عبد الناصرفي الذكرى 52: ثلاثية العمر والثورة والرحيل(رفعت سيد أحمد)
بقلم د. رفعت سيد أحمد
هي بالتأكيد مصادفات قدرية غير مقصودة أن يكون هذا العام (2022)الذي نحتفل هذة الايام فيه بذكري رحيل الزعيم القومي الكبير جمال عبدالناصر (28/9/1970) أن تكون الذكري ال(52 للرحيل ) لرجل مات عن 52 عاما (فهو مولود في 1918) وقام بثورته المجيدة التي أسست لمصر ولوطن عربي جديد في العام 1952!! صحيح أنها مصادفات قدرية وغير مقصودة قطعا ..ولكنها طريفة وجميلة وذات دلالات عدة من الممكن أن نتناول بعضها في هذا المقال، ونسأل : لماذا ما زال الناس في بلادنا العربية يحبون عبد الناصر دون غيره من زعماء العرب رغم تباعد الزمن على رحيله ورغم تقلب الاوطان والمصائر لدول وشعوب هذة البقعة من العالم ؟
الاجابة لانه – أي عبدالناصر- قد إمتلك بمواقفه وسياساته قلوب الناس وإنحاز لخيارتهم الصحيحة رغم قسوة التحديات والصعوبات وشدة المؤامرات الداخلية والخارجية عليه ..لذلك بقي حيا في قلوب شعبه العربي وشعوب العالم الثالث وليس في وطنه مصر فقط ..
لقد قاوم (ناصر) تحديات عدة ، وخاض معارك طاحنة ضد الاستعمار واسرائيل ، وضد الجهل والتخلف والفقر ، فى وطنه وضد الرجعية العربية والإخوان ، وحارب من أجل الوحدة ودافع عن الفقراء وبنى لهم وطناً للعزة والكرامة رغم الحصار والتآمر والانكسارات المرة التي تسبب فيها الأعداء ضده طيلة 18 عاماً من حكمه لمصر ؛ لذلك بقى حياً وظني أنه سيبقي حيا فلقد إمتلك (السر ) الذي يجاهد الكثيرون اليوم من أجل إمتلاكه لكنهم لا يفلحون ربما لان هذا هو قدر الله وربما لان الرجل (ناصر ) كان صاحب كاريزما وطنية وقومية إستثنائية وفوق كل هذا كان مخلصا لوطنه صالح القلب نظيف اليد والضمير لذلك عاش في قلوب مواطنيه ومحبيه لاكثر من 52 عاما .
إن محطات (ثلاثية عبدالناصر)سواء فى صراعاتها الداخلية أو الإقليمية أو العالمية، تحتاج إلى تأمل جديد فى زمن ما بعد ما سمي ب (ثورات الربيع العربى التي إندلعت عام 2011) تلك الثورات التى إنحرف أغلبها لاحقا وتحولت الي خراب وفوضي وهي ثورات حاول الغرب سرقتها وتوظيفها فى إطار مشروع شرق أوسط بقشرة إسلامية يُخدم على بقاء إسرائيل أقوى ، ويفكك الدول العربية المركزية وفى مقدمتها مصر وسوريا وليبيا والعراق ، وهو ما جرى بالفعل ولا تزال مؤامراته تتري !
إن حضور الانجاز الناصري هنا ، وتأمل سيرة عبد الناصر ومواقفه وسياساته تجاه أركان هذا المشروع القديم – الجديد ، يعد مسألة مهمة للغاية ، خاصة طريقة تعامله مع الإخوان المسلمين وممثلى التيار الإسلامى المتشدد الذين أرادت واشنطن – اليوم – فى زمن ما يُسمى بثورات الربيع العربى – استخدامهم كورقة لبناء الشرق الأوسط الأمريكى الجديد ذو القشرة الإسلامية، أو ما أسميناه فى إحدى دراساتنا بـ(الشرق الأوسط الأمريكى بلحية).
إن استحضار النموذج الناصرى فى التعامل مع الإخوان ومحاولة أخذ العبر والدروس منه يعد فى تقديرنا أمراً فى غاية الأهمية لأنه ينقذ بلدان الوطن العربى التى ابتليت بحكم هؤلاء وتحالفهم مع واشنطن بعد ثورات الربيع العربى المزيفة ؛ وفى مقدمتها مصر ؛ إنقاذهم من لعبة كبرى للأمم يراد أن تلعبها أجهزة مخابرات الغرب وحلفائه الاخرين في المنطقة من (أهل الشر )، تتحول بمقتضاها تلك الدول المركزية إلى كيانات مفككة يسهل تحويلها إلى ذيول تابعة للغرب ومصالحه .
ومن القضايا المهمة أيضاً التى تفيدنا فيها السيرة والتجربة الناصرية ، قضية فلسطين والموقف منها ، وهى قضية ثبت يقيناً أن عبد الناصر رغم هزيمته فى العام 1967 نتيجة مؤامرة دولية وإقليمية محكمة إلا أنه كان يمتلك تصوراً لفهم وإدارة هذا الصراع ، يقوم على إيمانه بمصيريته وحضاريته وأنه صراع وجود لا صراع حدود . وكذلك قضايا العدل الاجتماعي ومقاومة الفقر وقضايا الارتقاء بالادب والفن الجميل ونشر التعليم وخلق اجيال مثقفة ترتبط بقضايا الوطن وتدافع عنه ولا تذل أمام إغراءات المال والشهرة المخادعة ..لكل هذا ولغيره بقي عبد الناصر حيا في قلب شعوب أمته ومستضعفي العالم وفي ثلاثيته تلك التي عنونا به هذا المقال في ذكري رحيله التي تمر هذة الايام ..نحتاج الي إعادة تمثل القيم الكبري في مسيرة الرجل وهي قيم لا تموت بموت صاحبها لكنها ستظل حية ما بقي هناك نخب وإعلام مخلص يعيد تذكيرنا بها في كل مناسبة قومية تمر بها الامة ..
رحم الله (ناصر ) يوم مماته ويوم يبعث حيا.