منوعات

ضريح أمي.. الجميل!(أحمد عياش)

د.أحمد عياش

اعرف أن في الوصف غرابة وانحرافا عن قاعدة أدبية، واعرف ان في الأمر شذوذا في المدح.

و رغم كل شيء ارى ان ضريح امي جميل .

نادرا ما يرى المرء في مقبرة اشياء جميلة ،الا ان مدافن بلدتنا منتزه احلى ما فيه فوضوية اشجاره وتوزع ازهاره و المسافات الضيقة بين الأضرحة المتشابهة في الارتفاع والألوان، ما يحتّم عليك القفز فوق الاضرحة وقراءة اسماء الموتى غصبا عنك وانت تقفز بحذر كي لا تطأ قدمك الشاهد وكي لا تلحقك سيئات ولعنات من ملائكة تحرس مدافننا واموات تنتظر يوم بعثها من جديد.

رائع ان نقوم كلنا في لحظة واحدة بأكفاننا لنتعارف، ولنرى بأم العين من كان منّا كذابا ومنافقا ومن كان مؤمنا حقيقيا.

الا ان هذا لا يغير من كون قبر أمي جميل تحت شجرة تظلله ، تمرّ من فوقه أسراب العصافير والحمام واليمام التي كانت امي لا تنسى ان تضع لها الماء عند الشرفة في ايام الحرّ، وكانت تضع لها طعاما لقناعتها ان للطيور صغارا يجب ان تعيش لتستمر الطبيعة في دورتها والحياة في شبابها.

الا ان قبر امي جميل.

جميل كترحابها بابتسامتها عند باب الدار بضيف او بصديق او برفيق لي وحتى بعابر سبيل.

لم تنس امي يوما لحظة مرور المتسولين الذين يصرخون الماً وقهرا لتقوم بواجبها نحوهم، ولتقول” الله يساعد الناس يا ابني،ما حدا بيعرف كيف بيبرم الدولاب”.

الا ان قبر امي جميل كعبارتها الاخيرة عند وداع ابنها المسافر وهي تبكي لرحيله وتوصيه الا يعود الى هذه البلاد، لأن لا شيء باق في البلاد غير المأساة والموت والعذاب والمجرمين وقلة الاخلاق.

كانت تعتبر مأساة البلاد في احزابها وفي قادتها وكانت تفضل مشاهدة فرقة زجل على متابعة خطاب لأي قائد.

الا ان قبر امي جميل ومميز، اراقبه عن بعد وانا جالس عند ضريح ابي .

مدافن بلدتنا عند تلة مطلة على كل البلدة وفي وسطها، و لطالما خفت صغيرا ان أمرّ بقربها ليلا وسط الظلام، الا اني اليوم ادخلها شجاعا في اشد الليالي عتمة ومن دون نور القمر،لأني مطمئن ان امي وابي واحبابي يرقدون هنا وسيحمونني من كل شرّ وسوء، لا بل أنتظر في كل مرة وانا اغادر المقبرة ان تلحق بي امي بقبعة لتقيني من حرّ الشمس نهارا او بمعطف ليلا خوفا من غدر الريح.

في عيد الام،

 ضريح امي كضريح امك كضريح كل ام، جميل ورائع ولوعنده تنهمر الدموع بصمت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى