قانون قيصر وتداعياته على لبنان
أقر الكونغرس الأميركي مجموعة من العقوبات الإقتصادية ضد النظام في الدولة السورية وعلى بعض الافراد والشركات ضمن قانون أطلق عليه تسمية قانون قيصر الذي دخل حيّز التطبيق بتاريخ ٢٠٢٠/٦/١٧، فما هو هذا القانون وما هي تداعياته الاقتصادية على الدولتين السورية واللبنانية؟
في العام 2017 تم تمرير القانون في مجلس النواب الأميركي لأول مرة، لكنه لم يمر عند عرضه على مجلس الشيوخ، لأن إقرار القانون في النظام الدستوري الأميركي يحتاج الى موافقة المجلسين عليه، وفي العام ذاته (2018) فشل المشروع أيضاً بالمرور في مجلس الشيوخ.هذا الواقع دفع بالجهات المعارضة للنظام في سوريا الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية نحو تفعيل الجهد لإقرار مشروع القانون المذكور، حيث تم العمل على إيجاد حل بربط القانون بموازنة وزارة الدفاع، وليس التصويت عليه بشكل إفرادي، كون الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ متفقين على تمرير ميزانية وزارة الدفاع، فأقره مجلس الشيوخ في ١٧ كانون الأول ٢٠١٩ إلى أن وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العشرين من الشهر نفسه، ليتحوّل الموقف السياسي الأميركي من النظام السوري إلى قانون، دخل حيّز التطبيق في ١٧ من شهر حزيران المنصرم.
من الناحية القانونية، فإن قانون قيصر الموقع من الرئيس الأميركي لا يعتبر نصآ قانونيآ دوليآ أمميآ ملزمآ، بل هو نص قانوني محلي أي على مستوى الدولة الأميركية ولكن آثاره تمتد الى خارج حدود الدولة، ووفقآ للغاية منه وحسبما ورد في مضمونه فإنه يهدف بالدرجة الأولى الى حماية المدنيين السوريين ويتضمن عقوبات على النظام في الدولة السورية وعلى الأفراد والشركات كالبنك المركزي السوري والشركات النفطية وشركات التشييد والبناء وعلى البلدان المجاورة التي توفر الدعم الإقتصادي للدولة السورية، إذ يتضّمن عقوبات أيضاً على كافة الأفراد والشركات، كالمهندسين مثلآ و شركات التشييد والبناء التي تتعامل مع الدولة السورية وهذا يندرج بالتحديد من ضمن إعادة الاعمار لما لتلك الشركات أهمية وخبرات في هذا المجال.
هذا من حيث المفهوم والطبيعة القانونية، أما الشق الذي يقل أهمية فهو يتعلق بتوقيت صدور القانون وتداعياته على الدول المعنية فيه بشكل مباشر وغير مباشر.لقد جاء القانون في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة إقتصادية-اجتماعية خطيرة لم يشهد لها مثيل من قبل، الى جانب إنخفاض حاد لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، ما يجعل الاقتصاد بحاجة الى دعائم مالية مهمة من الممكن ان توفرها عملية إعادة الاعمار في سوريا في ظل تداخل المصالح المشتركة بين الدولتين، لأن الانظار اليوم وخاصة أمام مشهد شبه انتهاء الحرب في سوريا المستمرة منذ العام ٢٠١١، تتجه نحو عملية إعادة إعمار سوريا، حيث تقول التقديرات الأممية بأن تكلفة إعادة الإعمار في سوريا قد تصل الى حوالي ٢٥٠ مليار دولار أميركي، وليس هناك من شك بأن الإدارة السورية سوف تمنح مهمة إعادة الإعمار إلى حلفائها في المنطقة والعالم كإيران وروسيا والصين ومن الطبيعي لقسم من اللبنانيين.
ووفقآ للأرقام يبلغ مجمل نشاط التبادل التجاري بين لبنان وسوريا حوالي ٦٠٠مليون دولار أميركي، فعلى سبيل المثال فإنه وفقآ لأرقام إدارة الجمارك اللبنانية بلغ حجم التجارة الخاصة بين لبنان وسوريا في العام ٢٠١٩ نحو ٩٢ مليون دولار للاستيراد ونحو ١٩٠ مليون دولار للتصدير، أي أن نسبة الصادرات اللبنانية الى سوريا تفوق ضعفي ما يستورده لبنان منها.وبالتالي لا شك أن تداعيات قانون قيصر على لبنان ستكون سلبية لأنه يستهدف عزل لبنان اقتصاديآ من خلال حظر النشاط الاقتصادي مع سوريا، عبر فرض عقوبات على الجهات اللبنانية التي قد توفر دعمآ من حيث المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا، كذلك عبر قطع العلاقات التجارية والمالية بين الشركات السورية واللبنانية، بالإضافة الى أنه يمكن أن يؤدي قانون قيصر إلى تجميد عقود استجرار الطاقة الكهربائية من سوريا التي وُقّعت منذ ثلاثة عقود مما سيؤثر على واقع القطاع الكهربائي في لبنان.كل ذلك يدفعنا للقول أن قانون قيصر سوف يؤدي الى وقف التعاملات المالية والاقتصادية والاستثمارية اللبنانية في الدولة السورية ما ينعكس على الواقع الاقتصادي اللبناني المتجه نحو المزيد من التدهور.