رأي

شرق اوسط جديد.. ولكن ليس برؤية اميركية -اسرائيلية (جواد الهنداوي)

 

        د. جواد الهنداوي  – الحوار نيوز

         اكثر من ثلاثة عقود من الزمن ( ١٩٩٠ – ٢٠٢٢) ،مارست خلالها الولايات المتحدة الاميركية سياسات خارجية مُجرّدة من الثوابت الدولية والاخلاقية والدبلوماسية والقيم ، وتجسّدت بحروب غير شرعية وبتدخلات غليظة وناعمة في شوؤن الدول ومصائر الشعوب ، أدّتْ الى ظهور جماعات مسلّحة وارهابية ،مارست الجرائم والاعتداءات و سرقة الثروات والاثار في العراق وسوريا ولبنان واليمن ( للاستزادة في موضوع السياسة الخارجية الاميركية خلال تلك الفترة ، انظر كتاب ” القناة الخلفية ” للسيد وليم بيرنس ، سفير سابق ،رئيس وكالة المخابرات الاميركية حالياً ،الكتاب صَدَرَ عام ٢٠١٩ ، عن دار النشر نيو روندم هاوس الاميركية ).

 ما يشهدهُ المسرح السياسي الدولي و الاقليمي و العربي هو نتائج لتلك السياسات الفاشلة ؛ انحسار للنفوذ الاميركي في العالم و في المنطقة ، و ما بقي لاميركا من نفوذ قائم و مؤثر ، ليس بفضل الردع العسكري او الدور الدبلوماسي ،وانما بفضل الدولار ، و سياسة فرض العقوبات و الحصار والتجويع ؛ صمود دول و حكومات وحركات سياسية مقاومة ،سعتْ اميركا و اسرائيل لتجزأتها و سقوطها و الغائها من المشهد السياسي و الجغرافي في المنطقة ؛ تحررّ دول المنطقة من سياسة أميركا ،التي تميّزت خلال العقود الثلاث المنصرمة بالغطرسة و فرض الاملاءات و الابتزاز والمغالاة في دعم اسرائيل وخططها بالهيمنة . اصبحت دول المنطقة ،قادتها وشعوبها ، قادرة على الافصاح علنا برفضها لسياسة ازدواج المعايير الأميركية ولسياسة أميركا بالدعم اللامحدود لاسرائيل . اعلان دول مجلس التعاون الخليجي ، الصادر بتاريخ ٢٠٢٣/٣/٢٦ ، بإرسالها خطاباً الى وزير خارجية أميركا ،تنّدد فيه بتصريحات وزراء في الحكومة الاسرائيلية المتطرفة ،الناكرة لوجود الشعب الفلسطيني ، والداعية الى محو بلدة حوارة الفلسطينية ، يبيّن رفض هذه الدول للسياسة الاميركية الداعمة لاسرائيل . و تحمّل دول مجلس التعاون الخليجي في الرسالة وزير خارجية أميركا المسؤولية بالرد على التصريحات و التهديدات الاسرائيلية التي تستهدف قتل وتشريد الفلسطينين .

     بيان مجلس التعاون الخليجي ،المنّدد بالتصريحات الاسرائيلية ، والداعي أميركا لتحمّل مسؤوليتها ،هو مِنْ مؤشرات وبوادر ولادة شرق اوسط جديد ؛ شرق اوسط جديد ولكن ليس برؤية السيدة رايس،وزيرة خارجية أميركا السابقة ، والمروّجه ” لشرق اوسط جديد ” عماده هيمنة اسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية.

   انفقت أميركا من المال ،وبذلت من المساعي و الجهود من اجل شرق اوسط تتجّزأ دوله الى كانتونات ، و تصبح اسرائيل هي المهيمنة .فشلت أميركا في ذلك ، وفقدت كثيراً من نفوذها و مكانتها ومصداقيتها لدى الخصوم والحلفاء والاصدقاء .

  نحن الآن ( دول وشعوب المنطقة ) على اعتاب ” شرق اوسط جديد ” عنوانه امن واستقرار وازدهار المنطقة ، ونجاحه قائم على ادراك قادة وشعوب المنطقة عامليّن او حقيقتيّن استراتيجيتيّن :

  • الحقيقة الاولى هي اهمية العامل الجغرافي في تحديد مصائر الدول والشعوب ، وضرورة اولوية العامل الجغرافي في رسم السياسة الخارجية وشبكة العلاقات الدولية . لايمكن الاستمرار في علاقة توتر او في حالة حرب بين هذه الدولة او تلك وبينهما حدود مشتركة وعلاقات على مختلف الصعد .
  • والحقيقة الثانية هي تمّردْ اسرائيل على كل الثوابت والمبادئ التي تحكم دول وشعوب المنطقة ؛ لم تكتفْ اسرائيل بأحتلالها لفلسطين واراض عربية اخرى ،ولم تكتفْ بتوسعها الاستيطاني ،ولمْ يعدها الى الصواب اتفاقات السلام الابراهيمية ،بل بدأ قادتها يطالبون وعلناً بإبادة لقرى ومدن فلسطينية ، الامرُ الذي يكشفُ وبوضوح بأنَّ هذا الكيان يموت ليس بالحرب وانما بقوة الردع او بالسلام .

  ادركت دول المنطقة بأنّ يد السلام التي مُدت لاسرائيل زادها عداء تجاه الشعب الفلسطيني و حقوقه المشروعة و فقاً للشرعية الدولية ، و أنَّ ما يهّمُ أميركا ليس سلام وامن واستقرار المنطقة ، وليس مصالح دول و شعوب المنطقة ، وانما نفطها وثرواتها واسرائيل .

   الشرق الاوسط الجديد وبرؤية عربية و اقليمية ( ايران ،تركيا ) ينشدُ السلام ويبني دعائم امن حقيقي للمنطقة وسيساهم في امن واستقرار العالم .

 *          سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل  

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى