كتب واصف عواضة- خاص الحوار نيوز
اللبنانيون الراغبون بالهجرة أكثر من العدّ والاحصاء في هذا الزمن الصعب الذي يجتازه لبنان. كثيرون توفرت وتتوفر لهم فرصة الهرب من هذا الواقع الذي يعتبرونه جحيما غير مسبوق. لكن كثيرين أيضا لم ولن تتوفر لهم هذه الفرصة ،فرصة الهجرة،إلا أن هولاء مهاجرون في الوطن .وهكذا بات المهاجرون من الوطن والمهاجرون فيه سواء بسواء.
كان الإمام علي بن أبي طالب يقول :”الفقر في الوطن غربة”.ثمة من أضاف الى هذه الحكمة مستدركا بالقول:”..والغنى في الغربة وطن”.
ولأن غالبية اللبنانيين باتوا فقراء، فهم يشعرون بالغربة داخل الوطن. ولولا أغنياؤهم في الغربة، لتحولت غربتهم في الوطن الى كفر.. و”ما ذهب الفقر الى بلد إلا وحلّ الكفر معه”.
اللبنانيون بغالبيتهم المطلقة ،مقيمين ومغتربين ،باتوا في غربة عن الوطن. والفالح من المقيمين من يحالفه الحظ بتأشيرة سفر الى الغربة ،الى أي مكان في هذه الدنيا الواسعة،سواء توفرت له فرصة عمل في الخارج أم لم تتوفر. وأخشى ما نخشاه أن تصبح قارعات الطرق في الغربة موئلا للبنانيين الهاربين من جور الوطن،لاجئين في عواصم العالم. آخر النماذج في هذا المضمار ما نقلته الأنباء عن 39 لبنانيا كانوا متوجهين الى أميركا اللاتينية ،فاستغلوا هبوط طائرتهم في اسبانيا ليعلنوا احجامهم عن متابعة رحلتهم ،وليطلبوا اللجوء في اسبانيا.
كان الصحافي البريطاني الراحل باتريك سيل يقول إنه زار معظم الدول العربية ،وكان يجد أن بيوت الناس من الداخل نظيفة جدا،بينما شوارعهم ملأى بالقاذورات والأوساخ. وعندما كان يُسأل رأيه في ذلك كان يجيب: “الأمر في غاية الدقة ،والسبب أن العرب يشعرون أنهم يمتلكون منازلهم ،ولكنهم لا يمتلكون أوطانهم” .
يبدو ان اللبنانيين الذين نظموا مئات القصائد وانشدوا مئات الاغاني في حب الوطن والتغزل به ،باتوا اليوم يشعرون أنهم لا يمتلكون وطنهم .فثمة من بات يمتلك الوطن في الداخل والخارج ،وهو في غربة عن الناس.الناس الذين شغلتهم الأزمة الاجتماعية في البحث عن رغيف الخبز وحبة الدواء وصفيحة المازوت، من أجل تفادي جوع أطفالهم ومعالجة مرضاهم واتقاء برد الشتاء وقرّه.
هؤلاء ضربهم الملل واللامبالاة واليأس من إمكانات الخلاص .فلا السلطة تركت لهم بابا للتنفس ،ولا الثورة حققت أحلامهم بالانقاذ،فباتوا تائهين في غياهب الظلمة التي تجتاح وطنهم .
هؤلاء مطلوب منهم أن يذهبوا في الربيع المقبل الى صناديق الاقتراع ،فأي انتخابات هي تلك التي سيخوضها الغرباء في وطنهم ،ومن أجل من وماذا؟
فالانتخابات عادة هي مظهر من مظاهر الديموقراطية،ولا انتخابات عادلة وصحيحة من دون ديموقراطية.لكن أبرز مظاهر الديموقراطية تتمثل في الكفاية..الكفاية المعيشية والاجتماعية والثقافية.وهنا يبرز السؤال عن الحاجة الى الانتخابات في غياب الكفاية الاجتماعية،وهل يستطيع الجوعى والفقراء الغرباء في وطنهم ممارسة حقهم وواجبهم الانتخابي براحة ضمير؟
هذا هو السؤال الحقيقي الذي ينتظر الاستحقاق النيابي ،وأغلب الظن أن يحجم الناس عن الاقتراع غدا لأكثر من سبب.فلا الطبقة السياسية الحالية تمكنت من معالجة أوجاع الناس وآلامهم ،ولا البدائل تحظى بالثقة التي يمكن التعويل عليها ..
إنه اليأس بعينه..فلا حول ولا قوة إلا بالله !
زر الذهاب إلى الأعلى