فلسطين امام مُفاجأتين : حماس 7 تشرين.. والسيسي لدولة فلسطينية منزوعة السلاح (جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز
تردّدتُ في عنونة المقال بين ما ذُكِرْ، وآخر وهو ” فلسطين بين حلول العرب وحلّ المقاومة ” .
تزاحمتْ على فلسطين الحلول ،منذ نكبتها عام ١٩٤٨ وليومنا هذا ، و آخرها مُقترح لحلْ ، ليس بجديد ،ولكن أُعيد طرحه وبشكل رسمي وعلني ، من قبل رئيس جمهورية مصر العربية السيد عبد الفتاح السيسي ، والذي جاء على لسانه في مؤتمر صحفي مشترك مع كل مِنْ رئيس وزراء اسبانيا ورئيس وزراء بلجيكا ، في القاهرة ،يوم الجمعة المصادف ، ٢٠٢٣/١١/٢٤ .
لا أدري ، هل القادة العرب ، ومن ضمنهم طبعاً رئيس السلطة الفلسطينية ، يعتقدون فعلاً بقبول اسرائيل يوماً ما بوجود كيان يحملُ اسم فلسطين على جزء من مساحة ارض فلسطين ؟ لا ادري .. ” رُبكمُ اعلمُ بما في نفوسكم ” .
أكادُ أجزمُ أنْ قرار الامم المتحدة رقم 181، لعام ١٩٤٧ ، والقاضي بتقسيم فلسطين الى دولتيّن عربية ويهوديّة ، والذي وافقت عليه امريكا ،وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت ،ورفضته آنذاك كل من مصر والعراق وسوريّة، هذا القرار لم يصدرْ لغرض التطبيق ، ولو آل الى التنفيذ لما التزمت به اسرائيل !
أرادت الصهيونية ،ومنذ وعد بلفور ، ومنذ تأسيسها ،ان تكون اسرائيل ” دولة يهودية ” . وهذا ما وردَ في قرار الامم المتحدة المذكور اعلاه ، وان تكون دولة توسعيّة بلا حدود ، وهذا ما ورد علناً في تصريحات مؤسسي الكيان . بعد حرب عام ١٩٦٧ ،سُئلَ موشي ديان عن حدود اسرائيل فأجاب ” حيثُ تطأ قدم الجندي الاسرائيلي الارض ،هي حدود اسرائيل ” . (للمزيد عن يهوديّة وحدود اسرائيل و تصريحات قادتها منذ تأسيسها ،انظر مقال الدكتور عدنان منصور ،وزير خارجية لبنان الاسبق ،بعنوان “الهدف الحقيقي لحرب اسرائيل سقط في رمال غزّة ” ،منشور في جريدة الانباء اللبنانية ، بتاريخ ٢٠٢٣/١١/٢٤ ) . https://www.al-binaa.com/archives/388148
العرب وحدهم هم مَنْ بادروا في مشاريع لحلْ القضية الفلسطينية وجميعها رُفضتْ من قبل اسرائيل !
وهذا يعني لي أمران :
الاول ،ليس لاسرائيل ولا لامريكا مصلحة في السلام ، ولا مصلحة في امن و استقرار المنطقة ،ما لمْ تتحقّق اسرائيل الكبرى ! و أنَّ الزمن الذي كشفَ تقهقر وعورات العرب ، مضى لصالح اسرائيل من ستينيات القرن الماضي ،مروراً باتفاقيات اوسلو .. وتوقف الزمن عن هذا المسار حين وُلِدَتْ وترعرعت قوى المقاومة واصبحت محورا فاعلا وطوق حصار واخطار على الكيان المحتل .
الامر الثاني ، وهو صادمْ ،حيث تبيّنَ أنَّ وجود اسرائيل ضرورة لبعض الانظمة العربية . طبعاً لا نقاش في الضرورة القصوى لامريكا وللغرب لوجود وقوة الكيان في قلب الوطن العربي ، ولكن يطول و يتشعّب النقاش ،مصحوباً بمزيد من التعجّب والاستغراب حين نستدلُ بشواهد الواقع السياسي عن حرص بعض العرب على وجود الكيان ! وإلاّ كيف نفسّرُ هرولة البعض للتطبيع والانبطاح في العلن ، والذي خُفي في السّر أسوأ بكثير ، دون ايَّ مقابل من قبل اسرائيل . سلوك بعض العرب للتطبيع والانبطاح وما خُفي هو الذي جعلَ اسرائيل تتنمّر ، هذا البعض من العرب منح اسرائيل اكثر ما تُريد و تتمناه ،لأنّ هذا البعض ،على ما يبدو ،بحاجة الى اسرائيل !
اقتراح الرئيس السيسي ليس وليد اللحظة ،وليس بجديد ،بل يعود الى عام ٢٠١٧ ، و طرحهُ الرئيس محمود عباس على مجموعة من المفكرين والصحفين الذين زاروه في رام الله ، وقال حينها ” انا اوافق على دولة فلسطينية بحدود عام ١٩٦٧ ،منزوعة السلاح ” ، و تجدّدَ طرحهُ عام ٢٠٢٢ ، و رفضته حينها فصائل المقاومة الفلسطينية ،كذلك رفضه نتنياهو . اذاً لماذا يطرحه الآن الرئيس السيسي وبشكل صريح و رسمي ؟
هل يعني ذلك طي صفحة مشروع حّلْ الدولتيّن ؟ وهذا ما تريده وتنتظره اسرائيل طبعاً .
هل يستمرُ بعض العرب بطرح مشاريع للسلام والتسوية يصفها قادة الكيان بأن ” لا تساوي الحبر الذي كُتِبتْ فيه صفحات المشروع ” .
بعد خسارة وهزيمة الكيان الصهيوني في ٧ تشرين ،وهزيمته السياسية والاخلاقية امام الراي العام العالمي ، أليس من الاجدى التأكيد على حّلْ الدولتيّن ، والذي تدعمه الرباعية الدولية و دول العالم ، وهو مقبول فلسطينياً ؟
صمود غزّة امام آلة الاجرام والقتل الصهيونية صنعت النصر ، و اذلّت الغُزاة ،وقبلتْ اسرائيل شروط الهدنة ، والصمود مطلوب ليس فقط في ميدان القتال ،وانما مطلوب ايضاً في المواقف السياسيّة ،فلماذا لا يتعظ العرب من تاريخ حافل لاسرائيل في الكذب و المراوغة و الاحتيال ؟
* رئيس المركز العربي الاوروبي للسياسات وتعزيز
القدرات /بروكسل