قراءة في نتائج الانتخابات:مفاجآت صادمة..وديناميكية معقّدة للمجلس النيابي الجديد(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
سألني مذيع قناة “الجزيرة” جلال شهدا ليل أمس (خارج الهواء) عما إذا كنت قد فوجئت بنتائج الانتخابات النيابية ،فقلت على الفور: نعم..وإن كانت النتائج الرسمية لم تكن قد صدرت كاملة بعد.
بعد صدور النتائج الرسمية في جميع الدوائر اليوم،أعتقد جازما أن ما من أحد على وجه البسيطة اللبنانية كان يتوقع مثل هذه النتائج في غالبية الدوائر ،وإن كان البعض يتلمس خرقا في دائرة هنا أو دائرة هناك ..وبخجل.
فلا السياسيون ولا خبراء الانتخابات وشركات الاستطلاعات ،ولا المبصرون والمنجمون والطامحون والمزايدون والمنافقون ، كانوا في صورة المجلس النيابي الجديد الذي أفرزته هذه الإنتخابات.
فمن كان يتوقع على سبيل المثال:
- بدءا من بيروت:إخفاق اللائحة المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة وخسارة القاضي المحترم خالد قباني واختراق “قوى التغيير “بأربعة مقاعد.
- سقوط طلال أرسلان بعد ثلاثين عاما في النيابة واختراق “قوى التغيير” بثلاثة مقاعد في الشوف – عاليه.
- إخفاق التيار الحر وحركة”أمل” في دائرة جزين صيدا وحصول القوات اللبنانية على مقعدين
- سقوط مروان خير الدين في حاصبيا واختراق “قوى التغيير” بمقعدين في دائرة الجنوب الثالثة.
- سقوط إيلي الفرزلي ومحمد القرعاوي في دائرة البقاع الغربي – راشيا.
- سقوط مرشح القوات اللبنانية في بشري لصالح تيار المردة.
- سقوط هادي حبيش في دائرة عكار وحصول التيار الحر على ثلاثة مقاعد.
- وأخيرا سقوط فيصل كرامي في طرابلس لصالح تركيبة غريبة عجيبة من نواب جدد يقول الطرابلسيون أنفسهم أنها تركيبة صادمة.
وهكذا أفرزت الانتخابات مفاجآت صادمة وخريطة نيابية جديدة لم يشهدها البرلمان اللبناني منذ اتفاق الطائف وإقرار الدستور الجديد،وهي قد تفاقم من طبيعة الحياة السياسية المتأزمة أصلا،بما ينعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
ليس في المجلس الجديد أكثرية نيابية مطلقة (يعني 65 نائبا وما فوق).صحيح أن لبنان محكوم منذ الطائف بالديموقراطية التوافقية نتيجة نظامه الطائفي البغيض،ولم تستخدم هذه الأكثرية نفوذها في تشكيل السلطة التنفيذية إلا نادرا،لكن التفاهم النيابي كان يفرض نفسه غالبا على ديناميكية السلطة التشريعية،إما بالفرض أو بالتعطيل أو بالتسويات. وأغلب الظن أن هذه الديناميكية سوف تتعرض لهزات غير محسوبة ،بفعل حالة الموزاييك أو الفسيفساء التي نجمت عن هذه الانتخابات.صحيح أن المجلس الجديد سيضم كتل كبرى متناقضة( حزب الله وحركة أمل والتيار الحر والقوات اللبنانية واللقاء الديموقراطي) بعديد في حدود الثمانين نائبا ،لكن ما تبقى يتشكل من كتل صغيرة تتوزع على المكونات اللبنانية سيكون لها موقعها ودورها في غياب التفاهم بين الكتل الكبرى السالفة الذكر.
ويشكل غياب الكتلة الكبرى للمكوّن السنّي في البرلمان ظاهرة مستجدة سوف تشكل ثغرة بارزة في الحياة النيابية والسياسية،وذلك بسبب تعليق تيار “المستقبل” وزعيمه سعد الحريري للعمل السياسي والنيابي.ولأن الحياة السياسية اللبنانية محكومة ببدعة “الميثاقية الطوائفية” ،ولأنه والحالة هذه لا يمكن تجاهل المكون السنّي،لن يكون سهلا تعاطي المكونات الأخرى مع سيل من الشرائح النيابية السنية، بدل التفاهم مع مكون واحد كما درجت العادة في التعاطي مع كتلة “المستقبل” وزعيمها السياسي.ولن يكون نادي رؤساء الحكومات هذه المرة هو المرجعية السنيّة في هذا الإطار،كون المكونات النيابية السنية الجديدة لن تخضع لهذا الإطار الذي كان فاعلا في ما مضى.ومن هنا تبرز صعوبة تيسير الحياة السياسية في المستقبل القريب.
تبدأ الحكاية يوم الأحد المقبل مع بداية ولاية المجلس الجديد. يفترض أن يدعو رئيس السن في المجلس(وهو حكما الرئيس نبيه بري )إلى جلسة انتخاب رئيس المجلس.هذه المرة ليس في وجه رئيس حركة “أمل” منافس على الرئاسة باعتبار أن الكتلة الشيعية محصورة بالحركة وبحزب الله ،إلا إذا ارتأى بعض النواب (على سبيل النكد والتفكهة) ،ترشيح شخصية من خارج الطائفة الشيعية (وهو ما يسمح به الدستور ) باعتبار أن التوزيعة الرئاسية في لبنان تعتمد العرف وليس الدستور ،ويحق لأي كان ترشيح نفسه لأي منصب رئاسي. لكن هذا الأمر سيفتح أبوابا كانت مغلقة على رئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء . وفي الخلاصة سيدعو الرئيس بري الى جلسة يرشح فيها نبيه بري لانتخاب نبيه بري رئيسا للمجلس .وكالعادة ستضج وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الواقعة غير المسبوقة !!!
التجديد للرئيس نبيه بري سيكون أيسر الاستحقاقات الجديدة. وهنا يأتي دور الحكومة المقبلة التي ستعتبر مستقيلة عند منتصف ليل السبت -الأحد المقبلين،وفقا للمادة 69 من الدستور. بناء عليه سوف يدعو رئيس الجمهورية الى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة العتيدة.وهنا يقع الارتباك المنتظر.فهل الرئيس نجيب ميقاتي ما يزال صالحا لهذه المهمة مع تركيبة المجلس الجديد؟ أم أن مرحلة تصريف الأعمال سوف تطول كالعادة إلى ما شاء الله؟
طبيعي أن المجلس الجديد وكتله النيابية سوف ترفع من وتيرة المزايدات في اختيار رئيس للحكومة ليس عليه أي علامة استفهام. وليس سرا أنه بدأت تتنسم معلومات وأحاديث خلف الكواليس عن إمكان التفاهم على النائب المنتخب الصيداوي عبد الرحمن البزري لهذه المهمة القصيرة الأمد ، والتي قد تطول إذا ما تعذر انتخاب رئيس للجمهورية في الخريف المقبل. والرجل بحق طبيب نظيف الكف عفيف اللسان طيب المعشر وعلى علاقة وطيدة بمختلف القوى السياسية ،وقد أوكلت إليه في السنتين الماضيتين مهمة صحية جليلة،وهي رئاسة اللجنة المختصة بمواجهة وباء كورونا ،وقد قام بواجبه على أكمل وجه.
في أي حال ليست الأشهر المقبلة “حريرية الخطى”،سواء تشكلت الحكومة أم لم تتشكل.فمعركة رئاسة الجمهورية على الأبواب ،ولا يفصلنا عن نهاية ولاية الرئيس الحالي ميشال عون سوى خمسة أشهر،وطبيعي أن يبدأ المرشحون نشاطهم وحركتهم في هذا المجال سعيا وراء تثبيت أقدامهم على طريق قصر بعبدا.والطامحون لهذا المنصب ثلاثة لا يجمعهم جامع،ولا شك أن نتائج الانتخابات النيابية سترفع من وتيرة علاقتهم المضطربة وهواجسهم المتنامية،وقد تفعل الفيتوات في ما بينهم فعلها في استبعادهم والتوافق على مرشح رابع ب”ثياب مرقطة”.
أمام كل ما تقدم ،لا تبدو المرحلة التي تفصلنا عن نهاية السنة الحالية مرحلة مؤمّلة.فبين تثبيت أقدام البرلمان الجديد وتشكيل الحكومة ومعركة رئاسة الجمهورية ،لن تجد القوى السياسية أمامها فرصة للاهتمام بالإصلاحات الموعودة وكبح الإنهيار ولا بالهموم المعيشية للناس،خاصة وأن لعبة الوقت مضنية للبلد،وهو ما قد يحمّل الناس مزيدا من حالة المعاناة، نسأل الله اللطف فيها.