رأيسياسةمحليات لبنانية

صحوة الجريمة في لبنان:المطلوب موت البطل بصمت (أحمد عياش)

 

بقلم د.أحمد عياش

لمن يسأل عن الجريمة وعن كثرتها ويستغرب ويستاء ،عليه ان يعرف ان من المفترض ان تكون الجرائم اكثر بكثير، وان تكون الشوارع خطوط تماس بين عصابات بؤس احتيال ومكر ،وبين عصابات ردات فعل على وضع اجتماعي مزر  وعصابات مدفوعة الأجر.

كان المتوقع علميّاً ان تزدحم المدن باعداد القتلى، الا ان توازنات الرعب المخيفة بين الناس جعلت القاتل يخاف من القتيل ومن اقرباء القتيل ومن حماة الشوارع من احزاب ومن مخبرين للقوى الامنية.

منذ الانحدار الاول بالمستوى المعيشي لجأت بعض الدول وبسرعة قصوى لدعم القوى الامنية والجيش ،ليس حبّاً بالتبرعات وبالهبات وبالمساعدات، انما  لضمان  سقوط البلاد بصمت وبهدوء وبعدم ازعاج الدول البعيدة بقوافل هجرة وبعدم فلتان الامور الى حد تهديد الحدود الشمالية للعدو الاصيل.

المطلوب موت البطل بصمت.

اختناقا.

سحق الفدائي اللبناني اينما كان من دون ازعاج.

الجريمة سمة وصفة انسانية وامر وحالة طبيعية ،بل غيابها واختفاؤها امر مستغرب وحالة غير طبيعية.

العنف واستخدام الشدة والمكر والقتل والافتراء والكذب والاحتيال والسرقة، صفات انسانية كانت وستبقى وستدوم، وما السعي للتخلص منها إلا وهم عند الفلاسفة ووعود المتدينين بعالم آخر غيبي يدعى الجنّة.

في كل واحد منّا ينام قاتل فلا توقظوه.

من يراقب ارتفاع حدة حالة البؤس ومستوى الجريمة يدرك ان المشهد غير طبيعي. فالمفترض ان تكون الجريمة في مستويات عالية جداً.. الا ان ذلك لم يحصل .

لم يحصل ليس لأن اللبنانيين اكثر انضباطا واكثر اخلاقا واكثر ايماناً من الشعوب الاخرى ،لا بل لأن المتآمرين على البلاد يتقنون فنّ الخنق والقتل الهادىء اللطيف. فالقوى الامنية والقضاء يلقون القبض سريعا، وسريعا جدا، على اي مخل بالامن وبتوازن الشارع، ويتجاهلون من قتل وسرق الدولة بأمها وبأبيها ،وذلك لان القوى السياسية المسيطرة على الدولة متفقة على التناحر في ما بينها، شرط عدم الاخلال بأمن الشوارع.

مسموح اللكم والركل على كل مناطق الجسد الا على المناطق المحرّمة والحساسة.

ممنوع .

 

ويسأل بعضكم :لماذا هنا مسموح التقاتل بلؤم وهناك لا؟

لن تدمر العصابات الحاكمة من احزاب ومن اقتصاديين ثرواتها في البلاد. فأي خلل امني سيكونون هم اوّل الخاسرين لمصالحهم.

مصالح الحاكمين في الشارع.

مَن المفترض ان يخرّبوا وان يشاغبوا وان يقتلوا موجودين في الحكم وفي الشارع معاً، عكس ما حصل قبل اتفاق الطائف ،حيث كانوا في الشوارع فقط ،أما الان فهم في الدولة وفي الشوارع ..هم السلطة وهم المعارضة.

هم القاتل وهم القتيل.

هم مفجرو المرفأ وهم الضحايا.

هم القادة وهم الجماهير.

هم من يتسبب بالعتمة وهم من ينيرون البيوت عبر مولدات كهربائية.

هم المعبد وهم الكهنة وهم المصلّون وهم رافعو الدعاء وهم المتسوّلون وهم فاعلو الخير في آن واحد.

هم الآلهة وهم شياطينها.

ممنوع انتشار الجريمة الى معدلات خطيرة ،لأنه ممنوع ان تفلت الامور امنيا عند حدود العدو الاصيل وعند الحدود الجنوبية والشرقية للاتحاد الاوروبي.

مسموح الخنق بلطف وببطء شديد، والموت قهرا بجلطات مالية قلبية وبانفجارات مصرفية دماغية.

مسموح التسوّل والدعارة والتهريب والتسلبط والغرق في البحر والموت في الخفاء في البيوت، ومسموح النحيب وتشييع الموتى، كما هو مسموح ان ينتصر من يريد ومن يهوى الانتصارات، انما ممنوع لمس حدود الاتحاد الأوروبي، وممنوع اطلاق رصاصة واحدة على حدود العدو الاصيل.

وممنوع رمي حجر على منصة “انرجي توتال” في البحر.

الجريمة بخير.. والجريمة صفة إنسانية، فالحيوانات لا تغتال بعضها، ولم يُعرف عنها ممارسة التعذيب قبل الاجهاز على الطريدة، ولا يُعرف عنها انها تضحك قبل التهام الفريسة ،ولم يخبرنا احد في عالم الحيوان ان النمر بنى قصرا وان التمساح احتل ضفة نهر، وان الاخطبوط سيطر على املاك بحرية، وان الثعلب نصّب نفسه حاكما مركزيا في الغابة، وان القرود تزعمت عصابات احزاب فاشلة اودت بالغابة الى الهلاك باسم التقدّم والتطوّر.

الحيوانات لا تحرق الغابة التي تعيش فيها.

وحدهم اللبنانيون يحرقون اوطانهم وهم يغنون ويسرقون ويرقصون.

الحيوان لا يعرف الجريمة، فالجريمة حكر على الانسان.

معظم الجرائم الحالية يرتكبها حمقى غير متمرسين بفن القتل وادوات ومسرح الجريمة، لذلك لا تجد القوى الامنية صعوبة في القاء القبض عليهم.

يلقى القبض على المجرمين الاغبياء فقط.

الجرائم الذكية وراءها متمرسون في فنون القتل يبقون في امان..  واللبيب من الاشارة يفهم.

الحمد لله ..الجريمة بخير!!

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى