عندما يؤسّس ربيع العرب لفصولٍ أكثر عنفاُ وخراباً
وكأنّنا نطلّ على "الخريف العربي" ولا سبيل سوى الترحّم على ربيع العرب والياسمين والأوطان والشعوب المحروقة بين تونس ودمشق، إذ لا شفاء من الإرهاب المتفشّي. وإذا كان علم النفس التحليلي قادراً على شفاء المرضى النفسيين عن طريق جلسات تعود بهم إلى إيقاظ ماضيهم وتلمّسه بكل نقائصه وقيمته وصدماته، فإنّ التحليل التاريخي يظهر عاجزاً في تعبيد طرق الخروج من الشقاق والصراعات الدموية بين المسلمين بمذاهبهم وإجتهادات علمائهم المختلفة بما يجعل وحدتهم وتقاربهم في دوائر المستحيل. التحدّيات هي لسدّ الفجوات والشقوق التي يتسرّب منها العالم نحو تدبير المآسي والتنابذ وتذكية الحروب بين المسلمين أنفسهم أو بين المسلمين وغيرهم بهدف تخريب ديارهم السلمية وتركهم في دار الحروب والركام.
في هذا السياق، أعيد نشر كلام، للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (28/7/2018) حول مخاطر التغيير الرهيب بالعنف الحاصل في الشرق الأوسط والذي يبعثر الهويات ويروّج للإرهاب إذ صار من الصعب التمييز فيه بين الوطني والقومي والعالمي والديني كغطاء للدماء في الحاضر والمستقبل والذي يظهر السيوف مسلولة من غمدها ومن الأعلام والنفوس واجب وكأنه إنساني. جاء ذلك في إلإحتفالية الأممية التي دعا إليها ماكرون في قصر فرساي قرب باريس بمناسبة مرور مئة سنة على إنتهاء ويلات الحرب العالمية الأولى 28/7/1918- 28/7/2018 حيث فرضت معاهدة فرساي أو ما سمّي ب"الديكتات" على إلمانيا بالقوة من قبل الثلاثة جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا، ولويد جورج رئيس وزراء بريطانية وويدور ولسن الرئيس الأميركي صاحب البنود 14 لتقرير مصير الشعوب وكيفية حفظ السلام العالمي بعد هذه الحرب التي مزّقت العالم والتي أوردها كعبرةٍ أولى في التاريخ البشري، مشيراً إلى خطورة الضغوطات والأثقال التي خرجت بها المانيا من فرساي التي أسّست بشكلٍ خطير للحرب العالمية الثانية التي جاءت أكثر شراسةً وعنفاً من الحرب الأولى.
ماذا نبني أو نزرع في ركام الربيع العربي؟
وكأنّهم يزرعون خريفاً عنوانه الغضب والمزيد من الكوارث بين المؤمنين.
كان الكلام عن العروبة، في القرن الماضي، يقترن بشكلٍ ما بالكلام عن الإسلام. وكانت الكتابة لا تجهد أو تزيح كثيراً في التفريق بين العروبة والإسلام. وكانت كلّ فكرةٍ جريئة أو بحثٍ يجادل في هذه المسائل بالذات، يتعامى تماماً عن الأخطار الجمّة التي كانت تحوق بهذه المنطقة من العالم والتي لم تكن تميّز بين عربي ومسلم جهراً. كان إذا مرّ الحديث عن الإسلام كمرادفٍ أو حاضنٍ للعروبة، فإنّ هذا لم يكن يعني إنتقاصاً من أدوار الأقليّات العربيّة وحقوقها الإتنيّة والدينيّة في عالمٍ يحتضن المسلمين والمسيحيين وأعداداً من الأقليات لا ضرورة لتعدادها. لكن لنعترف أنّ هناك خوف تاريخي كبير ظاهر ومعلن للتفريق اليوم لا بين المسلمين والعرب بتنوعهم بل بين المسلمين والمسيحيين ومعظم مكونات هذه البقعة البائسة والأغنى في الأرض التي تؤشّر في نظري إلى الخريف العربي الذي سيجعلنا نترحّم على الربيع العربي بمصائبه.
ليس مرضياً بعد إختصار "الربيع العربي" بهدف سرد مشاهد التخريب فيه والقتلالتي لم تستقرّ نهائياً وكأنّها تؤسّس للحروب الآتية بعدما راحت تظهر قوافل العنف التي غابت لتظهر مجدداً كما في أكثر من بقعة في المحيط. ألا يعنينا في مؤشّر التغيير بالعنف الرهيب سوى ما تضج وسائل التواصل الإجتماعي في العالم من فورانٍ مذهبيٍ شيعي سني قاتل ل للاوعي الجمعي العربي العام وخصوصاً أيضاً من العرب والمسلمين الذين تبعثروا بدورهم في الأرض ورموا هوياتهم الأولى وهم مقيمون في دوائر القرار الغربي أكثر عداوةً وحقداً على بلادهم وأنظمتهم من أهل الغرب؟ قسم يحرّض الغرب على بلاده وقسم يتحدى الغرب في عقر داره.
نشرت فتاة عربيّة مسيحية في إلمانيا ما ترجمته: " يعيش الكثير من العرب والمسلمين في بلادنا البعيدة هناك منذ 1400 سنة فرحين ومفاخرين بإنتصاراتهم وسيوفهم وماضيهم وخيولهم وجمالهم، لكنهم لا ينتبهون إلى حاضرهم المفلوش سوقاً دمويا طرد غيرهم وكسّر تاريخهم ونكّل بهم وهم يتقدّمون خطوةً إثر أخرى ويوماً بعد يوم لتفريغ بلادهم ودينهم من قيمه الأصيلة بعدما فرغت المسيحية من قيمها. لست عربيّة ولسنا عرباً لأنّ العرب جزء من بلادنا التي ضمّت إلى الإسلام الذي دخل إلى أرض حبلى بأرقى الحضارات الأخرى القديمة كالسريان والكنعانيين والفينيقيين والأشوريين والكلدان والعرب. يستحيل اليوم فهم مخاطر محو هذه المكونات وتهجيرها في أرجاء المقابر والأرض، وإقتصار قاطنيها على المسلمين المتناحرين في الغرب والشرق والمشرّدين أو الغازين للشرق والغرب تحملهم تركيا دروعاً لإبتزاز أوروبا والغرب والعالم نافخةً في جمر الرماد الأحمر بين المسلمين في نزاعاتهم الكثيرة بما يحوّلهم حاملين لحقائب السامسونيت يعملون في أرض "إسرائيل" الواسعة. أضاعوا فلسطين وأضاعوا القدس التي صارت عاصمة "إسرائيل" منذ أن سمع العالم دعسات شارون فوق بلاط المسجد الأقصى أعني قبل أن يطلّ ترامب بشعره الأشقر المستعار".
يتغنّى المسلون بأمجاد الماضي ملفوفين بالأحلام والقصائد تماماً مثل العلمانيين العرب الذين لم ولن يدركوا طعم العلمانية في بلادنا بسبب تشابك الجذور الدينية في الأرض.