بقلم السفير د. جواد الهنداوي *
تمّرُ علينا هذه الايام الذكرى الثالثة والسبعون لنكبة فلسطين، ونعيشها بأجواء مقاومة وانتصار، وشواهد يُحييها جيل اليوم ( فلسطينينو الداخل عام ١٩٤٨) بأحياء تراث آبائه وآجداده في المقاومة والتمسك بالارض الفلسطينية؛ وشواهد اخرى، فواعلها “عرب اسرائيل”، أولئك الذين طبّعوا وتآلفوا مع الكيان الصهيوني، و اعترفوا بوجوده، وكما هو كيان غاصب مُحتلْ مجبول على ارتكاب الجرائم وقتل الابرياء و هدم البيوت واحتلال الاراضي .
ثبتَ الكيان المحتل على نهجه الارهابي وتوسّع وتمددّ جغرافياً، ولم يتغيّر، ولكن الذي تغيّر بعض العرب، هؤلاء البعض اصبحوا ما يسمى ب “عرب اسرائيل “.
يتنافسون على كسب وّدْ اسرائيل تقرّباً الى اصحاب البيت الابيض او الى سدنة الدولة العميقة، وسدنة آل صهيون.
“عرب إسرائيل” يُعادون مَنْ يعادي اسرائيل، ويصطفون الى جانبها. لمْ و لنْ ينتفعْ الكيان المغتصب ( اسرائيل ) مِنْ عرب اسرائيل، ولكنه تضررَ وسيتضرر كثيراً من فلسطينيي الداخل. لم يكْ في حسبان اسرائيل أنْ فلسطينيي الدخل، والذين مضى على وجودهم في البيئة الاسرائيلية منذ ما يقارب سبعين عاما، هم اليوم نواة المعركة ضّدَ اسرائيل. لم تمسّهم الصهيونية برجسها، ولم تُغريهم و تُحيدهم عن جادة الوطنية و الصواب والشروع لصوب الحق، على خلاف عرب اسرائيل، بعضهم دولاً وبعضهم شخوصاً يطبعّون مع اسرائيل، ويطبّلون اليها، بيدَ انها (واقصد اسرائيل ) تتمادى في الغي وتتجرّد من الانسانية والاخلاق والقيم ، يوما بعد يوم. وكلمّا ازدات سوءاً وجُرماً وغياً، لاذ عربها بالصمت، وسارعوا للتقرّب منها، و لربما سّراً، نصحوها في المضي في تصفية حساباتها مع حماس ومع غزّة ومع حزب الله ومع ايران.
عرب إسرائيل صنفوّا رسميا حزب الله اللبناني بانه منظمة ارهابية، وكذا موقفهم شبه الرسمي تجاه حركة حماس والحشد الشعبي في العراق، لانها جهات وحركات حاربت الارهاب و تحارب اسرائيل وضدّ الاحتلال الامريكي في المنطقة.
ليس فلسطينيو الداخل هم عرب اسرائيل، بل المطبعّون، ولوجه امريكا واسرائيل، وليس للسلام وللانسانية وللحق، هم عرب اسرائيل.
فلسطينيو الداخل اصبحوا، الآن، وبعد معركة رمضان او معركة سيف القدس ، قوة سياسية واحتجاجيّة ضاربة في الداخل الفلسطيني، يحسبُ لها العدو الاسرائيلي حساباته.
كما لم يعُدْ مصطلح ” محور المقاومة و محور الاعتدال ” مفهوماً سياسياً صالحاً للاستخدام، ليحلْ محله ” محور فلسطين او محور القدس ومحور اسرائيل “. لم يعُدْ وجود لمنْ او لما هو ما بين الاثنيّن. محور فلسطين لمنْ هو مؤمن بالقضية وبالقدس حقاً سياسياً شرعياً، وبأنَّ اسرائيل كيان غاصب ومحتل توسعّي وعنصري و ارهابي، وعدو لشعوب المنطقة. ومحور اسرائيل، لا محور الاعتدال. وواهم مَنْ يعتقد ان العلاقة مع اسرائيل والتطبيع معها سلام وامن و اعتدال. ولنتخذ من بدعة السلام بين مصر و اسرائيل عِبرة و درسا ونتساءل : كيف وكم كان حجم اسرائيل عام ١٩٧٧، و كيف حال اسرائيل و القدس الآن ؟
كيف وكم توسّعت اسرائيل بعد بُدعة اتفاقيات السلام في اوسلو ، عام ١٩٩٣، حينها أُستدرجت السلطة الفلسطينية نحو سراب و اوهام الصلح والسلام؟
و نشهدُ اليوم، وبعد موجة التطبيع الخليجية العربية الثانية ، عزم اسرائيل في مصادرة حي الشيخ الجراح، وما تبقّى من احياء القدس وطرد سكانها وهدم بيوتهم، وبناء الآلاف المستوطنات في غزة! ونشهدُ كيف ترتكب اسرائيل الجرائم!
ليكن تصنيفنا لدول المنطقة ليس وفقاً لمحور الاعتدال، او التحالف العربي ضّدَ ايران، او الناتو العربي ،وانما وفقاً لما هو واقع الحال، وتوثيقاً تأريخياً سليماً و منصفاً للأحداث وللمواقف: محور اسرائيل، ومحور فلسطين او محور القدس.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل
زر الذهاب إلى الأعلى