كتب د.أحمد عياش
يُعلّق واهمون وطنيون الأمل على خروقات في الانتخابات النيابية المقبلة مراهنين على تبدلات جوهرية في الرأي العام ،نتيجة الازمة الاقتصادية-المالية-المعيشية الحادّة، ووضوح المشهد على تفاصيل النهب والفساد والاجرام والتبعية.
واهمون.. نعم، فالاحزاب الحاكمة الفاشلة اقوى لأنها أشرس ،ولأنّ لها تجارب عديدة في اسرار الانتخابات وتحالفاتها وسحر اعادة الناخبين الى الطاعة وسبل اغرائهم نفسيا وعقليا وماليا وخدماتياً.
وهنا يبرز دور الماكينات الانتخابية في هذا المضمار:
ليست الاحزاب الحاكمة الا ماكينات انتخابية تنام لتستيقظ عند مواعيد الانتخابات والاستحقاقات.
الماكينات الانتخابية ليست مسألة عابرة .انها تراكم لجهود واستفادة من أخطاء واحتراف نفسي-اجتماعي في مخاطبة عقل وقلب وغرائز الناخبين اعلاميا وطائفيا وسياسيا عبر نبش احقاد دفينة بهدف الثأر المعنوي وعبر ارهاب الطوائف بمصير أسود ان سقط حماتهم الفرسان.
فأصغر دائرة انتخابية فيها عشرات مراكز الاقتراع مقسّمة بين نساء ورجال ،وفي كل مركز اقتراع عدة صناديق انتخابية وفق ارقام سجلات العائلات في دوائر النفوس .
على المرشح ان يؤمن مندوبا ثابتا له ليراقب عند كل صندوق، وعلى الاقل مندوب متجوّل او اثنان في كل مركز اقتراع، اي ان يؤمن ما لا يقلّ عن ستة اشخاص لكل مركز اقتراع، اي على اقل تقدير اثني عشر شخصا للبلدة الواحدة المتوسطة الحجم، فإذا افترضنا الكلام عن قضاء النبطية فقط الذي يضم حوالي 40 بلدة اضافة للمدينة، فهذا يعني ان على المرشح تأمين ما لا يقلّ عن 12×40=480 مندوبا ليضمن سلامة الاقتراع له، هذا ان قفزنا عن الحاجة لمندوبين عند مدخل مركز الاقتراع يؤهل ويقنع الاصحاب والاحباب والمترددين بالاقتراع للمرشح ،ناهيك ان حدود الدائرة الانتخابية ليست حكماً حدود القضاء، بل اكثر من قضاء .فعلى سبيل المثال الدائرة الانتخابية تضم قضاء النبطية وقضاء مرجعيون وقضاء حاصبيا وقضاء بنت جبيل، فإن لم يكن المرشح ضمن لائحة مكتملة تتوزع المهام على مراكز الاقتراع ،فإن المهمة شبه مستحيلة لمغامرين او لهواة.
اضف الى ذلك ان المندوبين اشخاص يتعبون ويجوعون ويعطشون ويجب تأمين الطعام والماء لهم ،لأنهم لا يستطيعون مغادرة مركز الاقتراع من السابعة صباحا الى ساعة متأخرة من الليل حتى اقفال الصناديق.
وكي لا ننسى فعلى المرشح ان يسعى وان يزور وان يقود حملة اعلامية انتخابية ليتعرف عليه الذي لم يسمع به سابقا قبل اربعة اشهر على اقل تقدير .وهناك ناخبون محترفون يعرفون كيف يبتزون ويحتالون ويستغلّون ويورطون المرشح ماليا وخدماتيا.
ليست قلة اخلاق انما اعتاد كثيرون اعتبار الانتخابات مواسم تجارة.
لا ،
الانتخابات النيابية ليست لمجموعة مغامرة تظن ان سمعتها الوطنية تكفيها شرفا للفوز. فالناس في زمن الانتخابات يعيشون مواسم المصالح والغرائز ويقدمون اصواتهم للمرشح المضمون الفوز ،لأن العلاقة معه بعيدة المدى وسيضطر لطرق بابه عاجلا أم آجلأ.
هذه الحكايات تعرف اسرارها الماكينات الانتخابية الحزبية المتمرسة على عقول الناخبين وطريقة سوقهم الى مراكز الاقتراع وكيفية ترغيبهم من ناحية وكيفية ترهيبهم من ناحية اخرى .
الاحزاب الحاكمة لها موظفوها في كل دوائر الدولة الذين يتحولون تلقائيا لعناصر متطوعة في الحملة الانتخابية لقادتهم.
اغلب عناصر الماكينات الانتخابية للاحزاب الحاكمة هم موظفون واساتذة ومتعلمون في القطاع العام وفي مؤسسات الاحزاب الخاصة ،والمفروض عليهم الالتحاق في خدمة الحملة الانتخابية، وإلا يصبحون تحت مراقبة عيون احزابهم الحمراء والملتهبة غضبا.
لا،
لا فرصة عادلة للمنافسة ولا يمكن منافسة اثرياء الطوائف الذين تصدر فيهم مذكرات جلب الى بيوت قادة الطوائف ليتبرعوا ماليا، والا يخسرون امتيازاتهم في السمسرة والسرقة والصفقات .
في كل لائحة من لوائح معظم الأحزاب الحاكمة ، مرشحون للنيابة تقوم على اكتافهم المصاريف المالية للحملة.
لا حظ لمغامرين او لشرفاء في منافسة صممت قواعدها ليفوز بها الراسخون في علم مخاطبة الغرائز والجيوب والمصالح وترغيب وارهاب ابناء الطائفة.
حزب الطائفة وطائفة الحزب يعرفون تماما كيف تؤكل الكتف وكيف تسحب اللقمة من فم السبع ،وكيف يتغامزون من خلفك ان خالفت او عارضت او اشتكيت بأنك مشبوه او عميل او خائن او “أخوت” او خائن لم يُفضح بعد، فمستحيل ان تكون معارضا شريفا لهم لانهم هم الأصل ومن لا يفكر مثلهم شيطان اخرس.
اجهزة الاعلام تنتظر مواسم الانتخابات للتجارة، اذ يطلب البعض منهم 40الف دولار لمقابلة لساعة واحدة في برنامج سياسي او اجتماعي ،الهدف منه الترويج والتسويق الانتخابي.
خلاصةالكلام، ستعود الاحزاب الحاكمة الى الحكمالسلطة واقدامها فوق رقاب المراهنين على بناء وطن لا دولة.
لن يلقى القبض على سارق او مجرم او ناهب مال عام والاحزاب الحاكمة تقود البلاد.
للاسف لن يتغير شيء.
مولخا مولخا ،هم اقوياء،يكمشون اذن الشارع ويتربعون على صدور الناس و قدرنا المشاهدة والصبر وان نقول “لا”.
سنقول”لا” وهم يدفنوننا في القبر.
سيسمعنا الجميع نصرخ”لا”.. ونحن ميتون.
زر الذهاب إلى الأعلى