العالم العربيرأيسياسة
سوريا:الإنتصار بدل الإنهيار(د.جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
بالرغمْ من التحولات والتغيّرات الدولية الاستراتيجية، التي شهدها العالم ، وفي جميع الميادين ، وبالرغم مِنْ الحرب الكونيّة التي استهدفت سوريا دولةً و شعباً ، حافظت جمهورية سوريّا العربيّة على مسارها السياسي ،و تمسّكت برؤيتها الاستراتيجية تجاه علاقاتها السياسيّة عربياً واقليمياً و دولياً : رؤية قائمة على الصمود و على النضال من اجل الحفاظ على الدولة وعلى تحرير اراضيها المُحتلة و هضبة الجولان ،وعلى رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني و على دعم حقوق الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة. التمسّكُ بهذه الرؤية فرضت على سوريّة الارتباط مصيرياً و استراتيجياً بروسيا و بايران ، والتفاعل سياسياً و ميدانياً مع حركات وفصائل المقاومة في المنطقة ، والتي اصبحت( و اقصد حركات و فصائل المقاومة ) قُوّة عسكرية رادعة ، ويُحسبْ لها استراتيجياً. وسيادة هذه الرؤية و تطبيقها حققّت لسوريّة انتصار سياسي عربي و اقليمي و دولي .
مثلما اشتركت روسيا وايران وفصائل و حركات المقاومة في تحقيق انتصار سوريّا ، تُشاركُ جميع هذه الفواعل سوريّا نتائج الانتصار ؛ ومِنْ نتائج الانتصار الزخم المعنوي و الاستعداد التعبوي الذي تعيشه سوريّا و حلفاؤها ، وزيارة الرئيس بشار الاسد لدولة الامارات العربية المتحدة ،بدعوة رسميّة منها قبل ايام ، شاهدٌ على ذلك . والزيارة تُعّبر ليس فقط عن رغبة و ارادة الامارات ، وانما عن رغبة و ارادة الدول الخليجية ( باستثناء قطر ) ، وامريكا و الغرب و كذلك اسرائيل .
لم تتمْ الدعوة و الزيارة دون تنسيق وتبادل آراء بين الامارات وحلفائها او اصدقائها المعنيين في الدور السوري ، وفي مقدمة هولاء اسرائيل و امريكا .لم تكْ سورّيا بحاجة الى اعادة تأهيل ،من خلال هذه الزيارة ، بقدر ما كان للأخرين حاجة لمناقشة دور سوريّا في المنطقة ، و بهذا الخصوص ، ما يهّمْ امريكا و اسرائيل هو علاقة سوريّا و ايران ، وعلاقة سوريّا وحزب الله ، و موقف سوريّا و رؤيتها المستقبليّة تجاه اسرائيل اليوم و في ظّلْ التطبيع الجديد ، لذلك جاءت اول دعوة للرئيس بشار الاسد من قبل دولة الامارات ،المُطبّع الجديد و العميق ، والذي تربطه علاقات استراتيجية مع أيران ( حليف سورّيا ) و مع اسرائيل ( عدو سوريّا ) . ايّ ،بمعنى آخر ، كانت و لاتزال ، دولة الامارات المؤهَلْ الوحيد و المناسب لدعوة الرئيس بشار الاسد ، أمّا تصريح المتحدث الرسمي للخارجية الامريكية سام ساموئيل ، والذي يعرب فيه عن خيبة امل وانزعاج كبير لاضفاء الشرعيّة على “نظام بشار الاسد” (حسب تصريح المتحدث الرسمي) فهو خلاف ما تريده امريكا ، ويندرج في سياسة تضليل الراي العام والنفاق و ذّر الرماد في العيون .
امريكا و اسرائيل يدركان جيداً أنْ لا سلام مع اسرائيل ولا حّلْ لقضية اسرائيل ( وليس قضية فلسطين ) دون سوريّا ، وعزاؤهم أنَّ سوريّا بقيت في رعاية الاسد وحلفاء الاسد ، و للرئيس الاسد استحقاقات في ذمتهم . اول هذه الاستحقاقات وأيسرها تنفيذاً هو رحيل القوات الامريكية المتواجده في شمال سوريا ، والتي تقوم برعاية ما تبقى من الدواعش و بتأمين سرقة وبيع النفط السوري ، يليها في الاستحقاق انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان .
بالمقابل ، تنتظرُ اسرائيل من سوريّا الاستغناء عما بقي من مقاتلين من حزب الله و فصائل المقاومة الاخرى ، ومن مستشاري الحرس الثوري الايراني ، واعتراف سوري باسرائيل وبتوقيع اتفاق سلام . لسوريّا مصلحة كبيرة في تعزيز قدراتها العسكرية و الدفاعية الميدانية بالتمسّك بتواجد مقاتلين من فصائل المقاومة ، ومن الحرس الثوري الايراني ،اكتسبوا خبرة قتال الشوارع و معرفة بجغرافية سوريّا ، وبتواجد قواعد عسكرية روسيّة، لأنَّ سوريّا تواجه ثلاث قوات مُحتّلة ؛ احتلال اسرائيلي و احتلال امريكي واحتلال تركي ، وتجمعهم اهداف مشتركة وتنسيق عسكري و سياسي .
انتصار سوريّا وحلفائها على الارهاب و على التآمر الامريكي الاسرائيلي ،مكّن روسيا من التفرغ لمواجهة المخطط الامريكي و الناتوي على حدودها ، ومن بوابة اوكرانيا .لم يبدأ الرئيس بوتين حملته العسكرية في اوكرانيا الاّ بعد تأمينه الانتصار في سوريّا ، وتيقنّه من ضعف امريكا و عدم اكتراثها بملفات منطقة الشرق الاوسط بالقدر الذي كانت عليه قبل عقديّن من الزمن .
انتصار سوريّا وقوة حزب الله ودعم ايران العسكري و دعم روسيا السياسي عوامل أسّستْ رادعاً لاسرائيل وكذلك لامريكا من شّنْ حرب في المنطقة، والاستفراد بلبنان او بسوريا او بأيران.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل