العالم العربيسياسة

علاقات العراق وسياسته الخارجية مكّنتاهُ من مواجهة تحدّيات الداخل وأمن المنطقة (جواد الهنداوي)

 

 د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز

في العلاقة بين السياسة الخارجية  والسياسة الداخلية لدولةٍ ما ، نقول دائماً إنَّ الاولى هي مرآةٌ للثانية ، اي السياسة الخارجية تعكسُ الوضع الداخلي للدولة وتتأثر به اكثر مما تؤثّر فيه (واقصد بالوضع الداخلي ) .

حالة العراق قد تكون استثناء لهذه القاعدة المتعارف عليها . فبالرغم من التحديّات التي عاشها ،ويعاني من بعضها في الوقت الحاضر ( الارهاب ،الفساد ، تردّي بعض الخدمات ، قلّة الاستثمار ، ضعف الانتاجية ) ، فإن مؤشر علاقاته العربية و الاقليمية والدولية في أفضل حال . بلْ وأنْ حُسنْ علاقات العراق ووضوح سياسته الخارجية و ثباتها على مبادئ ومسار مستقيم دون انعطافات او استدارات عوامل ساهمت في تحسين وضع الداخل السياسي ،بدأت الدول ،وخاصة العربية والاقليمية ،تتعامل مع العراق الدولة وليس مع عراق الحزب او الطائفة او القومية او عراق الشخوص . وأصبحت الدول تُقيّم العراق وتراه ،ليس بعدسة مشهده الداخلي ،وانما بمنظار سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية .

   برهنَ العراق للعالم على ديمقراطية نظامه السياسي ، وخاصة في مجال حقوق الانسان وحريّة الرأي والصحافة مقارنة مع دول اخرى ، وهذا ما نلمسهُ من لدن سياسيين ودبلوماسيين واكاديميين في محافل اوروبية و دولية ،مهتمين في شؤون الشرق الاوسط و ملفاته .

برهنَ العراق أنه يحتكمُ ، في تبني مواقفه و قراراته السياسيّة و علاقاته الدولية ،ليس الى الافعال وردود الافعال ، وانما الى حُزمة مبادئ ومعايير ، فما هي؟

يحتكمُ العراق ، في رسم وتنفيذ سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية ، الى الدستور ،و خاصة المادة الثامنة منه ،  والتي تفرضُ منع استخدام ارض وسماء العراق منطلقاً للاعتداء على الدول المجاورة او الدول الاخرى ، وتنصُ ايضاً على مبدأ حُسنْ الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى . التزمَ العراق ، ومن خلال السلطة التنفيذية ( الحكومة ووزارة الخارجية ) ، والمسؤولة حصراً عن تنفيذ السياسة الخارجية ، بهذه المبادئ الدستورية الثلاثة: الا يكون العراق بأرضه وسمائه مُعادياً ، وكذلك بحُسن الجوار ، وحُسنْ الجوار أكثر نفعاً وقُرباً من مبدأ احترام الجوار ، وايضاً بعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى . وتشهدُ الوقائع والاحداث السياسية والامنية العربية وغير العربية ، والتي نواكبها ،  على غياب أي تدخل من جانب العراق ، واذا وُجِدَ دور للعراق فهو لاصلاح ذات البين ، وبطلب الاطراف المتخاصمة .

هذا التميّز وهذا الانجاز في عقلانيّة السياسة الخارجية ، والذي اثرى علاقاتنا الدولية ، قد يكون غائباً عن اهتمام الداخل العراقي ،لانه ليس سلعة او خدمة مباشرة ، ولكنه ،محط اهتمام وإشادة  وإعجاب جميع الدول والعارفين بالسياسة وبالدبلوماسيّة ، الامر الذي عزّزَ مكانة العراق .

 لم تقتصر نتائج سياسة العراق الخارجية وعلاقاته الدولية على تمكينه على تحديات الداخل ،ذات الطابع الحزبي والطائفي والقومي ، وإنما شملت (واقصد النتائج) على تخفيف التوتر في المنطقة  والدفع بدولها العربية  والاقليمية نحو التفاهم والتوافق .

 تجرّدت سياسة العراق الخارجية  ومعايير علاقاته مع الدول مِنْ التوجهّات او الشعارات القومية او الدينية او الطائفية ، ولبستْ ( واقصد السياسة الخارجية ) رداء وطنياً ، غير ملّوث ببقع الماضي ،  وواسعاً لاحتضان الجميع من الاشقاء والاصدقاء . لم يعاتبْ العراق تلك الدول التي عبثت بأمنهِ ، بل اسدلَ فوق الأمس ستراً وحجابا ، ولمْ يخاطب تركيا (التي تتواجد قواتها في مناطق في شمال العراق وفي اقليم كردستان) بلغة التهديد و السلاح ، وانما بلغة العقل والحوار والدبلوماسية والتهدئة . (أُشير بهذا الخصوص الى حديث السيد وزير الخارجية الدكتور فؤاد حسين في قناة العهد العراقية ليوم ٢٠٢٣/٤/٢٤، ولبرنامج ” نصف دائرة ” ) حين وصف التواجد التركي بتدخل ، وتجنّبَ وصفه بأحتلال ، مُدركاً عمق العلاقات السياسية  والاقتصادية بين البلديّن ، وأنَّ الحوار والتفاوض واستتباب الأمن في المنطقة عوامل كفيلة بجعل تركيا حريصة على احترام سيادة العراق ووحدة اراضيه.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى