إغترابمنوعات

سيراليون في البال:جميل أن يكون لك وطنان(واصف عواضة)

 

  واصف عواضة – فريتاون – سيراليون

غبت عن سيراليون ست سنوات متواصلة.كانت آخر زيارة لي في العام 2016،وقد اعتدت أن أحل فيها قبل ذلك، ربما سنويا ، منذ العام 1986،وأكتب عنها وعن تاريخها وأحداثها وشعبها والمغتربين اللبنانيين فيها.

لقد أحببت هذا البلد الواقع في غرب القارة الإفريقية، ولي فيه أقارب وأنسباء وأصدقاء أمضوا ثلاثة أرباع أعمارهم في تلك الأرض البعيدة،وبعضهم ولد وعاش فيه وما يزال.وقد أحببته أكثر منذ حمّلني رئيس سيراليون الحالي “جوليوس مادا بيو” في العام 1996 ،أمانة أن أكون واحدا من مواطنيها ،حيث منحني الجنسية السيراليونية ، وصار لي وطن ثان يشرفني الإنتماء إلى شعبه الطيب.

منذ ذلك الحين مرت سيراليون بظروف صعبة وحروب ضروس،تماما كما وطني الأول لبنان.لم يتغير علي الكثير.جربت اللجوء إليها وعائلتي غير مرة،لكن مسقط رأسي كان يشدني للعودة ،حيث كانت لوثة الصحافة والإعلام تسرقني الى مهنة المتاعب.

أعود اليوم إلى سيراليون بعد ست سنوات في رحلة إستغرقت  25 ساعة عبر إسطنبول ،فقط لأن رئيس طيران الشرق الأوسط لم “يركب مزاجه” على تخصيص ولو رحلة أسبوعية بين العاصمتين، على الرغم من المراجعات والوعود الكثيرة التي قطعت.  فالرحلة الجوية بين بيروت وفريتاون مباشرة لا تستغرق أكثر من سبع ساعات،وعلى المغتربين اللبنانيين في سيراليون الذي ينوف عددهم على 15 ألفا أن يتحملوا هذه المشقة في حلهم وترحالهم إلى الوطن.

في أي حال يستوعب المغتربون اللبنانيون في إفريقيا مشاكل وطنهم الأم.فقد جاؤوا إلى ” مجاهل إفريقيا” في الماضي سعيا وراء الرزق بعدما حرمهم الوطن من أبسط حقوق العيش الكريم .لكن إفريقيا لم تعد”مجاهل” بفضل جهدهم وتعبهم ومساهماتهم وتضامنهم مع أخوانهم الأفارقة.صار وطنهم الذي سرق تعبهم ،”مجاهل” في كل المجالات:في السياسة ،في الخدمات،في الاقتصاد ،في الطبابة والاستشفاء،في الضمانات..إلى آخر المندوحة.

مع ثلة من أبناء الجالية اللبنانية وبينهم قنصل سيراليون في لبنان السيد هاشم هاشم

كل شيء اليوم  في سيراليون  التي عايشتها نحو أربعة عقود،يذكّرك آسفا بواقع لبنان:الكهرباء هنا  24 على 24 في المدن والبلدات الرئيسية والعمل جار بنشاط لإيصال التيار الى جميع القرى النائية،الأنترنت بسرعة تلبي كل احتياجاتك،المواد الغذائية والطبية متوفرة بشكل لافت،الطرق الرئيسية فسيحة لدرجة مريحة،المياه تتدفق بغزارة إلى المنازل،الزراعة ناشطة من جديد بعد ركود طويل.لا يعني هذا أن كل شيء  على ما يرام ،فأنت في بلد غني بالثروات الطبيعية التي تتصارع على استغلالها دول كبرى ،لكن المسؤول هنا حريص على بلده ويحاول قدر المستطاع دفعه إلى الأمام.

خلال السنوات الخمس الماضية عمل الرئيس مادا بيو على محاربة الفساد والفاسدين ، واستعاد الكثير من الاموال المنهوبة،وهو الذي قام بانقلاب عسكري عام 1996 ،ونظّم انتخابات رئاسية لم يترشح لها( ظاهرة نادرة في تاريخ الانقلابات العسكرية)  ،وغادر البلاد طلبا للعلم والمعرفة ،وعاد بعد عقدين من الزمن حالما بتطوير بلده وتحسين أحوال شعبه واستطاع أن يتولى من جديد قيادة البلاد ديموقراطيا وبالانتخاب.

الرئيس مادا بيو

نعم الديموقراطية في معظم “مجاهل إفريقيا” باتت حقيقة ،ولم تعد هشّة كما هي في لبنان وبعض دولنا العربية.النظام في سيراليون رئاسي مركزي ،حيث تجري الانتخابات كل خمس سنوات ،ويتم تداول السلطة بشكل طبيعي. معظم الدول الافريقية ال 54 ودعت الانقلابات العسكرية ،بعدما اتخذ الاتحاد الافريقي قرارا بعدم الاعتراف بأي سلطة عبر الانقلاب العسكري. صار الافارقة ينتظرون الانتخابات بشغف.

بين سيراليون ولبنان حكاية طويلة عمرها من عمر الاغتراب اللبناني .. في نهايات القرن التاسع عشر جاء اول لبناني الى سيراليون من بلدة “رحبة” في عكار. وتوالت الهجرات الى هذا البلد ،ومعظمهم من عكار والجنوب ،ففاضت الجالية اللبنانية عن الثلاثين ألفا في بعض الاحيان .تاجروا وعمّروا وبنوا واسهموا في نهضة البلاد ،فصاروا قبيلة جديدة من قبائل سيراليون،وصار الافارقة يتندرون ويعرّفون عنهم  بقبيلة “اللِمبانيز” نسبة الى قبيلة “اللِمبا”(إحدى قبائل سيراليون الصغيرة)  .نسجوا علاقات حميمة مع قادة البلاد وشعبها ،وتجنس الكثيرون منهم ،واصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي السيراليوني،لكنهم ككل مغتربي افريقيا ،بقي ارتباطهم وثيقا بالوطن الأم .. ولولا مساهماتهم ومساعداتهم لكانت معاناة اللبنانيين المقيمين في زمن الانهيار الحالي اشد قسوة ومرارة.

يحفظ ابناء الجالية بكثير من الوفاء فضل سيراليون عليهم .ويحفظ السيراليونيون بكثير من العرفان دور اللبنانيين في نهضة البلاد وتطور اهلها. الرئيس مادا بيو يحب لبنان ،وقد زاره اكثر من مرة،وآخر زيارة امتدت نحو شهر .هو يتحضر في هذه الايام لخوض الانتخابات  وتجديد ولايته لخمس سنوات أخرى،حيث تجري الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران المقبل. كل المؤشرات ترجح التجديد له ،نتيجة الإنجازات التي حققها لسيراليون خلال السنوات الماضية.

 في المناسبة تقع سيراليون على الساحل الجنوبي الغربي لغرب إفريقيا. تحدها ليبيريا من الجنوب الشرقي وغينيا من الشمال الشرقي. تتمتع بمناخ استوائي مع بيئة متنوعة تتراوح بين السافانا والغابات المطيرة، وتبلغ مساحتها الإجمالية 71,740 كيلومتر مربع  ،ويبلغ عدد سكانها نحو 8 ملايين نسمة .عاصمتها وأكبر مدنها  فريتاون. وتنقسم الدولة إلى خمس مناطق إدارية مقسمة إلى ستة عشر منطقة.وهي جمهورية دستورية لها برلمان من مجلس واحد، ورئيس يتنخب بشكل مباشر.

حصلت سيراليون على استقلالها عن المملكة المتحدة في 27 نيسان /أبريل 1961. شاطئها يمتد على مسافة 360 كيلومترا ويتميز بجماله الأخاذ وهدوء أمواجه على امتداد المحيط الأطلسي.غنية بالثروات الطبيعية ،ومنها الألماس الذي يعد الأجود في العالم.تكسوها الغابات بشكل كامل ،وتتعدد فيها الأنهار والجبال.

 

منذ العام 1986 زرت سيراليون كثيرا ،وفي كل مرة كنت أحبها أكثر .هي دائما في البال.. جميل أن يكون لك وطنان !!

فريتاون – 14 تشرين الثاني 2022

شجرة القطن المعمرة رمز فريتاون العاصمة
من العاصمة فريتاون
بائعو الأسماك على شاطئ فريتاون
شاطئ فريتاون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى