عن اللحظات الأخيرة قبيل عدوان الرميلة 1989
بعد أن ضاق العدو الإسرائيلي ذرعا بعمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والتنامي الكبير للعمليات كما ونوعا، برز ما يكفي من مؤشرات بأن العدو سيلجأ إلى رد قاس.
لقد تصاعدت عمليات "الجبهة" ونجح مقاوموها في توجيه ضربات موجعة لجيش العدو وميليشياته العميلة بفعل قدرة الشيوعيين وصلابتهم وإيمانهم بوطنهم وبوجوب تحرير أرضه المحتلة، كقضية وطنية مركزية.
وفي ضوء نتائج المرحلة التي تلت تحرير البقاع الغربي والجبل ومناطق واسعة من الجنوب، في ظل آداء نوعي ونموذجي لرجال "الجبهة"، طرح السؤال حيال القدرة البيّنة لدى الشيوعيين لجهة التنظيم والتدريب والتخطيط والمهنية والحرفية العالية.
وتزامن ذلك مع ما كرره قادة العدو وجنرالاته من أن "الجبهة" تمثل الجناح العسكري للحزب الشيوعي اللبناني.
ثم برز سؤال آخر: " من هم هؤلاء القادة الذين يديرون ويقودون مقاتلين من عدة مناطق لبنانية وذات أصول إجتماعية وطائفية مختلفة؟
سؤال جاء على لسان رئيس وزراء العدو آنذاك، بعد سلسلة عمليات ناجحة أوقعت العديد من الإصابات بين قتيل وجريح في صفوف المحتل، وبعض شهداء هذه العمليات لا تزال جثامينها محتجزة لدى العدو حتى تاريخه.
لم يأت في حساب العدو، في سياق سعيه لإلحاق ضربة قاصمة للحزب الشيوعي اللبناني الذي لعب دورا طليعيا في مقاومة الإجتياح الإسرائيلي وأسس مع حلفاء له جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، سوى الإغارة على مقر اللجنة المركزية للحزب في بلدة الرميلة، وقد نفذ جريمته في السادس والعشرين من كانون الأول من العام 1989.
نفذ العدو الاسرائيلي عدوانه سريعا، في الوقت الذي كان الرفاق منهمكين بإخراج ما يجب إخراجه من المقر قبل إخلائه.
لقد أتخذ القرار بإخلاء مقر اللجنة المركزية بعد الغارة التي استهدفت صباح اليوم نفسه احدى القواعد العسكرية "للجبهة" في منطقة تلال النبي صفا في البقاع الغربي.
نُفذ العدوان – الجريمة وبالرغم من حجم الخسارة الكبيرة التي لحقت بالحزب والجبهة إلا أننا حولناها الى محطة نضالية زخَمنا بها نضالنا وعملنا.
نعى الحزب والجبهة الشهداء: قاسم بدران العين الساهرة على أمن الجبهة وأحد قادتها منذ التأسيس حتى الإستشهاد، ونعى طبيب الفقراء وحبيب كل من تعرف إليه الدكتور المقاوم القائد حكمت الأمين، والقائد العسكري عُدي قيس والمقاومين المناضلين: بسام شقير، علي هزيم، عماد البيطار، لينا مزرعاني، ميرفت عطوي، حسين دياب وغسان داغر.
في ذلك اليوم سقط رفاقي شهداء، غادرنا الأبطال أجسادا، لكن أرواحهم وتراثهم النضالي والإنساني باقية فينا، كسيرة ننهل منها دروسا لا تنضب.
لا يسعني إلا أن أتذكر وأذكر تلك الكلمات الأخيرة للشهيد قاسم بدران "أبو جمال":" لن أغادر المقر حتى أطمئن الى مغادرة الجميع وان كامل موجوداتنا في أمان".
كان صعبا عليه مفارقة المقر قبل التأكد من خلو المكان والبقاء على حضور كاف لتأمين العمل بحده الأدنى وضمن شروط آمنة، كي يضمن أن كل الممرات مغلقة على الأرض، لكن كان صعبا عليه إغلاق ممر السماء!
كيف لي أن أنسى إبتسامة طبيب الفقراء وتواضعه وتفانيه وحبيب الجميع.
كيف لي أن أنسى بريق عيون عُدي، بسام، عماد، لينا، علي، ميرفت، حسين، أبو أيمن، وغيرهم …
كيف لي أن أنسى إصرار "أبو جمال" على مغادرة الجميع.
لن تمحو ذكراكم الأيام ولن يزيل عشب الجدران صور أبطال من بلادي.
حين جاءت طائرات الغدر من صوب البحر ورمت حقدها على البشر والحجر، وكنت على بعد أمتار من رفاقي الشهداء، أسندت رأسي الى جدار الألم، أصرخ وجعا وألما وشوقا مبكرا. وحده صوت وليد "راح بييّ" أيقظني من رحلة العودة إلى رفاقي الشهداء!!