كتب حلمي موسى من غزة:
قبل أن يكمل أحد قراءة رد حماس على مقترح باريس، انطلقت إسرائيل، وأمريكا من خلفها، في حملة لإبطال أي مفاعيل إعلامية أو سياسية لهذا الرد. وكان واضحا أن جانبا هاما في هذه الحملة يرمي إلى تركيز الأنظار على “رفض” حماس المشكوك فيه للمقترح وليس إلى رفض إسرائيل المطلق له.
وهكذا اعتبر قادة إسرائيل أن رد حماس يعني رفض المقترح رغم أن الوسطاء والكثير من دول العالم قرأته على أنه يشكل “تقدما” ولو طفيفا في المواقف. وكان جليا أن سبب الحملة الإسرائيلية هو تركيز رد حماس على الوقف التام للحرب وعودة النازحين وانسحاب القوات الغازية، فيما تريد إسرائيل التركيز فقط على تبادل الأسرى، وفقط وفق الاشتراطات الإسرائيلية.
والواقع أنه وقبل الخوض في معنى ومغازي الحملة الإسرائيلية على رد حماس، من المهم معرفة حقيقة موقف نتنياهو وأغلب حكومته من صفقة التبادل ومكانتها في نظرهم. وليس أفضل في هذا السياق من عرض رأي مذيع ومقدم برامج إسرئيلي مشهور هو غاي بيلغ. فقد اعتبر بيلغ في برنامجه الإذاعي أن صفقة التبادل لن تتم لأن القائمين عليها، وفي إسرائيل، لا يريدونها، وأن إشغال الجمهور الإسرائيلي بها “إهانة للجمهور”. واستهل برنامجه بالإعلان عن أن المفاوضات “المحمومة لتبادل الأسرى ربما تكون مفيدة لتبديد الضغط الشعبي”. وهاجم بشدة المنشورات التي تتحدث عن الاتصالات الخاصة بالصفقة. وزعم بيلغ أنه لا يتوقع حدوث أي تقدم بسبب الشروط المفرطة التي تفرضها حماس. وفي مقدمة كلامه قال: “أقول ذلك بألم وحذر – في رأيي، شروط الصفقة النهائية مع حماس واضحة. الدراما، والترقب، والمفاوضات المحمومة، كل هذه الأمور هي أمور واضحة.. ربما يكون من الجيد تبديد الضغط الشعبي، لإعطاء الانطباع بأن كل شيء يتم ويجري القيام به لإطلاق سراح المختطفين”.
وأضاف: “بالتأكيد الترقب والدراما مفيدان لزيادة نسبة مشاهدة نشرات الأخبار، لكن في رأيي لن يغيرا النتيجة النهائية”.
وشدد على أن “حماس لن تفرج عن جميع المختطفين، إلا مقابل إطلاق سراح العديد من القتلة، مئات أو آلاف، قتلة حقيرين. وفوق كل شيء، وهذا هو التأكيد، مقابل وقف نهائي وكامل للأعمال العدائية”.
بعد ذلك ادعى: “إنهم لا يتوقفون عن بيع الوهم للجمهور. السنوار لن يتخلص من سلاحه الرئيسي، المختطفين، وإذا تخلى عنهم، فإنه يبقى مكشوفا أمام آلة الحرب الهائلة للجيش الإسرائيلي. . أنسوا أمره. المعضلة واضحة ومعروفة منذ ليلة 7 أكتوبر. والباقي هو ما نراه.”
وهنا وصل لبيت القصيد: “لسوء الحظ، لا أرى إمكانية للتوصل إلى مثل هذه الصفقة مع هذه الحكومة، مع رئيس الوزراء هذا الذي ترتيب أولوياته واضح في رأيي. ولا يخطئن أحد، إن الإطاحة بحكم حماس ليس هدفه الرئيسي. الهدف هو: تعزيز حكمه بالهروب من المسؤولية، ولهذا لم أقضم أظافري تحسبا لنشر رد حماس، وأنا لست متوترا الآن من الرد الإسرائيلي”.
وفي النهاية قال بيلغ: “أدركت أن النضال من أجل تحرير المختطفين من المتوقع للأسف أن يفشل. سيتم إلقاء اللوم عليهم جميعًا في النهاية: الجيش الذي لم يساعده الضغط العسكري ولم يقدم البضاعة القاتلة”. حماس التي لم تكن مهتمة بالصفقة. هو وحده الذي سيسعى إلى التحرر من المسؤولية عن الكارثة الرهيبة التي حدثت تحت قيادته، الكارثة التي تستمر مع الموت البطيء”.
في إسرائيل يفهمون منذ وقت طويل أن نتنياهو وأغلب حكومته وقيادة الجيش يناضلون طوال الوقت ضد صفقة التبادل حتى ضد الهدن الأولى. ولكن لأن الهدن الأولى كانت انسانية الطابع لم يجرأوا طويلا على معاندة أمريكا فيها بل وحاولوا عرقلتها مرارا. وبعد كل هذا يمكن فهم الموقف المعلن للقيادة الإسرائيلية من رد حماس.
ومن المهم القول إن الموقف الرسمي لإسرائيل من رد حماس سيتقرر في جلسة تعقد مساء اليوم للمجلس الوزاري الأمني السياسي الذي يعتبر كل من سموتريتش وبن جفير قادة الرأي فيه. ومع ذلك لم يوفر نتنياهو رده يوما وأصر على إطلاقه مساء الأمس في موعد النشرات الاخبارية الرئيسية في محطات التلفزة الإسرائيلية. وسبقه إلى تبيان موقفه وزير الحرب يؤآف غالانت الذي أعلن وخلال زيارة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن: “لقد تمت صياغة رد حماس بحيث ترفضه إسرائيل. موقفهم سيؤدي إلى استمرار الحرب، وإرسال قواتنا إلى أماكن أخرى في غزة”.
وقال نتنياهو: “لقد بدأنا عملية تاريخية وعلينا أن ننهيها بانتصار ساحق”. وأضاف :”التقيت أمس بالمنتدى البطولي لمنظمة العائلات، وهم أعطوني كتيبًا تذكاريًا بعنوان “في موتهم أمرنا بالنصر”، لم يسقطوا عبثًا، جئت الليلة لأقول لك شيئًا واحدًا – نحن في طريقنا إلى النصر الكامل وهو في متناول اليد. ليست مسألة سنوات بل أشهر. الجيش الإسرائيلي يصنع العجائب “..”إن جيش الدفاع الإسرائيلي يتقدم بشكل منهجي لتحقيق جميع الأهداف القتالية التي حددناها له. منذ البداية قررت أن النصر الكامل هو هدفنا، ولن نقبل أي شيء أقل من ذلك. عندما كنت اخدم في سييرت متكال، كان هناك مثل يقول لا تعود حتى تنفذ حكم الإعدام. اليوم أسمع من المقاتلين أنهم لن يعودوا قبل أن ينتصروا. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع ما أخبرنا به كثيرون في المجتمع الدولي بأن هذه الخطوة لن تنجح، وأنه سيكون من الخطأ دخول مدينة غزة، لأننا لن نكون قادرين على تطهير مقر حماس دون قتل آلاف المدنيين. “
وفي مواجهة التحذيرات الدولية والامريكية من مغبة مهاجمة رفح نظرا لأعداد النازحين الهائلة فيها قال نتنياهو: “أصدرنا تعليمات للجيش الإسرائيلي بالعمل في رفح والمعسكرات الوسطى، آخر معاقل حماس. وسيسمح الجيش الإسرائيلي للسكان بالمرور الآمن وفقا للقانون الدولي”.
ولا بد من الإشارة لحقيقة أن كلام نتنياهو في مؤتمره الصحفي كان بالغ الشدة تجاه ما يريده لغزة في اليوم التالي ،وهو على النقيض التام مما يفكر الوسطاء أو أمريكا ،ويدلل على أن بانتظار الأمريكيين عراقيل جمة قبل أن يوصلوا الطرفين إلى نقطة التقاء.