سياسةمحليات لبنانية

سطوة ماكرون أمام أكثر زعمائنا

 


كثيراً ما يتغنى سياسيونا بالعبارات الطنانة الحاكية لمفردات الحرية والاستقلال والسيادة والعنفوان الوطني الذي يعلو عنوانه فوق كل العناوين، لكن عندما يتعلّق الأمر بالقادم من وراء البحار فإن هذا العنوان وغيره يسقط بكل رحابة صدر ورضى. ولا يمكن أن نغفل عن الطريقة التي جاءنا فيها رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، في المرة الأولى كما في الثانية، وكأنه فاتح للبلاد والمخلّص الأوحد، أو كأن بلاده الصديقة الحنون لم تكن يوماً بلداً مستعمِراً خرج من بلادنا كما يخرج أي جيش غازٍ غريب سعى لتدمير البلاد والعباد.
لقد حدد الفقرات الأساسية لبرنامجه بنفسه، كزيارة فيروز، أو زيارة المرفأ في المرة الأولى وحده دون رفيق لبناني، واستدعى زعماء الأحزاب إلى قصر الصنوبر و….
ولا يمكن أن نغفل ارتياح الكثير من اللبنانيين لهاتين الزيارتين لما فيهما من بارقة أمل لحلول قد تأتي من الخارج بعد حصار العالم للبنان وعزله لفترة طويلة. خصوصاً وأن هذه الزيارة تأتي بمباركة أوروبية وتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك كان لمقدم الرئيس الفرنسي ارتياح رسمي كبير بالإضافة إلى الارتياح الشعبي علّه يكون باكورة الانفتاح الغربي خاصة على البيت اللبناني المتهدمة أركانه اقتصادياً ومالياً وسياسياً واجتماعياً، كما أن الانفجار الكارثي في المرفأ عمّق أكثر من هول المعاناة.
على أن كل ذلك لا يبرر خنوع بعض زعمائنا الأبرار الذين استدعاهم الزائر إلى قصر الصنوبر ليجتمعوا من حوله طائعين سامدين، يتلقّون أوامره برضى عجيب، ويتقبّلون تهديداته برحابة صدر فائقة، ويجيبون عن أسئلته بسعادة وحبور وكأنهم يسعون لكسب مرضاته أياً كانت الوسيلة والغاية، إنه لمشهد غريب غريب ولا نقول أكثر من ذلك.
والعجيب في الأمر أن كل أوامره كانت مطالب بديهية يتفق عليها الحاضرون ولا يحتاجون طرفا آتياً من البعيد ليضفي مباركته لها، مثل الإصلاحات في القطاع الكهربائي والقطاع المصرفي والتدقيق في البنك المركزي ومكافحة التهريب و… وليختم مطالعته وهو ينذرهم بأنه آت إلى لبنان بعد شهور قليلة وأنه يترقب تشكيل الحكومة في خمسة عشر يوماً وتنفيذ الإصلاحات في ثمانية أسابيع، وإلا فالعقوبات لا شك قادمة على كل من لا يستجيب، والمساعدات لن تأتي أبداً.
وقد خاب أمل بعض السياديين عندما رفض ماكرون الحديث في بحث سلاح حزب الله معتبراً أن الأولوية تكمن في مكان آخر، كما دافع عن الحزب- مضطراً- بأن الحزب يتمتّع بجمهور عريض انتخبه، كما هناك من الأحزاب من يشكّلون معه حلفاً صريحاً في الجسم السياسي اللبناني، وبالتالي فإنه لم يعارض مشاركة الحزب في الحكومة الجديدة. كما رفض أي نوع من الانقلابات السياسية أو إعادة الانتخابات أو التطرّق لقضية الحياد المستجدّة لأنه لا يريد الخوض في أمور خلافية يصعب حلّها راهناً والأولوية في معالجة ما يعاني منه البلد.
لا يمكن لوم الرئيس الفرنسي على تصرفاته العنجهية، سواءً ما كان في شكلها أو المضمون والتي تدلّ على الفوقية التي يشعر بها تجاه بلد ضعيف، لكن اللوم يقع على أولئك الذين تزعّموا الناس عقوداً طويلة وأفقروا البلاد سرقةً وفساداً وتدميراً، ففقدوا احترام الوافد الزائر، كما غيره من الوافدين الذي لم يأتمنوهم على المساعدات العينية والمالية، كما أربكوا البلد باختلافاتهم وصراعاتهم بسبب الأطماع الشخصية والفئوية، فلم يتفقوا على ما يعتبر بديهياً في القضايا التي تصبّ في مصلحة الناس، وينتظرون، كما انتظروا منذ سنين طوال، الإملاءات الخارجية والأوامر المباشرة للقبول أو الرفض. ما فعله الرئيس الفرنسي أنه عرّى أكثرهم وأرى جمهورهم مدى الضعف والخزي والخنوع الذي يعيشه زعماؤهم. فهل من معتبر؟ وهل من محاسب؟ وللأسف فإن الإجابة لن ترضي السائل ولا من يسألون.  

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى