رأي

قراءة في الموقف الروسي وزيارة حزب الله إلى موسكو(أيمن سلامة)

أيمن سلامة -الحوارنيوز خاص

الروس ليسوا في وارد تقديم جوائز ترضية في الوقت الحاضر لأيّ كان..على العكس تماماً هم يرون أن الوقت قد حان ليحصدوا نتائج ما زرعوه في تربة الصراع في سوريا وعليها، وما حركتهم الديبلوماسية في الأيام الماضية إلا في هذا الإطار لإفهام الجميع وباللغة التي يفضلون ،أن التشويش على هذا الأمر ليس بمسموح على الإطلاق، وأن عواقبه قد تكون وخيمة لمن قد يفعل، وعليه يصبح من الواجب إنتظار ما سيسرب لاحقاً من الإجتماعات المغلقة تلك التي أجراها وزير الخارجية الروسية قبل أيام في المنطقة والإجتماعات التي تجري الآن مع وفد حزب الله الذي يزور موسكو هذه الأيام، لا البناء على ما سيخرج للإعلام بصورة رسمية.

وعليه، يصبح من الواجب على المعنيين بالأمر أن يقرأوا الوقائع بواقعية كبيرة وبميزان العقل لا بميزان هوبرات الذباب الألكتروني أو تحليلات المحللين  الذين تنشرها بروباغندا المحاور المختلفة على شاشات التلفزة ،والذين لا يقومون بغير تسميع الدروس الهزلية التي حُفّظت لهم سلفاً والمستندة على قراءة خاطئة لقدرة ما تم مراكمته من “فائض قوة” أو “فائض حقد” في السنوات الماضية الأخيرة، والتي سمحت به تعقيدات الصراع في كامل المنطقة منذ بدأ ما يُسمى الربيع العربي، هذه التسمية التلطيفية للمشروع الأساس ،ألا وهو الشرق الأوسط الجديد المبني على تطبيع العلاقات مع إسرائيل ودفن القضية الفلسطينية الأساس إلى الأبد مع ما يتبع ذللك من تغير في الخريطة الجيو-بوليتكية للمنطقة.

من له عقل هادئ عليه أن يقرأ بروية ويستنتج ما يجب إستنتاجه من التالي:

– قرار روسيا بإضعاف الوجود الإيراني في سوريا حتى إخراجها منها هي وجميع أذرعها هناك وتحديداً حزب الله. وما السكوت الروسي، كي لا أقول التنسيق من تحت الطاولة وحتى المشاركة بشكل أو بآخر ، على الغارات الإسرائيلية وحتى الأميركية أو مجهولة المصدر على المواقع الإيرانية هناك ومواقع ميليشياتها إلا دليل على ذلك.

– العمل بقوة لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في القمة العربية التي ستجري بعد حوالي شهرين من الآن، وإعادة الدول العربية وتحديداً الخليجية منها إلى سوريا كخطوة أولى نحو دفع دمشق للدخول في محور التطبيع الذي سيكون هو واجهة السياسة العامة للمنطقة في السنوات القادمة.  من يتذكر عملية تبادل الإسيرين السوريين قبل أسابيع قليلة مع الإسرائيليين التي دخلت سوريا بالغلط..!!

هاتان العودتان لهما أثمان سيدفعها الجميع ويستفيد منها الجميع.

سورياً قد يكون المطلوب وقبل كل شيء هو إخراج إيران وحلفائها منها ،وتحديداً من المناطق القريبة من الحدود مع الكيان الصهيوني الغاصب في الجولان السوري المحتل ،مقابل كسر الحصار والعقوبات الأمريكية على سوريا من خلال مدها بمساعدات مالية وغذائية عاجلة وكبيرة من دول الخليج كثمن لهذا الأمر وكتعويض منهم على ما ألحقوا بسوريا من دمار نتيجة مشاركتهم في الحرب عليها من خلال المنظمات الإرهابية التي أوجدوها أو صدروها إليها.

كما أني وشخصياً أخشى أن يكون هناك جائزة ترضية أخرى لسوريا بهذا الإطار، ألا وهي إعادة تلزيم لبنان لها لتسيّر أموره التي أثبت اللبنانيون إنهم عاجزون عن تسييرها وحدهم منذ خروجها، أي سوريا، منه!!، فهل سنعود لنرى رستم غزالة آخر في عنجر و جامع جامع آخر في شارع الحمراء؟!!!

– العمل على إضعاف الدور الإيراني في المنطقة بشكل عام بعد إخراج إيران من سوريا والحد من نفوذها في لبنان، وما إستبدال إيران بقطر في الإجتماع الثلاثي الأخير في تركيا إلا مؤشر صغير على ذلك، وذلك تمهيداً لحصر نفوذها في الداخل الإيراني فقط وهذا ما يسهل على إسرائيل لاحقاً عملية ضرب قوتها العسكرية والنووية إن وجدت وإعادتها إلى حجمها الطبيعي.

ومن يراهن على إدارة بايدن وإعادة التفاوض على الإتفاق النووي معها الآن ليقول أن هذا غير وارد ،عليه ألا ينسى أن من يقرر السياسة الإمريكية في كل العالم وليس في المنطقة فقط هي دولة الظل في الدولة العميقة التي تقودها الصناعات الحربية ولوبي المال وأجهزة المخابرات وليس هذه الإدارة أو تلك ،ولا ينسين أحد قط أن الإنتخابات الأميركية تجري كل أربع سنوات ويتم فيها تغيير الإدارة تبعاً لمصالح هذه الدولة العميقة، أربع سنوات قد لا تذكر في حساب الوقت حين يتم التخطيط لهكذا مشاريع تغير وجه العالم.

– حتى الآن،  يبدو أن هدف الإدارة الأمريكية الحالية هو داخلي بالدرجة الأولى لتحسين وضعها الإقتصادي بالتوازي مع محاربة فيروس كورونا، وبدرجة أقل تركيز الصراع مع الصين بشقيه السياسي والإقتصادي، وعليه ربما ترى روسيا أن هذه فرصتها الآن لتعزيز دورها ومصالحها في المنطقة لحماية مصالحها أولاً ولحماية أي موقع ستتخذه في إطار الصراع الأمريكي الصيني ثانياً.

ثلاثة مؤشرات قد تدل على صحة هذا الكلام علينا النظر فيها بترو لنرى إتجاه الأمور في الأيام والأسابيع القادمة:

1- تشكيل الحكومة اللبنانية،  فإن تم هذا خلال أيام قليلة بعد عودة وفد حزب الله من روسيا، فمعنى ذلك أنهم قد أقنعوا حزب الله برأيهم بتبريد الساحة اللبنانية بإنتظار السير في المشروع الأكبر الذي أشرت إليه أعلاه بإعادة تموضعهم بالداخل اللبناني والإنسحاب التدريجي من سوريا بإنتظار عودتها إليه، أي لبنان، فيضمنون إنهم سيكونون شريكها الأقوى في عملية إدارته لسنوات كثيرة قادمة ويشاركونها ما سينتج عن ذلك من أرباح مادية ومعنوية كبدل عن دورهم في حماية النظام السوري ومنعه من السقوط.

أما إذا كان جواب حزب الله عدم تسهيل هذه المهمة، وهذا ما سيفعله بإعتقادي، فإننا مقبلون على فترة ستكون جداً عاصفة وساخنة وأولى مؤشراتها المناورات العسكرية الإسرائيلية التي ستبدأ قريباً وتمتد لشهرين أو أكثر للتدرب على إجتياح بري واسع للبنان والبقاء فيه لوقت طويل بعد تدمير قوة حزب الله العسكرية، وهذا هو الهدف المعلن للمناورات وليس كلاماً من عندياتي فيفهمه كثر كأن هذا ما أريد ،خاصة في هذا الزمن الذي قلّت فيه القراءة بعقل لصالح إنفعال الغرائز وبناء المواقف من هذا الكلام أو ذاك أو من هذا شخص أو مجموعة الأشخاص  تلك تبعاً لذلك.

2- الإنتخابات السورية بعد شهرين، فإن عاد الأسد بمباركة كل الدول فهذا معناه موافقته على ما هو مطلوب منه لتنفيذ الجزء المرسوم له ولسوريا في هذا المخطط، ولمن يراهن على عدم قبول الأسد بذلك أقول إن أموال العرب ومساعداتهم هي أكثر إغراء له من المبالغ الدولارية التي يؤمنها حزب الله له.

أما إذا تم تأجيل هذه الإنتخابات الرئاسية فمعنى ذلك أن الطبخة الروسية للمنطقة بحاجة لوقت أطول فوق النار التي لن تسلم سوريا منها إيضاً حين تبدأ في لبنان صيفاً بعد إنتهاء المناورات الإسرائيلية المشار إليها أعلاه.

3- الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران، فإن عاد إلى الحكم التيار المسمى إصلاحي، وأنا شخصياً لم أرْ له أي إنجاز إصلاحي منذ وصوله إلى الحكم منذ سنوات حتى الآن وكيف لا والذي يتحكم بمفاصل البلاد دولة الولي الفقيه والتيار الديني العميقة المحمية بقوة الحرس الثوري وهي نفس الحالة التي يحاول حزب الله إستنساخها للبنان بحمايته للدولة العميقة فيه مع فارق إنه لدينا فيه أكثر من ولي غير فقيه على الإطلاق وأكثر من تيار ديني، فمعنى ذلك أن الأمور ستستمر بإطار الكباش الناعم والضربات الخفيفة حتى ولو تحت الحزام هنا وهناك وستبقى المنطقة تراوح في حالة الإنتظار حتى يمل طرف قبل الأخر، فإما ينسحب ولو قليلاً لتسيير الأمور أو يقلب الطاولة على الجميع من منطلق علي وعلى أعدائي وعندها ستعود داعش وتعود حرب سوريا وتمتد إلى لبنان وسيعلو الصراخ في كل أرجاء المنطقة.

أما إذا وصل مرشح الحرس الثوري، فمعنى ذلك أن المنطقة مقبلة على مرحلة أكثر تعقيدا مما سبق وسمتها الاساسية العنف المتبادل!

قد يبدو هذا الكلام  للبعض خياليا ومجرد هلوسات، لكن في السياسة ومصالح الدول والصراع في ما بينها على هذه المصالح  أو الإتفاق عليها لا شيء مستحيل أو غير قابل للتصديق أو التطبيق، وإن الغد لناظره قريب…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى