الشعب، وفي طليعتها الاتفاق على التمييز بين الصديق والعدوّ. أمّا المقوّمة الثالثة من مقوّمات الدولة فتتمثُل في السلطة التي يشترط أن تكون سلطة واحدة، لا سلطة متعدّدة الوجوه والاتجاهات، منقسمة على نفسها بما يفقدها القوّة والنفوذ والسلطان.
إنّ نظرتنا الموضوعيّة إلى كياننا اللبنانيّ تستوجب إعادة النظر والبحث عن نظام سياسيّ وإداريّ يوفّر له الاستمرارية والتطوّر بعيداً عن الأزمات التي تعصف به، والتي تعرضّه في كلّ مرة لخطر وجوديّ كيانيّ. وقبل البحث عن طبيعة النظام المنشود علينا أن نعيد البناء من خلال توفير تجانس الشعب ووحدة السلطة ليكون البناء سليماً خالياً من الشوائب التي تعيبه وتعرضه للاهتزاز.