كي لا تنفجر “قنبلة اللاجئين” السوريين في الزمن الضائع:أعيدوا تكليف اللواء عباس إبراهيم بمهادنة هذا الملف ! (واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
لا أحد تحت سماء الجمهورية اللبنانية يدرك ويعي ويحيط بملف اللاجئين السوريين في لبنان، أكثر من اللواء عباس إبراهيم المدير العام السابق للأمن العام.
ولا أحد يستطيع متابعة هذه المهمة بإتقان وخبرة أكثر من عباس إبراهيم،ليس لأن اللواء مفاوض لبق فقط ،بل لأنه يحفظ جيدا أسرار هذا الملف من بدايته حتى نهايته ،ولأن المؤسسة التي كان يديرها على مدى سنوات طوال تملك “داتا” المعلومات المفصّلة عن هذا الملف،فضلا عن كنه المواقف الغربية والشرقية والمحلية من هذا الموضوع .ولعله أحاط المسؤولين اللبنانيين ببعض ما يملكه من معلومات ،وترك بعضه الآخر للتاريخ.
اليوم فتحت الحكومة اللبنانية هذا الملف من جديد في غياب اللواء إبراهيم الذي أحيل على التقاعد قبل فترة من الزمن ،واتخذت قرارات لا تخلو من التوجس في ظل الأجواء المتوترة السائدة منذ فترة ،والتي توحي بأن هذا الملف بات قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة على رأي النائب السابق نجاح واكيم.
ولأن اللواء عباس إبراهيم محيط جيدا بهذا الملف ،فالأحرى أن تعيد السلطات اللبنانية تكليفه بمتابعة هذه القضية ،لأنه الأكثر خبرة في سبل تفكيك صاعق هذه القنبلة ،ولأن له دالة على الأطراف المعنية بهذا الملف.
يعرف عباس إبراهيم جيدا مكامن الخطر في هذا الموضوع ومن أين يبدأ خطواته في هذا السبيل ،مثلما يعرف المعرقلين لعودة النازحين إلى بلدهم وأرضهم،وما هي الموانع المنطقية والتقنية بعد السياسية.
ذات يوم التقى اللواء إبراهيم المفوض السامي الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو غراندي” في إطار سعيه لمعالجة هذا الملف. طرح إبراهيم على غراندي سؤالا منطقيا: “طالما أن مفوضية اللاجئين تتولى دفع مساعدة مالية شهرية لللاجئين في لبنان ،فما الذي يمنع أن تُدفع هذه المساعدة لهم في سوريا عند عودتهم،ومن قبل المفوضية”.
رد المسؤول الأممي بأن النظام السوري لا يسمح بذلك ،ونحن لا نتعاطى كأمم متحدة مع النظام ولا نأمن بتسليمه المساعدات ليتولى دفعها لهم؟
ذهب اللواء إبراهيم إلى سوريا والتقى كبار المراجع وعاد بتعهد خطي من السلطات السورية يسمح لمفوضية اللاجئين بأن تتولى بنفسها دفع المساعدات المالية للاجئين العائدين على الأراضي السورية.لكن المفوض الأممي ذهب ولم يعد لاستلام هذا التعهد.
لا يحتاج الأمر إلى كثير من الفطنة لاكتشاف الموانع الغربية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ،ليس في لبنان فقط وإنما في العديد من الدول المحيطة بسوريا ،كتركيا والأردن والعراق،حيث يتمركز أكثر من ثمانية ملايين لاجئ ،وثمة من يقول عشرة ملايين.
وقد طرح الزلزال الكارثي التركي الذي حصل قبل فترة من جديد أزمة اللاجئين السوريين على بساط البحث الجدي. وتحدثت الأنباء بعد الزلزال عن “مشاعر غضب تركية” انفجرت ضد السوريين ،بحجة أعمال نهب وسرقة شارك فيها بعض اللاجئين الذين يربو عددهم في الأراضي التركية على أربعة ملايين.
وقلنا حينها في مقالة نشر في “الحوار نيوز” إنه في ظل هذا العدد المهول، يبدو الحديث عن عودة اللاجئين إلى سوريا ضربا من الوهم في فترة زمنية قصيرة،في ظل الأوضاع المركّبة والتداخلات المعقدة والظروف الصعبة التي تعيشها سوريا. فسوريا اليوم مقسّمة إلى ثلاث مناطق ،إن لم يكن الأصح “ثلاث دول”:واحدة تسيطر عليها الحكومة السورية ،وثانية المعارضة تحت الوصاية التركية ،وثالثة قوات سوريا الديموقراطية “قسد”(الأكراد) تحت الوصاية الأميركية.
كان يمكن لسوريا بمساحتها الكاملة أن تستعيد أبناءها اللاجئين ،لو كانت دولة واحدة موحدة ،أيا كان من يحكمها، والأحرى الحكومة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، لأن هيكل الدولة ومؤسساتها قائم ، بخلاف “الدولتين” الأخريين. لكن واقع سوريا اليوم لا يشجع على عودة ثمانية ملايين لاجئ، في ظل الأوضاع الاقتصادية والبنيوية الصعبة الناجمة عن الحصار والعقوبات والمقاطعة العربية والدولية التي رافقت الحرب وأعقبتها. من هنا تنبع مسؤولية المجتمع العربي والدولي في “إعادة سوريا” قبل التفكير بإعادة اللاجئين.
في ظروف سوريا الراهنة ،ليس من المنطق والعقل ، إعادة ثمانية ملايين سوري إلى أرضهم وإلقائهم في حضن الرئيس الأسد وحكومته. فبالكاد سوريا اليوم قادرة على رعاية المقيمين فيها. صحيح أن المسؤولين السوريين رحّبوا أكثر من مرة بعودة اللاجئين ،لكن الحقيقة المرة أن هؤلاء يعرفون جيدا أن سوريا غير قادرة على استيعابهم دفعة واحدة في ظروفها الحاضرة.
لقد جرت محاولة حثيثة بين لبنان وسوريا لإعادة اللاجئين من لبنان ،وتولى هذه المهمة أكثر من مسؤول ،وعلى رأسهم اللواء عباس إبراهيم ،وتم الاتفاق على إعادة 15 ألف لاجئ شهريا من أصل مليون ونصف المليون ،فتبين حسابيا أن هذه الخطة يتطلب تنفيذها أكثر من 8 سنوات.
أمام ما تقدم ،ثمة خطوات كثيرة يفترض تنفيذها قبل التفكير بإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا،ومنها:
أولا: قرار عربي دولي بفك الحصار وإزالة العقوبات عن الدولة السورية.
ثانيا:إعادة توحيد سوريا بعودة المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة إلى حضن الدولة السورية. وهذا يتطلب قرارا سياسيا دوليا صارما لا تبدو معطياته متوفرة حتى الآن.
ثالثا: ضخ كمية هائلة من الأموال العربية والدولية لإعادة بناء ما هدمته الحرب في سوريا.
رابعا:دعم الاقتصاد السوري الذي يعاني من ظروف صعبة لكي تتمكن سوريا من النهوض من جديد.
خامسا :إدراج عودة اللاجئين السوريين بندا رئيسيا على جدول أعمال القمة العربية المقبلة في الرياض الشهر المقبل ،واتخاذ قرارات جدّية للمعالجة.
في ظل هذه الخطوات يمكن وضع خطة متدرجة لإعادة اللاجئين، خاصة وأن سوريا ستحتاج عندها لأيدٍ عاملة ومهنية سورية موجودة اليوم في الخارج.
بخلاف ذلك سيبقى الحديث عن عودة اللاجئين السوريين مجرد “لقلقة ألسن”.وإذا كانت تركيا والعراق والأردن قادرة على استيعاب مثل هذه الأعداد من اللاجئين وحصرها إلى حد ما ،فإن لبنان أعجز من أن يقوم بهذه المهمة في ظل الإنهيار السياسي والاقتصادي والإجتماعي ،فضلا عن غياب الدولة القادرة على التعاطي مع نحو 4000 مخيم عشوائي منتشرة على جميع الأراضي اللبنانية،فيما يُقدّر الأمن العام اللبناني عدد السوريين المتواجدين في لبنان بنحو مليونين ومائة ألف شخص.
وعليه ،وبانتظار الخطوات السالفة الذكر ،وفي ظل الزمن الضائع، على لبنان مرغما أن يتعاطى مع هذا الموضوع بروح إيجابية وطول نفس ،بعيدا عن الأجواء المتوترة واللغة العنصرية وضيق الأفق،كي لا تنفجرهذه القنبلة في وجه لبنان وما تبقى من اللبنانيين على ارضهم..
وعود على بدء، ليس أفضل من اللواء عباس إبراهيم لادارة ومهادنة هذه المرحلة من هذا الملف.