إقتصادمصارف

الكتلة النقدية خارج مصرف لبنان نحو التضخم: النتائج والمعالجة (عماد عكوش)

كتب د.عماد عكوش- خاص الحوار نيوز

ينص قانون “النقد والتسليف” على قيود محددة لطباعة الليرة اللبنانية . وتلزم المادة 69 المصرف المركزي بتغطية ما لا يقل عن 50 في المئة من النقد الوطني المصدر بموجودات من الذهب واحتياطي العملات الأجنبية التي تضمن سلامة تغطية النقد اللبناني بنحو 30 في المئة من قيمة النقد الذي أصدره وقيمة ودائعه تحت الطلب ، بعد انخفاض الإستهلاك المحلي وحجم الإستيراد الى حدود 11 مليار دولار سنويا، مقابل حجم تصدير يصل الى حدود 3.5 مليار دولار ،ما يعني عجزا في الميزان التجاري يصل الى حدود 7.5 مليار دولار أميركي ، ما يعني طلبا شهريا يصل الى حدود 625 مليون دولار .

 لكن طبعا هناك بالمقابل تمويل لجزء من هذا الطلب من قبل مصرف لبنان، ولا سيما في موضوع المحروقات والذي يصل حجم الإستيراد حوالي 3 مليار دولار سنويا ، ما يخفض حجم الطلب الى 375 مليون دولار من السوق السوداء . في المقابل هناك عرض شهري ناتج عن التحويلات من المغتربين يقدر بحوالي 580 مليون دولار ، ما يعني أن هناك فائضا أوليا يتم تخزينه بشكل شهري في البيوت وخزنات الشركات بحوالي 205 مليون دولار .

يبقى السؤال هل هناك علاقة بين حجم الكتلة النقدية في السوق وبين سعر صرف الدولار على اعتبار ان العملة المقابلة هي الدولار والذي يتم شراؤه لعدة أهداف منها الحفاظ على قيمة المدخرات ، ومنها لتلبية حاجات الإستيراد من الخارج .

إن وجود علاقة قوية بين الكتلة النقدية وسعر الصرف مصدره السياسات النقدية التي يتبعها مصرف لبنان في فترة الأزمة . منذ بدء الأزمة ، ومنذ إغلاق المصارف بعد أحداث 17 تشرين الأول الماضي ، ولغاية اليوم ، عمد مصرف لبنان الى زيادة الكتلة النقدية بالليرة . في الفترة الأولى ، كان حجم الكتلة النقدية يزداد حجماً أكثر من ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة . في أيار 2020 تقاطع المساران ، وبات سعر الدولار يزداد بوتيرة أكبر .

تبقى وظيفة المصرف المركزي تلبية الطلب على العملة المحلية عندما تتضخم أسعار السلع ، وأن يعوّض النقص في كمية النقد المتوافر محلياً عبر إصدارات جديدة يضخّها في السوق ، إلا أن هذا الأمر يفرض ارتفاع سعر الدولار قبل حصول زيادات كبيرة في حجم الكتلة النقدية ، وهذا أمر لم يحصل . ففيما كانت الكتلة النقدية تزداد بنسبة 69% في تشرين الثاني 2019 ، كان سعر الدولار مقابل الليرة يرتفع بنسبة 30% (وسطياً) فقط .

تشير إحصاءات مصرف لبنان إلى أن الكتلة المالية المتداولة في الاقتصاد تشهد ارتفاعاً متواصلاً بلغت قيمته في نهاية تشرين أول (2021) 42.520 ألف مليار ليرة مقارنة مع 42.346 ألف مليار ليرة في نهاية منتصف تشرين أول (2021) الماضي، أي بزيادة 174 مليار ليرة خلال 15 يوماً ، بعدما كان نحو 17 ألف مليار ليرة في عام 2019 ، أي​ ضخّ نحو 1160 مليار ليرة شهرياً في الاقتصاد اللبناني كمعدل وسطي ، وقد تطورت هذه الزيادة في الكتلة النقدية (مليار ليرة) خلال الفترة السابقة على الشكل التالي :

التاريخ

الكتلة الى الأحتياطي %

حجم الأحتياطي مليار$

كتلة الدولار الى الليرة %

ما يعادل مليون $

سعر الصرف ليرة

حجم الكتلة(مليار ليرة)

Oct-2021

14.30

13.640

4.76

1951

21000.00

40984.8

Dec-2020

42.61

18.604

25.63

7927

3900.00

30917.7

Dec-2019

16.82

29.553

47.05

4971

2125.00

10563.5

Dec-2018

11.95

32.514

66.33

3887

1507.50

5860.8

Dec-2017

10.49

35.806

66.33

3756

1507.50

5662.5

Dec-2016

10.30

34.028

66.32

3505

1507.50

5284.9

Dec-2015

10.19

30.638

66.33

3122

1507.50

4706.4

Dec-2014

8.70

32.403

66.31

2821

1507.50

4253.7

Dec-2013

8.33

31.713

66.32

2642

1507.50

3983.3

Dec-2012

8.05

29.972

66.34

2414

1507.50

3638.5

Dec-2011

7.06

30.815

66.33

2178

1507.50

3283.3

العوامل المساعدة على أرتفاعها :

على الرغم من تسارع تضخّم الكتلة النقدية المتداولة خارج مصرف لبنان ، تؤكد المعلومات أن طبع الأوراق النقدية سيستمر في المرحلة المقبلة بمعزل عن أي إجراءات سيتّخذها المصرف ، وذلك لأسباب عدة أبرزها:

  • أستمرار المصرف المركزي بسد الفجوة المالية في موازنة الدولة بموجب قانون “النقد والتسليف”، بحيث أن الدولة تحتاج شهرياً إلى حوالي 200 مليار ليرة كمعدل وسطي كفرق عجز في الموازنة ما بين واردات ونفقات الدولة ، في وقت تشهد واردات الخزينة منذ نهاية عام 2019 تراجعاً حاداً ، بالتالي تدفع الدولة ما يتوجّب عليها من خلال طباعة العملة الوطنية . وتضيف المصادر أن المصرف المركزي بات أمام سندان دفع ثمن عجز الدولة من ناحية ومطرقة تأمين رواتب 30 في المئة من القوى العاملة .

  •  استمرار المصارف بضخ الليرات في السوق من خلال تمويل السحوبات النقديّة بالليرة من الودائع المقومة بالعملات الأجنبية ، كما أسهم المصرف المركزي عبر تطبيق القرار الرقم 151 القاضي بسحب أموال المودعين من المصارف بالدولار على سعر صرف 3900 ليرة ،ولاحقا التعميم 158، واللذين أسهما في رفع مستوى طبع النقد . وقد بلغت قيمة الأموال التي أقرضها مصرف لبنان للدولة لهذه الغاية 2.77 مليار دولار في عام 2020 .

  • حسب أرقام مصرف لبنان، فإن حجم الكتلة النقدية المتداولة كان يتزايد باستمرار في السنوات الماضية . وهذا أمر طبيعي لأن هذه الكتلة تلبي الحاجات التجارية في الاقتصاد ، ولأن عدد السكان في تزايد دائم ،فيما نسبة التضخم إيجابية ، لذا فإن الحاجات التجارية تتطلّب كتلة نقدية متداولة أكثر حجماً مع مرور الوقت . لكن ما هو غير طبيعي أن تتزايد هذه الكتلة بنسبة متسارعة وكبيرة كما جرى بين حزيران 2019 وشباط 2020 إذ ارتفعت الكتلة المتداولة من نحو 6000 مليار ليرة إلى 12500 مليار ليرة، أي أكثر من الضعف، علماً بأن الجزء الأكبر من هذه الزيادة جاء بعد تشرين الأول. فما هي الأسباب؟

أن التزايد الكبير في الكتلة النقدية ، له عواقب اقتصادية .فمعدل النموّ الاقتصادي لسنة 2020 كان سلبياً ، فيما تشير التوقعات إلى استمرار هذه الحال في السنوات المقبلة ، وفي المقابل سيكون معدل نموّ الكتلة النقدية المتداولة في ارتفاع ، أي إننا مقبلون على تضخم كبير في الأسعار بات ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة ، كما يرجّح استمرار فقدان الثقة بين المصارف والمودعين في الفترة المقبلة ،ما يعني أن الأزمة مستمرّة ولا مهرب منها ، وما يعني أيضا مواصلة المودعين سحب ودائعهم من المصارف ، كما أن الأموال التي طبعها المصرف المركزي ستبقى تصل إلى أيدي المستهلكين ، أي إننا مقبلون على زيادة أكبر في الكتلة النقدية المتداولة وتضخم متواصل .

منذ شهر نيسان الماضي، تمكّن مصرف لبنان من إبطاء وتيرة زيادة السيولة المتداولة في السوق بالليرة اللبنانيّة. فمع الارتفاع التدريجي في أسعار الصرف المعتمدة لبيع الدولارات لمستوردي المحروقات ، ارتفعت كمية السيولة بالليرة اللبنانيّة التي يدفعها المستوردون مقابل شراء هذه الدولارات ، وهو ما سمح للمصرف المركزي بامتصاص كمية النقد بالعملة المحليّة من السوق . وقد تمّ ضبط حجم الكتلة النقديّة الموجودة في السوق بالعملة المحليّة إلى حد كبير خلال الأشهر الستة الماضية ، مقارنة بجميع الفترات السابقة . ورغم أن مصرف لبنان استمر بخلق النقد خلال هذه الفترة لأسباب أخرى ، كتمويل إنفاق الدولة مثلاً، كان امتصاص السيولة بالليرة بهذه الطريقة كافياً لتقليص الزيادة في حجم النقد المتداول في السوق ، لكن كان يمكن إمتصاص المزيد من الكتلة لو أن مصرف لبنان فرض على الشركات المستوردة تأمين الليرة نقدا ومن حسابات يتم فتحها في المصارف ناتجة عن عمليات أيداعات نقدية وليس عبر شراء شيكات من السوق ،كان هذا الأمر سيخفض بالتأكيد حجم الكتلة النقدية بشكل كبير نظرا لأرتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير .

إن أستمرار السماح بتسديد قيمة الدولار بشيكات مشتراة عبر حسابات مفتوحة لهذه الغاية سيزيد من حجم الكتلة النقدية الموجودة في السوق ، وستكون النتيجة الطبيعيّة لهذا التطوّر الضغط على سعر صرف الليرة اللبنانيّة ، ودفع سعر صرف الدولار إلى الارتفاع في السوق الموازية . فأي زيادة في كمية السيولة المتداولة بالليرة في السوق ، ستنعكس لاحقاً في زيادة الطلب على الدولار الأميركي ، إما للاستيراد من الخارج عبر الاستهلاك ، أو للإدخار.

كما أن أستمرار أستعمال سعر الصرف الرسمي 1507.5 ليرة كسعر لاحتساب الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة أضافة الى الرسوم العقارية ، كل ذلك يضاعف الضغط على الليرة ويمنع إمتصاص الليرة من السوق ،ما يضاعف حجم الكتلة ويضاعف الضغط على سعر صرف الليرة ، لذلك لا بد من رسم سياسة واضحة لمعالجة هذا الواقع بالتوازي مع تعديل الحد الأدنى للأجور اليوم قبل الغد، واعتبار هذه الزيادة زيادة طارئة بانتظار الوصول الى نتيجة نهائية للجنة المؤشر .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى