عندما تقول نيويورك تايمز “إخراج حماس من السلطة يشبه اجتثاث البعث من العراق” (جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي – الحوار نيوز
في الصحيفة المذكوره ،وفي مقال بعنوان ” إسرائيل ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته امريكا في العراق ” ،للكاتب ديفيد فرنتش ٢٠٢٤/٤/٩ ( انظر في ذلك ترجمة للمقال في جريدة رأي اليوم الالكترونية بتاريخ ٢٠٢٤/٤/١٠ )،انتقدُ المقال من زاويتيّن ، و ذلك من اجل إظهار ما وردَ فيه من تدليس ، وتبيان ماخفيَّ عنه عمداً من أوجّه الشبه ،بل ،التطابق بين امريكا واسرائيل.
ابدأُ بما وردَ في المقال من تدليس : يكتب صاحب المقال ” الحصيلة الفادحة من القتل والمجاعة ماهما إلا نتاج مباشر للحرب” … ويرى الكاتب ان الاهتمام الدولي تركّز حتى الآن على سلوك إسرائيل في الحرب ،حيث هيمنت مسألة ما اذا كانت إسرائيل قد التزمت في معركتها ضّدَ حماس بقوانين الحرب وقيمها الاخلاقية ” ! يحاول الكاتب استبدال يقين العالم بأجمعه بالشك في حقيقة جرائم الابادة وجرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية والتي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل كل يوم ، وبصورة مجازر بشعة في القتل والتجويع أطفالاً ونساء وعُزّل ، و بعدَ كل هذا وعلى مدى سبع شهور ،يتساءل الكاتب ،ما إذا كانت إسرائيل قد التزمت في معركتها بقوانين الحرب و قيمها الاخلاقية ؟ وهل ابقتْ إسرائيل للأخلاق ظلاً في ما قامت به في غزّة ،حتى نتحدث ونكتب عن قيمها ؟
يرى الكاتب ،لكن من دون بصيرة ، ” ان اخراج حماس من السلطة يشبه فكرة اجتثاث البعث في العراق ” ،التي ستؤدي إلى دمار الخدمات المدنية … ! دمار الخدمات المدنية في العراق لم يكْ بسبب اجتثاث البعث ،و انما بسبب الاحتلال وفوضى الاحتلال وأسباب اخرى ،وفي مقدمة هذه الأخرى الإرهاب والفساد و العملاء ، كما ان الهدف الاول لحرب الابادة في غزة ،هم المدنيون قبل طرقهم ومنازلهم ومستشفياتهم و مدارسهم ، و قبل حماس ،لأنَّ قيادات الاحتلال والصهاينة حسبوا اهل غزّة ” حيوانات و ليسوا بشرا ” ،وبالتالي ليس من حقهم ” خدمات مدنيّة ” .
في مقطع آخر ،يقول فرينتش: ” اثبتت القوات الأمريكية ،كما الاسرائيلية قدرة مثيرة و فتّاكه في حروب المدن ،لكنهما فشلتا في الحفاظ على المجتمع والنظام و القانون …” يعتبر ما قامت به إسرائيل من جرائم قدرة مثيرة ! كما يحسبهما ( واقصد امريكا واسرائيل ) حريصتين على المجتمع والنظام والقانون !
ما يريد الكاتب قوله ،او ما نستنتجه نحن مما يكتبه ، هو ان ما تقوم به إسرائيل في غزّة ليس بجديد على العالم ،فقد سبقتها امريكا في ذلك في العراق ، وهو مُحّق،ولكنه ،سيكون منصفاً ان ذكر بأن ما ألقته إسرائيل من قنابل وصواريخ و اسلحة محرمة وعلى غزّة ومساحتها 365 كيلومترا، اكثر بكثير مما ألقته امريكا على العراق ومساحته 435 الف كيلو متر ! و تذكرني حالة المقارنة بين جرائم امريكا في العراق وجرائم إسرائيل في غزّة بأبيات للمتنبي ،يقول فيها : مات في البريّة كلبٌ فأسترحنا من عواه – خلّفَ الملعون جرواً فاق في النبح أباه .
انتقّدُ الكاتب ،من الزاوية الثانية، لانه أخفى عمداً أوجّه الشبه ،بل التطابق ، بين امريكا واسرائيل ، والتي تتجلى بوضوح ،ليس فقط في القدرة على ارتكاب الجرائم ، وانما في ابعاد بنويّة وهي :
كلاهما ( امريكا و إسرائيل) قامتا على احتلال اراضي شعوب وارتكاب جرائم ابادة وتطهير عرقي : الهنود الحمر في امريكا والفلسطينيون في فلسطين .
كلاهما يتجاوزان القوانين والمواثيق و الأعراف الدولية ، فلا يقيمان اي التزام واحترام للقوانين و الاتفاقيات في علاقاتهم الدولية ،والأمثلة على سلوكهما ،في هذا الجانب متعدّدة ،و مُمتدّة على طول السنين ،ومنذ عام ١٩٤٨ .
ديدنهما إشعال الحروب و اشاعة الفتن بين الدول والشعوب ،فلا يمّر عقد من الزمن دون حرب قامت بها امريكا هنا وهناك او اشعلتها اسرائيل في منطقة الشرق الأوسط .
يسعيان إلى الهيمنة والسيطرة ؛ امريكا على العالم و اسرائيل على منطقة الشرق الأوسط ، وهمّهما استغلال وسرقة ثروات الشعوب ومصادرة ارادة الشعوب تحت ذرائع نشر الديمقراطية و دعم الشرعية واحترام حقوق الإنسان . يشتركان بالانتماء الفكري والسلوكي للمدرسة الإمبريالية الصهيونية ،و احدهما مُتمّم للآخر . هذه هي المشتركات بين امريكا و إسرائيل ،والتي أهملها الكاتب ،للأسف ،في مقاله .
مشتركات توضّح الترابط المصيري والوجودي بين امريكا وإسرائيل ،ومثلما قالها الرئيس بايدن ،عام ١٩٨٦ ،حين كان عضواً في الحزب الديمقراطي ( وما يزال ): ” إذا لم تك هناك إسرائيل لكان على امريكا خلق اسرائيل لحماية مصالحها ” .