قالت الصحف :مخاوف أمنية وسط الجمود الحكومي قد تزيد الوضع تعقيدا
الحوار نيوز – خاص
وسط الجمود الحاصل على مستوى تشكيل الحكومة الجديدة أبرزت الصحف الصادرة اليوم المخاوف الناجمة عن احتمالات أحداث أمنية واغتيالات قد تزيد الوضع تعقيدا على مختلف المستويات.
• كتبت "النهار" تقول:يكفي ان تمر ذكرى الشهر الرابع على انفجار مرفأ بيروت غداة انعقاد مؤتمر الدعم الدولي الثاني للشعب اللبناني وفي ظل ما أدى اليه الانفجار من تفاقم مخيف في تداعيات كل الازمات الخطيرة التي تسحق اللبنانيين حتى يفهم سر "هطول" مجموعة مواقف دولية بارزة للغاية من الوضع في لبنان، بدت اقرب الى دق مزيد من أجراس الإنذار حيال واقعه ومستقبله القريب والبعيد. ذلك ان مجمل التحذيرات الجديدة التي جاءت في الساعات الأخيرة على السنة مسؤولين دوليين اتسمت بدلالات بالغة الأهمية، بل والخطورة ليس لما تضمنته فقط من مضامين تؤكد تعاظم مخاوف الدول الداعمة والمانحة للبنان من مزيد من انزلاقه نحو مهالك اقتصادية ومالية واجتماعية قاتلة، وانما أيضا تعكس مدى الخيبة الخارجية الضخمة من السلطة الحاكمة والقوى السياسية اللبنانية بما ينذر بمضاعفات وشيكة شديدة السلبية على واقع الدولة اللبنانية برمته خارجيا. ولعل أسوأ ما واكب ذكرى مرور أربعة اشهر على انفجار المرفأ وتدفق المواقف الخارجية المتصلة بلبنان عقب مؤتمر الدعم الدولي الثاني للشعب اللبناني ان المشهد السياسي الداخلي اتجه نحو غيبوبة مخيفة في ما يتعلق بمسار تأليف الحكومة يخشى ان تستغرق مدة غير قصيرة في ظل الخطورة التي رتبتها الرسالة السلبية المتعمدة التي اطلقتها رئاسة الجمهورية اول من امس عبر تحويل اجتماع مجلس الدفاع الأعلى بمثابة جلسة ضمنية لمجلس الوزراء على ما تنطوي عليه هذه المناورة من انتهاك ضمني للأصول الدستورية. وقد جاءت هذه الخطوة لتكشف، وفق مصادر معنية، المدى العميق والخطير للقطيعة التي باتت تتحكم بمسار تأليف الحكومة، اذ بدا قصر بعبدا كأنه أراد استفزاز رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والتلويح بامتلاك رئيس الجمهورية ميشال عون "بديله" الظرفي من تأليف حكومة يصر الحريري على ان تأتي مطابقة الى اقصى الحدود الممكنة لمعايير المبادرة الفرنسية. وأكدت المصادر ان الانسداد الحاصل في مسار التأليف والسابق لانعقاد مؤتمر الدعم الدولي الثاني للشعب اللبناني، كان يفترض ان يبدأ تبديده من خلال اطلاق جولة جهود جديدة ومشاورات عاجلة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف كاستجابة فورية للمواقف الدولية المتصاعدة بكثافة وقوة استثنائيتين والضاغطة لتأليف الحكومة الجديدة كممر لا بديل منه لتوفير الدعم الأكبر للبنان في ازمته المالية والاقتصادية. ولكن شيئا من هذا لم يحصل بعد يومين من انعقاد المؤتمر ومشاركة الرئيس عون فيه شخصيا فيما بدأ كلام يتصاعد عن ترجيح مرور وقت طويل بعد قبل امكان اختراق الازمة ، كما بات من المشكوك فيه بقوة ان تؤلف الحكومة العتيدة قبل الزيارة الثالثة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان هذه السنة والتي يرجح تحديد موعدها النهائي في الأسبوع الأخير من كانون الأول الحالي. ولفتت المصادر المعنية نفسها الى ان اندفاع بعبدا الى التلويح ببديلها، ولو انه اُسلوب محكوم بالفشل خصوصا ان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب رفض أي توريط له في خطوة غير قانونية وغير دستورية، كشف رهان الفريق الرئاسي على تحميل الحريري تبعة تأخير الحكومة فيما أسباب التعطيل كلها قائمة في الموقف الرئاسي وربما يراهن الان على دفع الحريري الى الاعتذار بعدما بلغه ان الأخير ليس في وارد التراجع ولا الاعتذار اطلاقا. وفيما لا تزال سياسة الصمت تحكم موقف الرئيس المكلف وأوساطه مضت الأوساط التي تدور في فلك بعبدا في رمي كرة التأخير في مرماه فذهبت الى القول ان لا حكومة قبل العشرين من كانون الثاني بسبب فيتو أميركي على مشاركة حزب الله في الحكومة وان الحريري لن يقدم على تشكيلة تحرجه مع الثنائي الشيعي او تؤدي الى فرض عقوبات أميركية. وتوقعت استمرار الجمود في عملية التاليف الى حين امكان تمرير حكومة بشروط توافقية وذكرت بان لا اتصالات بين عون والحريري منذ اكثر من أسبوعين وان عون دعا الحريري آنذاك الى تقديم تشكيلة حكومية كاملة.
مواقف لافتة
في غضون ذلك اكتسبت مجموعة المواقف الدولية والخارجية الجديدة من الوضع في لبنان دلالات مهمة للغاية خصوصا انها تزامنت مع مرور أربعة اشهر على انفجار مرفأ بيروت . وفي خطوة نادرة جديدة للديبلوماسية الفرنسية حيال لبنان بمغزاها ومضمونها وجه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان رسالة مباشرة الى الاغتراب اللبناني في فرنسا وأوروبا اكد فيها "دعم فرنسا الكامل للبنان في هذه المرحلة الصعبة التي يقف فيها لبنان على مشارف الانهيار" على حد تعبيره . ودعا لودريان المغتربين اللبنانيين الى الاستمرار في القيام بدورهم الحيوي ودعم وطنهم من خلال ارسال المساعدات الى الشعب اللبناني عبر منصتين مخصصتين لدعم لبنان من قبل الأمم المتحدة والمؤسسة الفرنسية للدعم بالشراكة مع وكالة التنمية الفرنسية. وجاءت رسالة لودريان ردا على خطاب مشترك ارسل الى الخارجية الفرنسية من مجلس رجال الاعمال اللبنانيين في فرنسا ومجلس التنفيذيين اللبنانيين ومجلس الاغتراب اللبناني في بلجيكا .
وفي سياق لا يختلف عن الموقف الفرنسي اتسمت المواقف التي اطلقها وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط جيمس كليفرلي منهيا زيارته لبيروت بنبرة تحذيرية شديدة اذ دعا المسؤولين اللبنانيين "الى التحرك الآن لإنقاذ لبنان من كارثة اقتصادية شاملة ". وإذ علمت "النهار" ان الوزير البريطاني لم يخف امام بعض المسؤولين تحذيرهم من مجاعة في لبنان حض في تصريحه الختامي امس على تنفيذ إصلاحات عاجلة "لمنع البلاد من الانزلاق اكثر في الازمة الاقتصادية " مشددا على الحاجة الى الإسراع في تشكيل حكومة جديدة . كما ان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش ربط بشكل مباشر بين الإصلاحات وتشكيل الحكومة والدعم الدولي لافتا الى ان مؤتمر الدعم الدولي ذكر مرة أخرى قادة لبنان بضرورة التنفيذ الفعال للإصلاحات.
الدعم والاحتياطي
الى ذلك يعقد اجتماع موسع في السرايا برئاسة الرئيس دياب وحضور وزراء وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لبت موضوع الدعم على المواد الأساسية وموضوع الاحتياط الإلزامي. وفي هذا السياق كان موقف بارز لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع شدد فيه على ان الاحتياط الإلزامي ليس ملكا لمصرف لبنان ومن غير المقبول والمنطقي ان يمس به تحت أي حجة . واعلن ان كتلة الجمهورية القوية تحضر اقتراح قانون معجل مكرر للمحافظة على الاحتياط الإلزامي . وطالب الحكومة باستصدار بطاقات تموينية عاجلة بالتعاون مع البنك الدولي للعائلات الأكثر فقرا مما يقلص جدا الأموال التي تهدر على ما يسمى بالدعم.
• وكتبت "الاخبار" تقول:مفاوضات تأليف الحكومة مُتوقّفة. رئيس الحكومة المُكلّف ينتظر "كلمة السرّ" الخارجية حتّى يُقدّم تشكيلته، وإلا فلن "يُخاطر" بخسارة منصب رئاسة الحكومة. تصرفات سعد الحريري تنمّ عن لامبالاة تجاه الانهيار الذي يُصيب البلد، وواجب تأليف حكومة تتخذ قرارات تحمي الفئات الشعبية. واللوم يقع أيضاً على حسّان دياب، مع اختلاف درجة المسؤولية، الذي تتطلب منه "حالة الطوارئ" العامة أن يُفعّل حكومة تصريف الأعمال 19 يوماً مضت على آخر زيارة قام بها الرئيس المُكلّف تأليف الحكومة، سعد الحريري، لقصر بعبدا، قبل أن يمنح المسؤولون في البلد أنفسهم "عطلة الثلج". مفاوضات التأليف مُتوقفة بطريقة توحي وكأنّ "المُستقبل" أمامهم ولهم، بما يسمح لهم بالتراخي في بتّ مسألة حسّاسة وأساسية لمحاولة فرملة الانهيار. سعد الحريري لم يعد يستعجل تأليف الحكومة، بعدما كان يُراهن على أن لا تستغرق التسمية والتشكيل أكثر من أيام قليلة. يتذرّع المُقرّبون منه بأنّ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان هذا الشهر "ستتضمّن طروحات جديدة". في ذلك، أولاً، تفاؤل مُبالغ به أن تحمل زيارة ماكرون مفتاح الحلّ، فيما "الفيتو" الحقيقي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية والسعودية والإمارات؛ وثانياً، "اعتراف" بأنّ العقدة خارجية ولا تُحلّ إلا بتدخّل القوى الغربية. فالحريري يُحاول بشكل دائم الفصل بين عدم القدرة على تأليف الحكومة والضغوط الإقليمية ــــ الدولية، وتصويرها مُجرّد خلاف بين "أولاد الحيّ" حول كيفية توزيع لاعبي كرة القدم في الفريق المحلّي. كلام المُقربّين منه ينفي ذلك، معطوفاً على التهديدات والمواقف العلنية التي يُطلقها المسؤولون الأميركيون والسعوديون، إضافة إلى الأداء الإماراتي، بأنّ أي حكومة تضمّ ممثلين عن حزب الله ــــ بشكل مباشر أو غير مباشر ــــ ستؤدّي إلى انهيار لبنان على رؤوس كلّ سكّانه. فهذه القوى التي كانت تُصوّر نفسها على أنّها "راعية وصديقة" لبنان، باتت تستخدم شعبه ومؤسساته "رهينة" عدائها مع حزب الله، حتى تُجبره على التنازل. والتنازل في عُرفهم لا يعني "كفّ شرّهم" عن البلد، بل "الطمع" أكثر فأكثر وفرض المزيد من الشروط واستمرار عملية الابتزاز حتى تأمين مصالحهم وأمن "إسرائيل" في المنطقة. بالإضافة إلى أنّ من السذاجة الاعتقاد والتسويق أنّ دولةً ضعيفة مثل الدولة اللبنانية، منزوعة السلطة والسيادة، ستتمكّن من إنتاج حكومة جديدة بطريقة "مُستقلة" ومعزولة عن التطورات الإقليمية والدولية.
لا شيء يمنع الحريري من تقديم تشكيلة حكومية إلى رئيس الجمهورية إلّا إدراكه أنّ تأليف الحكومة اللبنانية مضبوط على إيقاع الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، التي تُمضي أسابيعها الأخيرة في الحُكم، لكنها تتصرّف كما لو أنّها في الفصل الأول من ولايتها. تصعيد ضدّ إيران والصين، تهديدات عسكرية، تسريع في توقيع اتفاقيات الشراكة الإسرائيلية ــــ الخليجية، التحضير لانقلابات جديدة في أميركا اللاتينية… ولبنان لا يغيب عن هذه "الأجندة العدائية". فليس صحيحاً أنّه "هامشي" بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، وأهميته تكمن فقط في كونه جزءاً من الملفّ الأكبر المُسمّى "تطويع إيران"، فواشنطن باتت تتعامل مع حزب الله كقوّة قائمة بذاتها، تعاظمت قدراتها القتالية بما بات يُشكّل قلقاً وجودياً لـ"إسرائيل
في السياق ذاته، تندرج ضغوط السعودية والإمارات، رُعاة الحريري (السابقون)، على لبنان. فهزيمة حزب الله هي أولوية هذه الدول. وفي طريقهم نحو "تحقيق" هدفهم، لا يُمانع السعوديون والإماراتيون إنزال العقاب الأقسى بحقّ اللبنانيين. ارتفعت حدّة المعركة، بعد توقيع اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والبحرين و"إسرائيل"، بمُباركة السعودية.
في مواجهة المشهد الإقليمي والدولي الخطير، يمرّ لبنان بواحدة من أسوأ أزماته المالية والنقدية، "قُدّر" له أن يخوضها بحكومة مُستقيلة حتى من ممارسة تصريف الأعمال بمعناه الضيّق، ورئيس حكومة مُكلّف يخاف اتخاذ أي قرار لا غطاء دولياً له، و"حزب مصرف" يُريد السطو على ما تبقّى من ممتلكات الدولة بعدما سرق أموال المودعين وراكم أرباحاً طائلة من الأموال العامة، وتُجار ومُحتكرين يستغلّون الأزمة ليبنوا فوقها قصورهم، وشعب بات أكثر من نصفه تحت خطّ الفقر ويُهدَّد اليوم بوقف الدعم عن السلع الرئيسية من دون إيجاد بديل. القوى الفاعلة في البلد غير مُتفقة على أي ملفّ. خلافاتها تحول دون البحث في حلول عملية للخروج من الأزمة، بل حتى هي غير قادرة على البحث في كيفية التخفيف من حدّة الانهيار، وإنقاذ الشعب، ولا سيّما الطبقات الاجتماعية التي لم تعد قادرة على الصمود.
ما الذي يُريده سعد الحريري؟ يُريد أن يبقى رئيس حكومة مُكلّفاً بانتظار "التعليمة" التي تسمح له بتقديم تشكيلته. قبل ذلك، لن يُقدم على أي خطوة "من شأنها أن تُبعده عن السرايا الحكومية"، على ما يقوله مُطّلعون على موقفه. يغيب عن بال الحريري أنّ رئاسة الحكومة ليست وظيفة لإتمام الصفقات وجني الأموال، بل "مسؤولية"، ومن يسعى إليها يقع عليه واجب المُبادرة وطرح حلول وتذليل العقد الداخلية الموجودة، لتمتين الجبهة المحلية، وفرضها على الولايات المتحدة والسعودية والإمارات. ولكن إذا كان الحريري يُصرّ على النأي بنفسه، فلا يُمكن إغفال أنّه في السرايا الحكومية لا يزال هناك "رئيس حكومة".
يخاف دياب أن يؤدي به أي قرار خارج "تصنيف الأعمال" إلى السجن من دون أن يُدافع عنه أحد حالة الطوارئ المالية والصحية في البلد تستوجب السؤال عن سبب عدم مُبادرة حسّان دياب إلى تفعيل عمل حكومته وتوسيع مهمات تصريف الأعمال بهدف أساسي وهو تخفيف وطأة الأزمة. فالتمسّك بـ"تصريف الأعمال ضمن النطاق الضيّق" في مثل الوضع اللبناني، يعني تسريع الانهيار. يُنقل عن دياب تبريره بأن "لا أحد يدعمني"، وأيّ قرار يتخذه خارج مفهوم "تصريف الأعمال" قد يؤدّي به إلى السجن "من دون أن يُدافع عنه أحد". كما أنّ دياب "مهجوس" دائماً من الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، "وديعة" سعد الحريري في السرايا، الذي يتصرّف كما لو أنّه "الدستور"، يُحدّد ما القرارات المُمكن اتخاذها، وتلك التي "تُعارض" تصريف الأعمال.
يُراهن الحريري على أن تحمل زيارة ماكرون للبنان هذا الشهر طروحات جديدة ولكن على الرغم من "الطعنات" التي تعرّض لها دياب من "بيت أبيه"، وإجبار حكومته على الاستقالة على القاعدة أنّ "البديل جاهز"، وكلّ الأمور التي قد يذكرها ويكون مُحقّاً بها، إلا أن ذلك لا يُعفيه من تحمّل مسؤوليته. كما أنّ القوى التي كانت جُزءاً من حكومة دياب، وخاصة تلك التي عملت على إسقاطه وتحويله إلى "كبش فداء" المرحلة السابقة، مُطالبة بالتخفيف من وقع أخطائها السابقة عبر تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، وصولاً إلى عقد اجتماعات تتخذ فيها قرارات مصيرية، ككيفية استمرار الدعم الموجّه إلى الطبقات الفقيرة، وإقرار استراتيجية الحماية الاجتماعية لرعايتها، وتوفير الخدمات الرئيسية لها… خلاف ذلك، لا ينفع انتظار تسلّم جو بايدن الرئاسة الأميركية، ولا التعويل على انفتاح أميركي ــــ إيراني. الانتظار يعني رهن البلد والمواطنين على طاولة القمار، لأنّ أصل العودة إلى العمل بالتفاهم النووي غير مضمونة. الاجتماع الذي دعا دياب إليه الوزراء المعنيين بمسألة الدعم، يوم الاثنين المقبل، قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح… شرط ألا يكون يتيماً.
• وكتبت "نداء الوطن" تقول:أنا حزين على الناس كيف بدها بكرا تشتري الدوا"… بخاطر مكسور وصوت متهدّج يعبّر رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي عن خيبة أمله من نتيجة اجتماعه أمس مع ممثلي البنك الدولي، مؤكداً لـ"نداء الوطن" أنه وصل إلى "قناعة" بعد الاجتماع بأنّ "المجتمع الدولي لن يساعدنا بقرش واحد لا في الدواء ولا في غيره إذا لم تتشكل الحكومة ولم تنجز الإصلاحات المطلوبة". وبينما أبواب قصر بعبدا لا تزال موصدة في وجه تأليف حكومة المهمة الإصلاحية، ولا يبدو في أفق السلطة أي معالم رأفة بحال العباد والبلاد، تشي كل مؤشرات انعدام الحس بالمسؤولية أنّ المنظومة الحاكمة تقود اللبنانيين مخفورين لملاقاة مصير مأسوي محتوم لم يعد يفصلهم عنه أكثر من شهر بحسب المعطيات المتصلة بالفترة الزمنية الفاصلة عن تجفيف منابع الدعم من دون إيجاد بدائل واعتماد خطوات إصلاحية تتيح تأمين جرعات دعم خارجية للخزينة.
فبحلول نهاية العام أو مطلع العام الجديد على أبعد تقدير، سيلفظ الدعم أنفاسه الأخيرة وسيُفتقد الدواء المدعوم من الصيدليات ليسود حينها "الكيّ" بفاتورة الأدوية المدولرة التي سيدفع ثمنها المواطن من صحته وربما حياته. واقع مشؤوم لا يخفي عراجي حتمية بلوغه خلال فترة قصيرة في حال لم يتم اعتماد إجراءات سريعة لإبقاء الدعم ولو بشكل بسيط ومحدد أقله على أدوية الأمراض المزمنة الضرورية وإلا "رايحين على فوضى اجتماعية كبيرة، لأنّ الأسعار سترتفع 5 أضعاف والمؤسسات الضامنة ستنهار".
وإذ يؤكد مصدر وزاري انعقاد اللجنة الوزارية الثلثاء المقبل في السراي الحكومي لاتخاذ قرار بشأن ملف الدواء، يقول عراجي: "انتظرنا طويلاً جداً اللجنة الوزارية ولكنها لم تخرج بأي قرار، فقررت كرئيس لجنة صحة برلمانية أن أتحرك وتحركت، فعقدنا اجتماعاً (أمس) مع ممثلين عن البنك الدولي في بيروت على رأسهم مدير دائرة المشرق ساروج كومار جا وأجرينا مباحثات عبر "الفيديو كونفرنس" مع ممثلي البنك الدولي في الخارج لبحث إمكانية دعم الدواء في لبنان وفصل ملفه عن باقي الملفات المرتبطة بالإصلاحات، لكنّ البنك الدولي رفض ولم يقبل بأي استثناء، وكان جوابه واضحاً بعدم تقديم أي مساعدة للبنان من دون حكومة وإصلاحات فورية"، لافتاً إلى أنه "حتى في مسألة المطالبة بدفع المبلغ المخصص للبنان والبالغ 246 مليون دولار لمساعدة العائلات الفقيرة المقدرة بنحو 120 ألف عائلة، شدد البنك الدولي على أنها تحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء وبالتالي لن يكون ذلك متاحاً قبل تشكيل الحكومة الجديدة". وختم متأسفاً: "الحقيقة وضعنا صار محزناً جداً وإن لم نصل إلى حل خلال شهر فإننا متجهون بلا شك نحو مشكلة كبيرة".
وعلى ضفة طرح الحلول والبدائل المتاحة، برز أمس الإعلان عن تحضير تكتل "الجمهورية القوية" اقتراح قانون معجلاً مكرراً للمحافظة على الاحتياط الإلزامي، مقروناً بالطلب من حكومة تصريف الأعمال استصدار بطاقات تموينية للعائلات الأكثر فقراً بدل الاستمرار في هدر مئات ملايين الدولارات دعماً لمواد يتم تهريبها إلى سوريا ويستفيد منها كبار التجار والمستوردين. وحول آلية التنفيذ المقترحة، يكشف نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني لـ"نداء الوطن" (ص 17) عن بديل أطلق عليه تسمية "Digital Wallet" لتوفير الدعم المباشر للمواطن بتمويلٍ غالبيته من الخارج، موضحاً أنّ المساعدات المطلوبة في هذا المجال تقدّر بملياري دولار والأموال يمكن أن توزع من خلال محفظة الدعم الرقمية "بشكل عادل على نحو 500 ألف عائلة وقد يصل الرقم الى 800 ألف في المدى المتوسط".
في المقابل، وعلى إيقاع تسارع العد العكسي للحظة الانفجار الاجتماعي، تتسارع خطوات السلطة باتجاه تحضير العدة الأمنية لقمع أي اهتزاز شعبي على أرضية حكمها. وبدل أن تعمد إلى محاولة فكفكة فتائل الانفجار وتعطيل صواعقه الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية، بادرت خلال الساعات الأخيرة إلى التهويل بسيناريوات "بوليسية" تسعى من ورائها إلى ترهيب المواطنين عبر استثارة المخاوف من "بعبع" الاغتيالات المتربص بالأمن والاستقرار في البلاد، وفق ما وصفت مصادر موثوق بها الأجواء التي أشاعها المجلس الأعلى للدفاع أمس الأول في قصر بعبدا والحديث عن تحذيرات أمنية من خطر تنفيذ عمليات اغتيال في لبنان.
وكشفت المصادر لـ"نداء الوطن" أنه بنتيجة مراجعة مرجع أمني كبير خلال الساعات الأخيرة عن الموضوع، اكتفى بالتأكيد جازماً أنه لا توجد أي "قصقوصة ورق" أو أي تقرير يُعتد بجديته لدى الأجهزة الأمنية يشير إلى التحضير لعمليات اغتيال على الأراضي اللبنانية، بينما المخاوف الأمنية الاعتيادية المرتبطة بتحركات بعض "الخلايا النائمة" يتم التعامل معها بجهوزية عالية وتواصل الأجهزة العسكرية والأمنية عمليات رصدها وتفكيكها وتوقيف أعضائها كما حصل في الآونة الأخيرة في عدد من المناطق.
• وكتبت "الجمهورية" تقول:تعقيدات الملف الحكومي المقفل، وما يوازيها من قلقٍ مجتمعي شامل صار وشيكاً، تُضاف إليها خيبة المجتمع الدولي من طبقة حاكمة تمعن في التدمير الشامل للبلد وأهله، تَصوغ سؤالاً صريحاً ومباشراً: أيّ لغة يفهمها المتحكّمون ليوقِفوا انفصالهم عن الواقع، ويدركوا أنّ وقت البلد يوشك أن ينفد وينتهي، وبلوغ نقطة الزوال النهائي بات يُقاس بالأيام؟
منذ 17 تشرين الاول 2019 وحتى اليوم، لم تبقَ لغة على وجه الأرض الّا واستُخدمت لِنَهي الطبقة الحاكمة عن سياسة التدمير، وللتحذير من المصير المشؤوم الذي ينتظر لبنان؛ فيما طبقة الحكّام مصابة بالطرش وفقدان كلّ حواس الإدراك والفهم والحياء والإحساس والشعور بالمسؤوليّة، فلا نفعت معها لغة الجائعين التي صَدحت على امتداد لبنان من أدناه الى أقصاه في 17 تشرين الاول 2019 وما تلاه، ولا نفعت لغة الأزمة الاقتصادية والمالية وإفلاس الدولة، في إجراء تعديل ولو طفيف في سياسة نَهش البلد، ولا نفعت لغة الكارثة العظمى في مرفأ بيروت في إشعار الحكّام بهولها، ولا نفعت كلّ لغات المجتمع الدولي في تغيير سلوكهم المقيت، ولا نفعت اللغة الفرنسيّة في جَلب هؤلاء إلى بيت طاعة البلد لإنقاذه، عبر المعبر الذي فتحته أمامهم مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فأيّ أملٍ يُرجى مع هؤلاء الحكام؟
بالتأكيد، أنّ الأمل مفقود بالكامل، مع انكار الطبقة الحاكمة لواقع البلد الأسود والمرير، ولحقيقة أنّ اللبنانيّين باتوا وكأنّهم يعيشون الفصل الأخير من حياتهم، بعدما خسروا كل شيء، لم يبق امامهم سوى انتظار مراسم دفن الفتات المتبقي من مدخراتهم إلى جانب طموحاتهم واحلامهم.
ثمة اجماع لدى الشريحة الكبرى من اللبنانيين بأنّهم محكومون لتماسيح سياسية غير عابئة بالغضب الشعبي العارم؛ عيونها مفتوحة فقط على نهش المكاسب والأرباح، ومغمضة عن وضع بلد "صار بالويل" على حدّ تعبير الرئيس نبيه بري، يُحتضَر بين "توسّل الخلاص وتسوّل اللقمة"، وتتحكّم فيه غرف سوداء تحريضية في كل اتجاه، ونكايات انتقامية وعقلية ثأرية تطيح الأساسيات في استعراضات إعلاميّة متواصلة على حافة الهاوية.
ضغوط بلا نتائج
كل ذلك يتمظهر بأبشع صوره على حلبة الحكومة، العالقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، من دون أن تبرز أيّ مؤشّرات الى إمكان تلاقيهما، او تراجع اي منهما عن شروطه المرفوضة من قِبل الآخر، وذلك على الرغم من الحركة الدولية الضاغطة في اتجاه توليد الحكومة، أكان من الجانب الفرنسي، حيث استنفد الرئيس ماكرون محاولات متتالية لتحقيق هذا الهدف، وكذلك من الجانب البريطاني الذي اقترنت دعوته الى التعجيل بالحكومة، بتحذير من "تسونامي" خطير قد يجرف لبنان خلال اشهر قليلة، وايضاً من الجانب الاميركي الذي يؤكّد على حاجة لبنان الى حكومة اصلاح وانقاذ لمكافحة الفساد المستشري فيه. والديبلوماسية الاميركية، بحسب معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، كانت صريحة جداً امام بعض المسؤولين في سخريتها من مبادرة بعض الفرقاء اللبنانيّين الى الهروب من مسؤوليّتهم في تعطيل تشكيل الحكومة، وتعليق فشلهم ومماطلاتهم على العامل الخارجي غير الموجود.
وبحسب المعلومات، انّ الكلام الديبلوماسي الاميركي، يتقاطع مع تأكيد ديبلوماسيّين أوروبيّين على "رفض ذريعة التعطيل الخارجيّة، خصوصاً وانّ سبب التعطيل معروف، ويؤكّد ذلك علناً مسؤولون لبنانيّون، يعتبرون انّ تعثر تشكيل الحكومة سببه خلافات حول امور سطحية وشكلية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري".
وتلفت المعلومات، الى انّ النبرة الديبلوماسية ارتفعت في الساعات الماضية، حيث تبلّغ احد كبار المسؤولين كلاماً يحمل تحذيراً جدّياً من انّ "الاستمرار في تعطيل الحكومة، على النحو اللامسؤول الذي يُظهره المعنيّون بملف التأليف، ليس معناه فقط تأخير المساعدات للبنان، بل عدم التردّد في اتخاذ اجراءات بالغة الشدة بحق المعطلين، قد تصل الى فرض عقوبات قاسية عليهم".
واللافت للانتباه في الأجواء الديبلوماسية، انّ الحديث عن عقوبات اوروبية محتملة، يتزامن مع ما كشفه سفير دولة غربية كبرى، عن انّ دفعة العقوبات الاميركية الجديدة بحق العديد من الشخصيّات اللبنانيّة السياسيّة وغير السياسيّة، صارت على وشك ان تصدر، والمسألة باتت مسألة ايام قليلة.
ماكرون قبل الميلاد
في هذا الوقت، رجّحت مصادر ديبلوماسية من باريس، ان يزور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان قبل عيد الميلاد. ولفتت المصادر، الى انّ ماكرون اجرى تعديلاً في جدول زيارته التي كانت محصورة أصلاً بزيارة الوحدة الفرنسية، بحيث ستشمل لقاءات مع مسؤولين لبنانيين، مع احتمال عقد طاولة قصر الصنوبر من جديد، ومن دون أن تستبعد قيامه بجولة تفقدية جديدة للمنطقة التي حلّت فيها الكارثة جراء انفجار مرفأ بيروت.
التعطيل يستحضر التوبيخ!
واكّدت المصادر، "أنّ ماكرون الذي أكّد في كلمته في المؤتمر، حضوره الى لبنان للضغط على المسؤولين اللبنانيين للتعجيل في تشكيل الحكومة واعتماد خريطة الطريق التي حدّدها في المبادرة الفرنسية، لا يعني في كلامه ان يؤجّل القادة في لبنان تشكيل الحكومة الى ما بعد زيارته، بل على العكس، هو يؤكّد على الحاجة الملحّة والتأليف الآني للحكومة، بحيث تأتي زيارته للتهنئة والشدّ على ايدي القادة اللبنانيين باعتماد طريق الإنقاذ والإصلاح عبر حكومة المهمّة وبرنامجها الاصلاحي، الذي سيفتح بالتأكيد باب المساعدات للبنان، بدل أن تأتي زيارته في جو تعطيلي، تتلقى فيه الطبقة السياسية في لبنان مزيداً من التوبيخ والتأنيب".
لودريان
الى ذلك، وجّه وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان رسالة الى الاغتراب اللبناني، أكّد فيها "دعم فرنسا الكامل للبنان في هذه المرحلة الصعبة والتي يقف فيها لبنان على مشارف الانهيار".
ودعا المغتربين اللبنانيين الى "الاستمرار في القيام بدورهم الحيوي"، وحثهم على "دعم وطنهم من خلال إرسال المساعدات للشعب اللبناني عبر منصّتين مخصّصتين لدعم لبنان من قِبل الامم المتحدة والمؤسسة الفرنسية للدعم بالشراكة مع وكالة التنمية الفرنسية".
وتأتي هذه الرسالة من وزير الخارجية الفرنسية رداً على الخطاب المشترك الذي أُرسل الى الخارجية الفرنسية من قِبل مجلس رجال الاعمال اللبنانيين في فرنسا (HALFA) ومجلس التنفيذيين اللبنانيين (LEC) والمجلس الاغترابي اللبناني في بلجيكا، حيث أكّد أنّ "فرنسا لم تتأخّر يوماً بالوقوف الى جانب لبنان وخصوصاً بعد انفجار الرابع من آب، من خلال مواقفها وتقديمها مساعدات فورية على مختلف الأصعدة ومع المتابعة السياسية المستمرة".
وفي معرض رسالته، شدّد لودريان على حتمية التزام الطبقة السياسية بإجراء الإصلاحات اللازمة ومحاربة الفساد. وأكّد في الختام وقوف فرنسا الدائم الى جانب الشعب اللبناني.
نصيحة
الى ذلك، كشفت مصادر معنيّة بملف التأليف لـ"الجمهورية"، عن نصيحة فرنسيّة متجددة، أُبلغت الى بعض المستويات السياسية، غداة انعقاد مؤتمر الدعم من أجل لبنان، تؤكّد على استفادة القادة اللبنانيين من زخم مؤتمر الدعم، واعادة تحريك ملف التأليف جديًّا، بما يكسر حلقة التعقيدات القائمة فيه.
بالتوازي، تحدثت مصادر عليمة ببعض المشاورات الجارية في الكواليس الدولية الى "الجمهورية"، عن إشارات توحي الى امكان نجاح بعض المحاولات الجارية من اجل تفكيك بعض العِقَد الحكومية في الايام القليلة المقبلة، والتي يمكن ان تفتح الطريق بما يؤدي الى حلحلة ما مطلع الاسبوع المقبل.
ورفضت هذه المصادر اعطاء اي توصيف لهذه الإشارات، التي قالت انّها "إيجابية"، والتي لم يتلقفها او يتبناها اي مصدر لا في قصر بعبدا، الذي ينتظر إشارة ما من جانب الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ولا في بيت الوسط، الذي يحتفظ بالصمت المطبق.
تقنية الفيديو
وسألت "الجمهورية" مسؤولاً كبيراً حول النصيحة، فقال: الفرنسيون سبقونا بمسافات زمنية في حرصهم على بلدنا، بالتأكيد هم يطلبون منّا ما هو واجب بديهي يفترض ان نقوم به تلقائياً، ولكن مع الأسف، المعنيون بتأليف الحكومة يضيعون البلد من اجل تسمية وزير او الظفر بوزارة. قال لنا الاوروبيون، ومعهم حق: "إحترنا معكم، انتم اللبنانيون متخلفون، تنتحرون مجاناً وبلا ثمن، وننصحكم لإنقاذ انفسكم لكنكم مصرّون على ان تفتشوا على ابشع طريقة يمكن ان يفكّر فيها العقل البشري للوصول الى انتحار جماعي لكل اللبنانيين".
اضاف: "بناء على التجربة مع كل النصائح والتحذيرات وتفشيلها في الغرف السوداء، لست متفائلاً على الاطلاق، خصوصاً انه لو كانت هناك ارادة جدية في تأليف الحكومة لَما حصل هذا الإنقطاع المريب في التواصل بين عون والحريري، ولَما كان خلافهما على امور أقل من سطحية وشكلية."
وقيل للمسؤول المذكور: ربما يكونان خائفين من كورونا. فردّ ممازحاً: الرئيس ماكرون جَمع 40 مسؤولاً دولياً في مؤتمر لدعم لبنان عبر تقنية الفيديو، واذا كانا خائفين من كورونا، يستطيعان ان يلتقيا عبر تقنية الفيديو بين القصر الجمهوري وبيت الوسط، لكن ما نفع اللقاءات المباشرة او عبر تقنية الفيديو طالما انه لا توجد ارادة للتأليف حتى الآن.
وسئل: هل هناك مِن معطّلي الحكومة مَن ينتظر بدء ولاية الادارة الاميركية الجديدة؟ فأجاب: إنشالله يبقى البلد من الآن وحتى يتسلّم جو بايدن!
ورداً على سؤال حول المطالبات بتعويم حكومة تصريف الاعمال، قال: عندما كانت هذه الحكومة بكامل صلاحياتها كانت عنواناً للتخبّط والفشل في كل المجالات، فكيف الآن وهي في حال تصريف اعمال؟ ومن يطالب بتعويمها فليكلّف نفسه ويقرأ الدستور.
هرطقة
وحول تعويم حكومة تصريف الاعمال، وكذلك حول المطالبة بتوسيع مساحة تصريف الاعمال، قال قطب نيابي خبير في الدستور والقانون لـ"الجمهورية": "هذا أسطع دليل على عدم وجود إرادة لتأليف الحكومة. وهذا إن دلّ على شيء فعلى استخفافٍ بالدستور، فكل هذه المطالبات اقلّ ما يقال فيها انها هرطقة سياسية ودستورية، فلا سبيل الى تعويم الحكومة المستقيلة على الاطلاق، وكذلك الامر بالنسبة الى توسيع مساحة تصريف الاعمال. مع الاسف هناك من يَستسهِل الكلام، حتى لا نقول لا يعرف صاحب هذا الكلام ما يقوله، ويفترِض انّ الدستور يعدّل او يُطبَّق وفق الرغبات والتمنيات، فالدستور واضح بأنّ الحكومة المستقيلة مقيّدة بتصريف اعمال ضمن الاطار الضيّق، وبالتالي لا تستطيع حتى أن تجتمع، ولا أن تتّخذ قراراً حول ايّ أمر، ولا ان تبادر الى أيّ أمر، وكل ما يقال حول تعويمها او توسيع صلاحياتها، ليس اكثر من تخريف دستوري وهروب الى الامام".
المجلس الاعلى لم يتجاوز صلاحياته
وتعليقاً على المعلومات التي ترددت في الساعات القليلة الماضية، قالت مصادر وزارية مطلعة على اجواء رئيس الجمهورية انّ الحديث عن تجاوز المجلس الاعلى للدفاع صلاحياته ليس في محله على الإطلاق.
ولفتت هذه المصادر، عبر "الجمهورية"، الى انّ مَن نَسج هذه الرواية قد فاته انّ البلاد تعيش في ظل التعبئة العامة منذ 4 اشهر تقريباً تلت انفجار المرفأ، وانّ تداعيات النكبة التي حلت ببيروت وما تركته من ترددات أضيفت الى الازمة النقدية والاجتماعية وجائحة كورونا تفرض تدابير استثنائية، ولذلك لم يخرج المجلس الاعلى عن صلاحياته.
ولفتت هذه المصادر الى انّ الضغوط التي يتعرض لها اللبنانيون انعكست على العمل الحكومي، ولا بد من ان تواجه الوضع القائم في البلاد وتحمل وزر معاناة المواطنين الذين يواجهون المصاعب على اكثر من مستوى وفي اكثر من قطاع. وعليه، هل يمكن ان يبقى الوزراء متفرّجين على ما يجري من دون اي حراك؟
إشارات مُقلقة
وفي موازاة التعطيل الحكومي المتعمّد، تبرز مجموعة إشارات تبعث على القلق:
الاشارة الاولى، ما كشف النقاب عنه في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع حول وجود مخاطر من اعمال امنية واغتيالات. وفي هذا السياق، قال مرجع امني كبير لـ"الجمهورية": انّ المعلومات الامنية المتوافرة لدى الأجهزة الامنية هي في منتهى الخطورة، وفرضت اتخاذ إجراءات احترازية على اكثر من مستوى، وقد جرى إبلاغ بعض الشخصيات بضرورة اتخاذ اقصى درجات الحيطة والحذر.
ورفض المرجع الامني تحديد اسماء الشخصيات التي ابلغت بتشديد اجراءاتها الامنية، واكتفى بالقول: الوضع في منتهى الدقة والحساسية، ولبنان ما يزال في عين العاصفة الارهابية، حيث هناك معلومات عن تحضيرات تجري من قبل بعض الخلايا الارهابيّة لضرب استقرار لبنان وإدخاله في اتون الفوضى، والاجهزة الامنية على اختلافها في حال من الجهوزية الكاملة لتَدارُك اي طارىء.
يُذكر في هذا السياق، انّ إجراءات امنية مشددة بدأت تلاحَظ في بعض المناطق الخاضعة لنفوذ "حزب الله"، وتحديداً في العديد من شوارع الضاحية الجنوبية.
– الإشارة الثانية، تَجلّت في ما كشفه مرجع سياسي مسؤول لـ"الجمهورية" من أنّ لبنان، بوَضعه الراهن، لن يستطيع الصمود والبقاء لمدة شهر على الاكثر. واذا كان هناك من يحذّر من النموذج الفنزويلي، فإنه سيغيّر موقفه ليحذّر العالم من النموذج اللبناني في السوء الذي بَلغه، فقد وصلنا الى الحضيض، والفوضى الاجتماعية الشاملة صارت على الابواب.
– الاشارة الثالثة، تجلّت في مخاوف ديبلوماسيّة وأمميّة أبدِيَت على مستقبل مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، واحتمال وقفها نهائياً، خصوصاً انّ احدى الشخصيات الاممية عبّرت صراحة عن تشاؤمها حيال إمكان استئناف المفاوضات في المدى المنظور، مشيرة الى انّ التباعد بين موقفي الجانبين اللبناني والاسرائيلي قد دفعَ، كخطوة اولى، الى تعليقها الى اجل غير مسمّى.
– الاشارة الرابعة، تجلّت في مخاوف ديبلوماسية غربيّة وأمميّة من تطورات أمنيّة على الجبهة الجنوبيّة، تنذر بذلك حالة الجهوزية على جانبي الحدود، ربطاً بما يُحكى عن ردّ إيراني على اغتيال العالم النووي الايراني محسن فخري زادة. حيث تحدث "تقرير دولي" عن "أنّ هناك خطراً جدياً يلوح في الأفق"، وحذّر من أي "خطوات او إجراءات قد تُشعِل توترات على الحدود بين لبنان واسرائيل قد تنسف حال الاستقرار القائم حالياً على الحدود". وتخوّف من "أن يكون لـ"حزب الله" دور في هذا الأمر".
القضاء على المستقبل
وعلى المستوى المالي والاقتصادي، إختتم الاسبوع كما بدأ، من دون بروز أي معطيات جديدة تسمح بالقول انّ الأزمات المتراكمة، وآخرها وأخطرها أزمة الدعم والاحتياطي الالزامي، تمضي نحو الحلحلة. بل إنّ العكس قد يكون صحيحاً، لأنّ المشلكة ازدادت تعقيداً، بعدما تبيّن انّ كل الاطراف تسعى الى الحياد السلبي حيال هذا الملف. وحتى اللجان النيابية التي خصّصت جلسة لبحث هذا الموضوع، انتهت الى لا شيء، وأعادت الكرة الى ملعب حكومة تصريف الاعمال، التي كانت عاجزة يوم كانت قائمة وفي عزّ عطائها، فكم بالحري اليوم وهي بالكاد قادرة على تصريف الاعمال؟
وسيتم افتتاح الاسبوع المقبل بالتركيز على ملف الدعم والاحتياطي، بعدما قرر المجلس المركزي في مصرف لبنان أن يحيّد نفسه، وأن يطلب من السلطة التنفيذية أن تتحمّل مسؤوليتها في اتخاذ القرار المناسب.
وفي هذا الاطار، يمكن تلخيص الأزمة بالنقاط التالية:
أولاً – لا يستطيع مصرف لبنان ان يقرر منفرداً الانفاق من الاحتياطي الالزامي.
ثانياً – ليس من صلاحية مجلس النواب ان يتدخل لاقتراح حلّ للمعضلة. وفي الاساس، وبصَرف النظر عن الصلاحيات، التي يمكن إيجاد مخرج لها، لا توجد رغبة نيابية في التورّط في هذا الملف الذي سيخرج منه كل مَن يقاربه مُثخناً بالجراح.
ثالثاً – النقمة القائمة على أسلوب الدعم توحي باستحالة الاستمرار بهذا النهج.
رابعاً – الفوضى القائمة لا توحي بإمكانية النجاح في مشروع الخروج بلوائح موحدة للاشخاص الذين ينبغي ان يشملهم الدعم في حال تمّ اتخاذ قرار بالدعم المباشر عبر بطاقات تموينية أو تمويلية. وليس مستبعداً ان يتحول مشروع مماثل الى تنفيعات وتقاسم حصص لتنفيع الأزلام، بدلاً من دعم من يحتاج الدعم.
خامساً – يحاول البعض التهويل من خلال نظرية الخيار بين موت الفقراء جوعاً، أو الانفاق من ودائع الاثرياء. هذه المعادلة غير واقعية، وتهدف الى التعمية واستسهال الاستمرار في الفوضى والتشبيح، وصولاً الى قعر البئر في المستقبل القريب.
في ظل هذه المعطيات، واذا كان المثل الشعبي القائل "مَن شَبّ على شيء شابَ عليه" دقيقاً، فإننا سنشهد من قبل المنظومة السياسية الحاكمة تراخياً وهروباً من القرار، وسيتواصَل صرف أموال الناس، وصولاً الى الكارثة الكبرى. ويبدو أنّ من قضى على حاضر اللبنانيين يخطّط للقضاء على مستقبلهم أيضاً.