قالت الصحف: شارع تائه وسلطة مكابرة
الحوارنيوز – خاص
عنونت صحيفة "النهار":" عون يشعل الانتفاضة … فهل يعتذر الحريري؟ وكتبت تقول: انتظر اللبنانيون المقابلة المتلفزة مع رئيس الجمهورية ميشال عون علها تحمل مبادرة ايجابية أو أكثر، لكنهم صدموا بكلام غير مشجع لا حكومياً ولا اقتصادياً، بل تأكد لهم ان السلطة لا تزال بعيدة تماماً من الاستماع الى مطالب الناس وتلبيتها، وليست مستعدة للتنازل عن بعض المكاسب السلطوية والنفعية. وقد فشل رئيس الجمهورية مرة أخرى في استيعاب انتفاضة الغضب، وبدا من غير قصد كأنه يدفع الشارع الى تصادم لا تحمد عقباه، اذ تحدث عن صدام لبناني – لبناني عوض أني علن عن اجراءات فورية لامتصاص نقمة الناس، والاسراع في تأليف حكومة "نظيفة" تعمل على توفير الحلول للخروج من الازمة التي باتت مستفحلة. بدا كذلك ان انزلاق البلد الى اماكن غير مستحبة يقع على عاتق السلطة وليس على الحراك السلمي المستمر منذ 27 يوماً، ما يرفع منسوب التحدي، ويدفع الرئيس سعد الحريري للتوجه الى الاعتذار بعدما انتظر ايجابيات في كلام الرئيس يمكن ان تؤسس لقيام حكومة تقوم بالاصلاحات وترضي الشوارع المختلفة.
وكان الاتجاه لدى رئيس حكومة تصريف الاعمال الى الاعتذار يتنامى في اليومين الاخيرين، لاقتناعه بأن حكومة تكنو- سياسية، تضم وجوهاً غير مقبولة لدى الشارع المنتفض، لن تتمكن من العمل والانقاذ في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة على كل الصعد، بل انها يمكن ان تسقط مجدداً تحت وطأة الحراك، كذلك لاقتناعه بان التسهيلات التي ينقلها اليه أكثر من طرف لا تتفق وكلام السيد حسن نصرالله أولاً. وقد انتظر الحريري ثانيا، ما سيدلي به رئيس الجمهورية في مقابلته المتلفزة مساء ليبني على الشيء مقتضاه، وقد اكد الرئيس رفضه اقتراح الحريري اي حكومة التكنوقراط "لانها لا يمكن ان تحدد سياسة البلد"، بل يجب ان تكون "تكنو-سياسية"، وفضل عون الفصل بين النيابة والوزارة في الحكومة المرتقبة.
وبدت رئاسة الجمهورية أمس، كأنها تسابق الوقت في الهروب الى الامام، وفي خوض معركة الدفاع عن النفس، اذ شاءت دوائر القصر ان تحاكي المجتمعين الدولي والعربي، وكذلك الشارع في يوم واحد، فالتقى الرئيس عون المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش مع سفراء الدول الأعضاء في "مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان"، ثم السفراء العرب، قبل ان يطل مساء في مقابلة لم يقدم فيها جديداً، بل حاول "تحجيم" الانتفاضة بتكوينها، واعدادها، وشعاراتها، وقدرتها على التغيير. وأعاد التذكير بمشاريعه التي لم تتحقق متهما القضاء بالتقصير والسلطة السياسية بعدم الاستجابة وقال: "أنا مكبل بالتناقضات في الحكم وفي المجتمع". واعتبر ان "التدخل السياسي هو أول سبب لفساد القضاء، وقد طلبت اعتماد الكفاءة والنزاهة في التعيينات وقلت للقضاة، انا السقف الفولاذي الذي يغطيكم". واتهم الرئيس الحريري بـ "التردد". وقال: "لست أنا من يحدّد عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة… الاستشارات النيابية تحدد تكليفه من عدمه".
من جهة أخرى، نسف الرئيس عون المبادرة الفرنسية قبل ان تبدأ، اذ وصل امس الى بيروت رئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو، وهو اذا لم يكن يحمل مبادرة واضحة كما تفيد مصادر "النهار" بل مجرد استطلاع يرفع بعده تقريراً الى رؤسائه المهتمين بمتابعة الوضع اللبناني والحث على الاسراع في تأليف حكومة جديدة تحظى برضى اللبنانيين أولاً، قبل المجتمع والمؤسسات الدولية الحريصة على استقرار لبنان والمستعدة لمساعدته اذا تمكن من الاتفاق على حكومة نظيفة واتخذ الاجراءات الاصلاحية الضرورية، فان التطورات الاخيرة والتي طرأت ليل أمس لن تساعد على الاقل في لقاء المسؤولين اللبنانيين، كذلك هيئات المجتمع المدني ومجموعات الحراك التي تضغط بعضها على البعض لعدم لقائه ورفض كل تدخل خارجي ومحاولات استيعابها كما تدعي.
من جهتها صحيفة الأخبار عنونت لإفتتاحيتها:" فوضى ودماء بمشاركة الجيش… السلطة تكابر وتفاوض بالشارع والغرب يريد التدخل" وكتبت تقول:" تدحرجت كرة النار مساء أمس، بالتزامن مع المقابلة التي أجراها الرئيس ميشال عون مع الزميلين نقولا ناصيف وسامي كليب. أغلقت عشرات الطرقات وشلّت الحركة في البلد، إما نتيجة قطع الطرقات وحرق الإطارات المطاطية أو نتيجة القلق من التوترات المتنقلة. ما زاد من هذا القلق والتوتر، التطور الخطير الذي شهدته منطقة خلدة، حيث أصيب أحد المعتصمين بطلق ناري في الرأس ما ادى إلى وفاته. مطلق النار، مرافق لمسؤول مخابرات الجيش في الشويفات، والأخير محسوب على النائب السابق وليد جنبلاط. فيما الشاب الذي قضى (علاء أبو فخر) أمام أفراد عائلته، كان ناشطاً بارزاً في الحزب "التقدمي الاشتراكي"، وانضمّ أخيراً إلى مجموعات الحراك المدني. إثر الحادثة سارع جنبلاط إلى مستشفى كمال جنبلاط في الشويفات، عاملاً على تهدئة جموع الغاضبين، ومؤكداً على أنه "ما إلنا إلا الدولة، وإذا فقدنا الأمل فيها هناك خطر الفوضى". وأصدرت قيادة الجيش بياناً أشارت فيه إلى أنه "أثناء مرور آلية عسكرية تابعة للجيش في محلة خلدة، صادفت مجموعة من المتظاهرين تقوم بقطع الطريق فحصل تلاسن وتدافع مع العسكريين مما اضطر أحد العناصر إلى إطلاق النار لتفريقهم ما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص. وقد باشرت قيادة الجيش تحقيقاً بالموضوع بعد توقيف العسكري مطلق النار بإشارة القضاء المختص". بيان الجيش الذي استبق التحقيق مبرراً إطلاق النار، زاد من الالتباس بشأن دور قيادة المؤسسة العسكرية. فبعض النقاط التي قطعت بها الطرقات ليل امس كانت عملياً تحت سيطرة الجيش واستخباراته. وللمرة الثانية، يتورط الجيش بإطلاق النار على المحتجين (الاولى في البداوي). وتبدو قيادة الجيش ومديرية المخابرات كمن يشجّع على قطع الطرقات في بعض المناطق، ولا تجيد فتحها إلا بعنف مفرط في مناطق أخرى.
ما جرى في خلدة ساهم في تأجيج مظاهر الغضب، وتوافد المئات إلى ساحات الاعتصام، حيث ركزت الهتافات، للمرة الأولى منذ بداية الانتفاضة، على المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، بعد أن تضمنت مقابلته ما رأى فيه المحتجون استفزازا لهم، ولا سيما قول عون، تعليقاً على فقدان الثقة بالسلطة، "إذا ما في عندهم أوادم يروحوا يهاجروا… ما رح يوصلوا للسلطة". لكن تجدر الإشارة إلى أن قرار قطع الطرق كان متخذاّ منذ ما قبل مقابلة عون، وشارك فيه، خاصة في عدد من شوارع بيروت والطريق الساحلي والبقاع، مناصرون لتيار المستقبل وجنبلاط والقوات اللبنانية بكثافة، إضافة إلى مجموعات تتأثر بقيادة الجيش واستخباراته.
كما تضمنت المقابلة مجموعة من الرسائل التي وصفت من قبل المتظاهرين بالسلبية، لا سيما اعتباره أنهم "يضربون الوطن بالخنجر… بالثورة ما رح نروح". ورأى أن "هناك خروجًا عن العهد الدولي بإغلاق الطرقات لأنهم ضربوا حقوق 4 ملايين ونصف مليون بحرية التنقل، مع العلم أنه كان يمكن استخدام العنف إلا أننا حافظنا على الهدوء، الا أن الصدام بدأ بين المواطنين".
كما حذّر رئيس الجمهورية اللبنانيين من أن "يكونوا سلبيين خصوصاً الذين في الحراك لأن السلبية تؤدي إلى سلبية معاكسة ما يوصل حتماً إلى صدام لبناني لبناني". واتهم عون المتظاهرين بضرب لبنان ومصالحه… إذا أكملوا على المنوال نفسه. وهو إذ قال: فهمنا مشاكلكم ومطالبكم وعنا استعداد نصلح كل شي غلط"، فقد أكد إنهم "إذا بقيوا مكملّين في نكبة.. البلد بيموت حتى لو ما ضربناهم كف".
حكومياً، وبالرغم من أن الرئيس ميشال عون طمأن إلى أن المشاورات النيابية الملزمة صارت مسألة أيام، إلا أنه ربط ذلك بالحصول على أجوبة من المعنيين على النقاط الأخيرة المتبقية بعد تجاوز صعوبات كثيرة. وهو ضرب موعداً مبدئياً الخميس أو الجمعة، لكنه ترك الاحتمالات مفتوحة على مزيد من التأجيل إلى حين تذليل بعض العقبات. الموقف الرئاسي الداعي إلى تشكيل حكومة تكنو – سياسية، والذي يعتبر أن حكومة تكنوقراط صرف لا يمكن أن تحدد سياسة البلد ولا تكون ذات صفة، إنما يعني أن الخلاف لا يزال قائماً على شكل الحكومة ووجهتها. فالرئيس سعد الحريري يتمسك، بالرغم من كل الأجواء الإيجابية التي خرجت في الأيام الماضية، بخيار من اثنين، إما يوافق على ترؤس الحكومة شرط أن يختار هو أعضاءها، ويكونوا من الاختصاصيين، أو يتخلى عن هذه المهمة، فتعمد الأكثرية النيابية إلى اختيار حكومة تكنوسياسية. وإن لم يوضّح الحريري كيف سيتعامل مع حكومة ليس رئيسها، إلا أنه كان لافتاً أنه قبيل انتهاء الحوار المتلفز لرئيس الجمهورية، كانت الطرقات تقفل تباعاً في مناطق محسوبة سياسياً على تيار المستقبل، قبل أن تمتد إلى مناطق عديدة في بيروت وخارجها. وقد فسر البعض ذلك بأنه جولة جديدة من استعمال الحريري وجنبلاط والقوات للشارع في المفاوضات الحكومية، خاصة أن عون لم يترك مجالاً لتأويل موقفه الرافض لحكومة اختصاصيين صرف، وإن لم يمانع عملياً بألا يكون الوزير جبران باسيل عضواً فيها، بإشارته إلى إمكان تأليف حكومة من غير النواب. وفي الوقت عينه، دافع عون عن حق حزب الله بالمشاركة في الحكومة، قائلاً: "لا يمكن أن يفرض عليي استبعاد حزب يشكل ثلث الشعب اللبناني".