دولياتسياسة

ما هي معايير العقوبات في ظل القوانين الدولية المرعية (د.خضر ياسين)

 

بقلم د.خضر ياسين *

بعد نشأة منظمة الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥، شكلت العقوبات الإقتصادية المفروضة ضد الدول إحدى المواضيع التي اتخذت حيّزآ هاما على صعيد العلاقات الدولية في عهد التنظيم الدولي الحديث.

وتشكل الجزاءات الاقتصادية أهم التدابير غير العسكرية التي تفرض من قبل الدول بشكل منفرد، أو من خلال المنظمات الإقليمية والدولية، ضد دولة أو أكثر، وهذه الجزاءات تتخذ عدة صور وتتعدد المصطلحات التي تشير إليها، كالمقاطعة الاقتصادية او الحظر الاقتصادي، وتتضمن عادة حظر توريد أو استيراد مواد حيوية للاقتصاد الوطني للدولة المستهدفة بها، وفرض حظر على قطاعي الطاقة والمواصلات بمختلف وسائلها، كمنع بيعها قطع الغيار التي تحتاجها لأسطولها البحري أو الجوي أو منع بيعها تقنيات متطورة لقطاع الاتصالات.

 مؤخرا طالت العقوبات الاقتصادية أشخاصآ طبيعيين ومعنويين في العديد من الدول كإيران وسوريا ولبنان.لذلك يطرح السؤال التالي: هل يوجد قواعد قانونية دولية تنص على هذه العقوبات؟ وهل يحق للدول أن تقوم بفرضها ضد دول أخرى خارج إطار منظمة الأمم المتحدة؟

بعد الحرب العالمية الأولى وتوقيع معاهدة فرساي عام ١٩١٩ ورد في المادة ١٦ من عهد عصبة الأمم أنه “في حال لجأت إحدى دول عصبة الأمم الى الحرب خلافا لالتزاماتها، تلتزم الدول الأعضاء بقطع علاقاتها التجارية والمالية ومنع الاتصالات بين مواطني دولهم والدولة التي فرضت عليها العقوبات”. وفي هذا السياق تعرضت إيطاليا بسبب غزوها أثيوبيا عام ١٩٣٥ لعقوبات إقتصادية كمنع إستيراد البضائع الإيطالية ،وفرض حظر على التعاملات المالية معها ومنع تصدير المواد الأولية التي تدخل في التصنيع الحربي.

وفي ما يتعلق بميثاق الأمم المتحدة لعام ١٩٤٥ نجد أنه يسمح باتخاذ جزاءات ضد الدول الأعضاء التي تخالف الالتزامات الواردة فيه. ومع أن الميثاق لم يستخدم بصريح العبارة لفظة عقوبة أو جزاء، إلا أنه يمكننا أن نستنتج الحالات التي تشكل جزاءات ضد الدول من مواد الميثاق ذاته، ومنها:

-جزاء الفصل او الطرد من منظمة الأمم المتحدة الوارد في المادة ٦ من الميثاق، تتخذه الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الامن بشأن العضو الذي ينتهك مبادئ الميثاق، كمنع استخدام القوة ومنع العدوان والإخلال بالسلم الدولي واحترام حقوق الانسان وغيرها.

-جزاء الوقف او الحرمان من حقوق العضوية ومزاياها، ونصت عليه المادة ٥ من الميثاق ،حيث يحق للجمعية العامة للأمم المتحدة إيقاف أي عضو عن ممارسة حقوق العضوية ومزاياها اذا كان مجلس الأمن قد اتخذ تجاهه عملا من أعمال المنع او القمع.

من جهة ثانية ورد في الفصل السابع من الميثاق عبارة (التدابير) التي لا تتطلب استخدام القوة، ومما ورد في المادة ٤١ من الميثاق أنه “لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله ان يطلب الى أعضاء الامم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف العلاقات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات ،وقفا جزئيا أو كليا، وكذلك قطع العلاقات الدبلوماسية”.وعليه يتبين أن المرجعية القانونية المختصة لفرض الجزاءات الاقتصادية ضد الدول هو مجلس الأمن، وعندما يقوم بذلك ضد إحدى الدول فيجب أن تأتي هذه العقوبات في صدد ممارسته لسلطته الميثاقية بمواجهة انتهاك مصلحة يحميها القانون الدولي، كتهديد السلم والأمن الدوليين او عملا من اعمال العدوان.

وهناك العديد من الحالات والأمثلة التي لجأ فيها مجلس الامن الى فرض عقوبات إقتصادية استنادا الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ،نذكر منها جنوب أفريقيا، العراق، كوريا الشمالية وغيرها…أما في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الدول ضد دولة معينة، فإنها تندرج ضمن إطار الضغوطات أو الإكراهات الاقتصادية، التي لا تقل خطورة على كيان الدولة المستهدفة عن العدوان المسلح، لأنه نتيجة التطور الذي طرأ على صعيد القانون الدولي لناحية تحريم اللجوء الى استخدام القوة المسلحة كإحدى وسائل الهيمنة على الساحة الدولية، أصبحت الدول تعتمد على آليات ووسائل جديدة في علاقاتها الدولية لفرض إرادتها ونفوذها ،ومنها بشكل أساسي العقوبات الاقتصادية.

وفي هذا الاطار نشير الى أن الميثاق في المادة ٥١ منه يسمح للدول بأن تستخدم القوة المسلحة ضد دولة معينة في حال اعتدت عليها، وهذا ما يعرف في القانون الدولي بمبدأ الدفاع المشروع عن النفس الذي له قواعد واصول تنظم حق استخدامه، وفي هذه الحالة لا يعتبر عمل الدولة التي تدافع عن نفسها بأنه عمل غير مشروع، بالمقابل لا يوجد في الميثاق أي قاعدة تجيز للدول فرض عقوبات إقتصادية ضد الدول الأخرى، حيث تصبح أي عقوبة متخذة بشكل فردي من قبل دولة ما، خارج إطار ميثاق الأمم المتحدة وخلافا للقواعد المرسومة، مخالفة للميثاق، لأنه يجب ان تكون هذه العقوبات المتخذة من الدول ضد دولة معينة، غير مستقلة عن العقوبات التي يقررها مجلس الأمن تجاه هذه الدولة(طبعا في حال كان المجلس قد اتخذ ضدها عقوبات إقتصادية)،وبالتالي يجب ان تأتي عقوبات الدول في سياق تنفيذ قرار مجلس الأمن، لأن المادة ٢٥ من الميثاق تنص أيضا على تعهد الدول بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها،وإلا تعتبر تدابير أحادية مستقلة ولا تستند إلى أي مسوّغ قانوني دولي.

 فالجمعية العامة للأمم المتحدة أكدت أن القوانين الوطنية تنحصر آثارها في الحدود الأقليمية للبلد الذي أصدر التشريع، إذ دعت جميع الدول في القرار رقم ٦/٦٥ تاريخ ٢٠١٠/١٠/٢٦ الى الإمتناع عن إصدار وتطبيق قوانين وأنظمة تتجاوز حدودها وتمس آثارها سيادة دول أخرى ومصالح مشروعة لكيانات أو أشخاص خاضعين لولايتها القضائية.كما اعتبرت الجمعية العامة في قرارها رقم ٢١٧/٦٥ تاريخ ٢٠١٠/١٢/٢١ أن التدابير والتشريعات القسرية المتخذة من جانب واحد منافية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الامم المتحدة والمعايير والمبادئ التي تحكم العلاقات السلمية بين الدول، وهي تدين مواصلة بعض الدول تطبيق تدابير قسرية متخذة من جانب واحد وترفض استخدام تلك التدابير بكل ما لها من آثار تتجاوز الحدود الاقليمية كأدوات للضغط السياسي أو الإقتصادي على أي بلد.

إن العقوبات الإقتصادية التي تفرض ضد دولة معينة، بشكل مستقل عن قرارات مجلس الأمن، هي تدابير إنفرادية أحادية الجانب غير مشروعة وتتعارض مع أحكام القانون الدولي، ولا يوجد وسائل قانونية دولية فعّالة أو قابلة للتطبيق من أجل إجبار الدول التي اتخذتها على إلغائها، كذلك لا يوجد آليات قانونية دولية للطعن بهذه التدابير التي تعكس منطق القوة السائد في النظام الدولي الحديث.

  • أستاذ في القانون الدولي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى