بقلم د.أحمد عياش
الخيال والطموح عملان لقوى ذهنية طبيعية، اما الوهم والتوهم فعمل غير طبيعي لقوى ذهنية يحكمها منطق الفرد الملزم باحترام قواعد منطق الجماعة او القوم او المحيط .
ان تأتي من بيئة الفن والتمثيل وان تؤمن فعلاً ان الواقع شبيه لحلقة تلفزيونية او لمسرحية، فذلك لا يحصل الا بإضطراب نفسي في لحظة ما.
قبل اندلاع شرارة التوتر بين كييف وموسكو حرص الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي ان يقدم نفسه كشخصية نيو-ليبرالية تطمح للسوق الحرة وللحرية وللديمقراطية الغربية ،وكشخصية عرفت طريقها نحو التحضر والرقي الغربي. وبعد اندلاع شرارة الحرب صار الرئيس الاوكراني حريصا على ان يقدم نفسه كرئيس مخدوع وكضحية وكرئيس مضطرّ لأن يقاتل دفاعا عن كل الغرب.
جاء فولودومير زيلينسكي ذو ال 44 عاما من بيئة التمثيل كشخصية فكاهية في مسلسل “خادم الشعب”، حيث كان دوره استاذا لمادة التاريخ يوعظ الناس ضد الفساد كمهرج، بعد ان وصل بمحض الصدفة لمنصب رئيس الجمهورية لصالح شركة انتاج يملكها، اسمها “كفرتال 95″(اي المنطقة او الحيّ 95) وتنتج ايضا برامج رسوم متحركة.
الحياة ليست برسوم متحركة ولا برواية فكاهية، إنما هي سلام وحرب.
بثّ “خادم الشعب”من سنة 2015 الى سنة 2019 ،الا ان شركة كفارتال نفسها قامت بتأسيس حزب بإسم المسلسل “خادم الشعب” في آذار 2018 بعد ان دخل البرنامج الفكاهي قلوب الاوكرانيين المشمئزين من السياسيين الفاسدين الذين تعاقبوا على السلطة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وأفول نجم الحزب الشيوعي، وقد فاز بالفعل في انتخابات سنة 2019 بنسبة 73.3 ضد الرئيس بترو بوروشنكو.
الا ان هذا النجاح لم يكن صدفة ابدا،فللرئيس بترو بوروشنكو عدو لدود يكرهه يدعى ايغور كولويمسكي، ذلك الثري الذي استغل نجاحات تسلل الشخصية الاستعراضية للممثل الفكاهي الى اذهان المواطنين ليدعمه ليصل لرئاسة الجمهورية وليحوله لدمية .
ايغور او ايهور كولويمسكي ملياردير قبرصي-اوكراني سياسي -مصرفي سيء السمعة من اصول يهودية كفلودومير زيلينسكي تماما الذي عرضت عليه دولة اسرائيل منحة للتعلم، الا ان والده آثر ان يدرس القانون في كييف.
إذن،ابعاد شخصية الرئيس زيلينسكي استعراضية تفاؤلية فكاهية حلماوية طموحة يختلط فيها الواقع بالخيال، كما تختلط الحقيقة بالوهم ،هذا اذا افترضنا عن حسن نية او عن غباء لا فرق، ان يهوديته ويهودية ممول حملته الانتخابية كولويمسكي لا يمتان بصلة للموساد الاسرائيلي.
وابو شهاب وابو عصام في مسلسل باب الحارة دخلا قلوب السوريين والعرب، وربما لو ترشح سامر المصري لنجح كعضو في مجلس الشعب، انما يستحيل ان ينجح كرئيس للجمهورية، بينما “الأحدعشري” لو دخل سوق الحميدية لاضطر التجار تفتيش جيوب بسام كوسا.
الاعلام قادر ان يبرز اي شخصية.
في سنة 1980 دخلت على صاحبي في بيته فوجدته منغمسا في التفكير فسألته ما به فاذا به يرميني بجريدة الوطن(جريدة قريبة من الحركة الوطنية). تناولتها وقرأت :”قائد جيش جيبوتي يلتقي بنظيره قائد الجيش الاحمر السوفياتي”. هنا عرفت ان بإمكان الواقع الا يكون او الا يعكس الحقيقة، بل ان يصطدم بها،لا يمكن لهذا ان يكون نظير ذاك.
الواقع هنا يعاكس الحقيقة.
يبدو ان الرؤساء الغربيين ابتليوا بشخصية الرئيس زيلينسكي الحلماوية الاستعراضية الذي ظن لبرهة انه فعلا يصنع تاريخا جديدا في واقعه بتحديه لموسكو، لعله يكسب قلوب الجماهير التي لها في مكان ما موقف قومي او تاريخي او ظنّ بتحسين الاحوال المادية المعادية للروس الذين لا يأتون الا بالفقر هم وحلفاؤهم اينما حلّوا، لأن الثراء ماركة هوليووديه غربية.
لن يستيقظ الرئيس زيلينسكي من سكرة التمثيل الا والدماء قد ملأت شوارع كييف. فقلة الممارسة والحنكة السياسية والافراط في التفاؤل كمهرج يعززان فقدان الإتزان النفسي، اذ تجعل منه متهورا. فبدل التقرب من الغرب من دون ازعاج واستفزاز موسكو، كان افضل له ولبلاده من خوض حرب لن يربح فيها احد حتى لو انتصر هو او انتصر بوتين.
حماسة ووطنية وفكاهة شخصية زيلينسكي لا تكفي لدرء الخطر بين عمالقة الأمم والدول الذين تركوه يصارع بواقعه الحلماوي حقيقة نووية الروس.
زيلينسكي ليس بنظير بوتين .
كل حرب دمار ،والخاسر فيها دوما هم الابرياء من كل الشعوب .
نعم لوقف الحرب فوراً!