رأي

على هامش خطاب نتنياهو: تداعيات اليوم التالي على “بني إسرائيل”(فرح موسى)

أ.د فرح موسى- الحوار نيوز
يبدو من خطاب رئيس حكومة العدو أمام الكونغرس الأمريكي،أنه لا يزال مسكونًا بلحظة اليوم التالي للحرب،إذ هو يُدرك أن كيانه أصبح مأزومًا لدرجة القلق الوجودي،وهو ذهب إلى أمريكا للتعبير عن هذا القلق،مستجديًا الأمبراطورية العظمى أمريكا مشاركته هذا القلق والوقوف أمام تداعياته الاستراتيجية ومخاطره ليس على الكيان فحسب،وإنما على الغرب ومصالحه في الشرق الأوسط!

وليس من عجب أبدًا أن يصفق الكونغرس لمجازر هذا العدو، طالما أن الغرب نفسه هو الذي يخوض هذه الحرب ضد غزة وفلسطين!فإسرائيل كانت وستبقى بنظر الغرب المستعمر قاعدةً له في المنطقة مثلها مثل سائر القواعد العسكرية في كثير من البلاد العربية والإسلامية،وهذا ما يجعل الغرب متماهيًا مع نتنياهو في حماية المصالح وتحقيق الأهداف؛وإلا تعرضت المصالح والقواعد الغربية للخطر،واتسع الخرق على الراقع!

ولا شك في أن طوفان الأقصى قد وضع العالم كله أمام مفارقة عجيبة،وهي أن هذا الكيان الذي اصطنع ليكون منفذًا أساسيًا للغرب،لم يتمكن بعد شهور من الحرب من حسم الموقف بما يعزّز الموقف الأمريكي،والحضور الاستعماري بشكل عام!ولا يزال هذا العدو يتخبّط في أزمته الأمريكية لعله يحدث خرقًا في الجدار المقاوم،وهذا ما جاء الخطاب في الكونغرس للتعبير عنه،بحيث تنضم أمريكا إلى الحرب مباشرة حتى ولو كان الثمن حربًا كبرى في المنطقة،وذلك إنما يذهب إليه نتانياهو على قاعدة أن بني إسرائيل في الكيان الصهيوني والعالم العربي هم أساس الوجود الأمريكي ومن شأن تعرض هذا الكيان للخطر انتفاء الحاجة لأي قواعد أخرى في المنطقة!

ولهذا نجد التآمر الكبير على المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة للحيلولة دون تحقيق أدنى انتصار للمقاومة!فالمفارقة تكمن هنا،أن العدو الذي كان يخوض الحرب لأيام لحسم الموقف،نجده يتعثّر لشهور في قطاع غزة رغم كل ما توفر له من دعم استعماري؛وهذا ما جعله مرتبكًا وفي حيرة من أمره،لكونه لم يكن متوقعًا أن تستمر الحرب، أو أن تصمد المقاومة في الوقت الذي كان يرى فيه لنفسه قوة الردع وشجاعة الصدع!؛فإذا به يثخن بالجراح،ويثمل من غير شراب،ويتوه في غزة فلسطين متوجسًا من مقاومة التراب!!
إن تحالف بني إسرائيل الذي أريد له أن يكون قاعدة عسكرية ودولة يهودية لمواجهة البربرية الشرقية على حد تعبير مؤسسي هذا الكيان،نراه بكل ولاءاته وانتماءاته،بعد طوفان الأقصى،يعجز عن الإيفاء بالتزاماته،بحيث يكون حاميًا لنفسه قبل صانعيه،فهو مترهل إلى حد طلب العون والتدخل المباشر لرعاته في الحرب!بل نجده يكابد ويعاند لتسجيل أدنى انتصار له في غزة فلسطين على أمل ان تكون له حيوية الموقف في إقناع حلفائه أنه لا يزال على قيد الحياة،وذلك بدلالة أنه أعطى أملًا في خطابه الأمريكي بإحياء تحالف أبراهام،وكأنه يريد الإيحاء بأن الكيان الصهيوني لم يزل قادرًا وفاعلًا وموجودًا،ويمكن المراهنة عليه في تحقيق الوعد بأن تكون له مركزية الدور والوظيفة؛وهذا ما نرى فيه تسلقًا على الجدار الأمريكي لتأكيد الذات قبل تأكيد الكيان! فالحيرة أمريكية قبل أن تكون إسرائيلية،وقد قيل قديمًا: إن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تقوم على أمرين لا ثالث لهما،وهما: حماية أمن إسرائيل.وتأمين تدفق النفط إلى أسواقه دون عوائق أو مخاطر تذكر،إلا أن معادلات الشرق الجديدة المتمثلة بقوى المقاومة،جعلت الغرب أمام معضلة ترهل الردع الإسرائيلي في فلسطين،ومعضلة البحر الأحمر وباب المندب،فكيف للغرب المستعمر وأعوانه في المنطقة أن ينجو من مخالب محور المقاومة؟

لقد انحسر الدور الوظيفي لتحالف بني إسرائيل بكل تعبيراته الدينية،سواء أكانت يهودية أو مسيحية،أو إسلامية،فلم يعد قادرًا على حماية مشروعه اليهودي،فهل سيكون قادرًا على حماية مشروع التطبيع الأعرابي؟هناك أسئلة كثيرة تطرح عن مآلات التحولات الجديدة في ظل العجز الاستعماري عن حماية الكيان الصهيوني،ولعله من أهم هذه الأسئلة،ماذا لو كان من تداعيات اليوم التالي أن تبقى حماس في غزة،وأن يفشل تحالف بني إسرائيل من تحقيق أهدافه من الحرب؟فهل تستطيع أمريكا أن تقاتل في الشرق الأوسط حتى آخر يهودي،كما قاتلت وتقاتل في أوكرانيا حتى آخر أوكراني في مواجهة روسيا،أم أنها ستلجأ إلى الدخول في حرب كبرى باتت تعي أنها ستنهي الغرب وتخرجه من غرب آسيا؟؟؟

بالتأكيد لم يعد أمام أمريكا والغرب المستعمر من خيارات سوى أن يستمع لاستغاثة نتانياهو بان تخاض الحرب من باب المندب إلى مضيق هرمز حتى يستبين لنا كم هو أحمق هذا الغرب في خياراته!وقد عهدنا منه ذلك في العراق وأفغانستان ولربما يكون له هذا الخيار تحت ضغط اللوبيات الحاكمة في أمريكا!فحكمة التعقل تقتضي من هذا الغرب أن يعي حقيقة التحول في الشرق الأوسط،وخصوصًا بعد تجربته في البحر الأحمر التي لم يُخفى أثرها عليه،والتي لم يشهد مثلها منذ الحرب العالمية الثانية!فإذا أرادت أمريكا أن تستمع للهذيان والتصفيق ،فلتبدأ حربها لترى كيف أن الشرق الأوسط قد تعرض لصناعة جديدة لا تشاكل ولا تماثل ما عرفته في تاريخها من أنظمة وشعوب غالبتها حتى الثمالة عن قضاياها!ويبقى من الحكمة أن يبادر الغرب إلى مزيد من التحول في فهم الواقع الجديد،الذي يرفض وجود هذا الكيان في فلسطين،ويمانع أن يكون الشرق محكومًا من غير أهله.فالخيار الحتمي،هو أن تحالف بني إسرائيل زائل لا محالة،فإن لم يكن زواله بالحرب،فإنه سيزول بالاضمحلال الداخلي،لكونه بات منقسمًا على ذاته لدرجة التناقض الوجودي في ما بين أطيافه ومكوناته،وإن غدًا لناظره قريب.والسلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى