بقلم د. عماد عكوش – الحوار نيوز
بعد صدور التقرير الجنائي عن شركة “الفاريز أند مارسال” وقراءة معظم بنوده أنتابني الاحباط ، فلم أكن أتصور ان شركة عالمية ،بهذا المستوى من الرداءة في أعداد التقارير المهنية .
كنت أنتظر حقيقة مدعمة بالوثائق والمستندات، تؤكد ما حصل بالحد الادنى من مخالفات ما بين العام 2015 والعام 2020 . ما قرأناه فعليا هو سرد تاريخي فقط لما حصل خلال الاعوام 2015 لغاية العام 2020 من دون التطرق الى المخالفات القانونية ، المخالفات للمعايير الدولية ، المخالفات للمعايير الاخلاقية .
بالعودة الى طبيعة المهمة، كان من المفترض ان تكون مهمة تدقيق تشريحي جنائي وهذا ما لم نلحظه .فالتدقيق الجنائي يعني التحري فيه عما إذا كانت العملية المالية أجريت في الإطار السليم من دون أي مخالفات أو مغالطات. بمعنى ، في حال تسلّل الشك الى أي عملية ، يتم التدقيق في أصل وأسباب إجرائها حتى ولو كانت صحيحة محاسبياً فقط ، فإذا كان هناك أي أمر يتعلّق بالفساد في كافة أنواعه أو مخالفته للقوانين، بإمكان المدقّق السؤال عنه والذهاب به بعيداً ، وليس فقط التأكد من أنّ الأرقام مطابقة بين الموجودات والمطلوبات.
أما أهم الأهداف المدرجة للتأكد منها في مصرف لبنان فهي :
– موضوع الهندسات المالية ومن المستفيد منها وكيف تمت وما كانت التكلفة .
– موضوع القروض المعطاة للمحاسيب والمقربين وبدون فوائد أو بفائدة بسيطة ، ومن المستفيد منها.
– التحويلات للخارج بعد العام 2018 ، لحساب من كانت ومن استفاد منها وكيف حصلت .
– الخسائر الكبيرة لدى مصرف لبنان كيف تراكمت ومن استفاد منها .
– كيف تم بيع الدولار من قبل مصرف لبنان بعد تشرين اول 2019 بالسعر الرسمي ومن استفاد منها .
– أرقام العقارات المملوكة من قبل مصرف لبنان وما بيع منها ولمن تمت عمليات البيع وبأي أسعار.
كل هذه النفاصيل يجب ان يكشفها التدقيق التشريحي ومن حق الشعب اللبناني معرفة هذه التفاصيل .
لقد أظهر التقرير من ضمن السرد التاريخي من استفاد من الفوائد ، الهندسات المالية ، القروض والمنح ، لكن الكثير من الاحداث بقي غامضا بسبب عدم اكتمال الصورة والحصول على المعلومات الكافية والادعاء بالسرية المصرفية وخاصة لناحية التحويلات للخارج .
أما أهم ملاحظاتنا عليه فنلخصها بما يلي :
– لم يتم التدقيق بقيم الموجودات بشكل كامل ونهائي وخاصة بالنسبة للذهب ، العقارات ، البنوك المراسلة ، النقد الموجود في المخازن ، جرد للوحات الفنية وقيمتها الحقيقية ، الموجودات الاخرى التي يملكها مصرف لبنان وما هي قيمتها الفعلية، والسبب هو عدم تزويد الشركة بالوثائق والمستندات والمعلومات الكافية .
– لاحظنا ان معظم المصاريف يمكن الموافقة عليها من قبل طرف واحد وهو حاكم مصرف لبنان من دون اللجوء لاي نوع من المناقصات او تقديم العروض بالحد الادنى والامثلة كثيرة .
– لم يتم المقارنة مع الموازنة المفترض وضعها بموجب المادة 33 من قانون النقد والتسليف والتي يقرها المجلس المركزي ويقر بداخلها كامل الايرادات والنفقات .
– لم يتم التطرق داخل هذا التقرير الى كل انواع التقارير المفترض صدورها عن الاقسام المختلفة ولا سيما وحدة التدقيق الداخلي لدى المصرف المركزي .
– أبرز هذا التقرير غيابت كاملا لمفوض الحكومة لدى المصرف المركزي والذي يتم تعيينه وفقا للمادة 41 من قانون النقد والتسليف ،والذي يتمتع بصلاحيات كاملة لناحية المراجعة والمراقبة لكافة سجلات ووثائق المصرف وفقا للمادة 42 ،43 ،44 ، و 45 من قانون النقد والتسليف .
– شراء العقارات كما لوحظ في التقرير لمصلحة المصرف المركزي يتم عبر توقيع الحاكم ومتابعة الحاكم لناحية التفاوض والاتفاق على الاسعار والمواصفات .
– التقاعد المبكر غير المبرر لموظفي المصرف المركزي وفقا” لقرارات صادرة عن الحاكم كانت كريمة جدا” لدرجة ان الموظف كان تقريبا” يستفيد من كامل الفترة المتبقية له في المصرف المركزي ومن كل النواحي سواء لناحية الراتب ، الطبابة ، والمنح والمساعدات ، وكان يتم اغراء الموظف للموافقة على هذا التقاعد عن طريق رفع راتبه للحد الاقصى والذي يمكن الوصول اليه قبل التقاعد ، كما كان يعفى من الديون المترتبة عليه لمصلحة البنك ، وهذا يبدو من أجل حشو مزيد من الموظفين الجدد في المصرف .
– لقد بين هذا التقرير حجم العمولات التي تقاضتها شركة رياض ورجا سلامة من مصرف لبنان ، والتي بلغت حوالي 330 مليون دولار .
– لقد تم سرد كيف ذهبت العملات الصعبة واين صرفت وحولت وقد بلغت قيمة هذه 47.87 مليار دولار ،لكن لم يتم توضيح أين ذهبت العملات الصعبة التي أدخلتها الدولة اللبنانية على مصرف لبنان سواء عبر القروض ، او الرسوم والضرائب .
– الامر الملفت في نفقات الموظفين انها تعادل 0.70 بالمئة من موازنة الدولة اللبنانية ، بينما تبلغ في الاردن 0.32 بالمئة من موازنة الدولة الاردنية ، اي انها كانت ضعف نفقات موظفي البنك المركزي الاردني لعام 2017 .
في النهاية هذا التقرير لم يلب طموحات اللبنانيين في كشف الحقيقة ،لكن بالحد الادنى قام بسرد بعض الوقائع المهمة التي كانت مخفية وبنسبة كبيرة عن الشعب اللبناني ، واتت لتؤكد ان ما كنا نقوله عن مخالفات الحاكم لأبسط قواعد الادارة ، وقانون النقد والتسليف ، وقانون التجارة ، وحتى الاخلاق كانت السمة البارزة في عهد هذا الحاكم ، على أمل وضع الحقيقة كاملة يوما ما أمام الشعب ،وأصلاح هذا المصرف لمنع تكرار التجربة السلامية لاحقا.