حسن علوش – الحوارنيوز
مساحة من نور وإيمان رسمتها الفنانة سمية بعلبكي خلال افتتاح مهرجانات بعلبك الدولية أمس على مسرح معبد باخوس .
هو نور في زمن الظلمة التي تلف البلاد والشعور بالخيبة واليأس، وهو إيمان بلبنان وبتراثه وهويته في زمن صار البحث عن هويات أخرى أمر مباح والمجاهرة والمفاخرة بالتخلي عن هويتنا تجارة مربحة.
” مهما يمر عليّ من محنٍ عيناك باقيتان لي وطني”. صدحت بعلبكي بأغنيتها كرسالة تمسك بالقيم الأخلاقية قبل الفنية.
تألقت بعلبكي وأطربت آلهة المعابد قبل الجمهور الذي جاء من مختلف المناطق اللبنانية وبعضه من دول الاغتراب. تفوقت على نفسها بآدائها المنفرد ومع المجموعة والفرقة الموسيقية بقيادة المبدع لبنان بعلبكي.
سحر بعلبك جبلته أمس سمية بعلبكي بسحر الأداء النقي وصوت ماسي دخل مسارب الأعمدة الصامتة، حتى خلتها تتمايل مع مزيج من أغنيات: “قومي لعبن يا البنات”، “يا ظريف الطول”، “على دلعونا”، “عتابا وميجانا”، “عيناك يا ريم الفلا”، “يا غزيّل يا بو الهيبة”، “يسلم لنا لبنان”، “موال بلادي من السما”، “لالالاه عيني يا لالالاه، يا جمال بلادي يا جمالها”، “لح حلفك بالغصن يا عصفور”، “مهما يمر عليّ من محنٍ عيناك باقيتان لي وطني”، “إمرأة شرقية”، “على رمش عيونها”
وأنشدت بعلبكي قصيدة للشاعر طلال حيدر عن بعلبك محور الكون وحاضنة الجنة على الأرض “سهل البقاع” وفيها: و”بعل اللي كان بحبها ملبك، بدو هدية للشمس، عمرلها بعلبك…” وغيرها من الصور التي أجاد حيدر وأبدعت بعلبكي فكانت توليفة تليق بالمكان وبأهله.
وتخلل الأمسية مدلي رحباني مع الكورس: “أؤمن”، “إيماني ساطع”، “راجع بصوات البلابل”، وعودة لسمية مع “يمكن لأنك هيك حبيتك”، ومسك الختام مع الطرب الأصيل تحية لكوكب الشرق “أم كلثوم” وقصيدة الشاعر جورج جرداق “هذه ليلتي”.
وكانت “لجنة مهرجانات بعلبك الدولية” موسمها لهذا الصيف، بحفل غنائي لبعلبكي، برفقة المايسترو لبنان بعلبكي وجوقة “سيدة اللويزة” التي تضم 40 عازفا، وكورس مؤلف من 20 فنانة وفنانا.
أقيم الحفل على مدرجات معبد باخوس في قلعة بعلبك الأثرية، برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلاً بوزير السياحة في حكومة تصريف الاعمال وليد نصار، الذي مثل أيضاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وفي حضور وزراء الإعلام والثقافة والاتصالات في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، محمد وسام المرتضى و جوني القرم، النواب: غازي زعيتر، ينال صلح وسامر التوم، محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، العميد محبوب عون ممثلاً قائد الجيش العماد جوزاف عون، وزراء سابقين، رئيسة اللجنة نايلة دي فريج، الفنانين عبد الحليم وعمر كركلا، الشاعر طلال حيدر، نائب رئيس بلدية بعلبك مصطفى الشل، وغصت المدرجات بحوالي 2200 من محبي الليالي اللبنانية.
وفي كلمتها الافتتاحية، أكدت دي فريج في كلمة الافتتاح أن “كل واحد منا مر خلال السنوات الأخيرة بأوقات عصيبة للغاية، سواء بسبب الأزمة الصحية، أو الانهيار الذي شهدته البلاد، أو الانفجار المروع الذي هز مرفأ بيروت ومحيطه. ونتيجة لذلك فقد الكثيرون منا رغبة العيش، لكن رغم ما حدث، يمكن لكل واحد منا، عائلة، مؤسسة، أن يجد في نفسه طاقة لإعادة الحياة يتشاركها مع الطاقة الإبداعية التي أردنا ان ننشرها من خلال الآخرين”.
وقالت: “هذه هي مهرجانات بعلبك، لنبقى صامدين. نعلم اننا لن نزيل البؤس الذي يحيط بنا، ولن نحل المشاكل الوجودية التي يتخبط بها البلد. نحن هنا، لإضاءة شرارة أمل، وإطلاق صرخة. والليلة ستعيد مطربتنا المتألقة سمية بعلبكي والمايسترو لبنان بعلبكي، يرافقهما العديد من الفنانين، إحياء تراثنا الموسيقي التقليدي الذي نتشبث به بقوة، ويوم الأحد سنلتفت إلى المستقبل من خلال تشجيع إبداع المواهب اللبنانية الشابة. وقد اخترنا فرقة الروك – بوب الناجحة أدونيس لتجسيد هذا الجيل الجديد. أما الحفلتين الموسيقيتين التاليتين ستجمعان معا تعابير فنية آتية من بلدان أخرى، لأن دورنا هو أيضا حماية الحوار وتنوع الثقافات”.
وتابعت: “لقد كانت بعلبك ومعابدها مهدا لمهرجانات الشرق الأوسط، ويجب أن تكتب لها الديمومة. وهنا أريد أن أشكر الراعي الاساسي للمهرجان شركة CMA CGM، وراعي هذه السهرة مؤسسة سعد الله ولبنى الخليل وجميع المساهمين الذين بفضل مساعدتهم نستطيع أن نفتتح اليوم مهرجانات بعلبك لموسم 2022 والشكر أيضاً لأهالي بعلبك لتعاونهم معنا”.
وأضافت: “لن نكون وحدنا من يطلق صرخة حب الحياة هذه، إذ أن العديد من البلدات والقرى في لبنان ستحيي مهرجاناتها أيضا ليتردد صداها إلى اللا نهاية، وكلنا أمل بأن تسمع كل هذه الأصوات من قبل أولئك الذين لديهم القدرة على إحياء الوطن”.
واستهل الحفل الذي تولت “الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب” إضاءة الطرقات المحيطة به وبالموقع الأثري بواسطة مولدين بددا بقعة من العتمة التي تلف أحياء مدينة بعلبك نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، بالنشيد الوطني اللبناني، وافتتاحية مع الجوقة والكورس برفقة “فرقة المجد” بقيادة مصمم رقصاتها الفنان المبدع خالد النابوش الذي امتاز بتنوع “كوريغرافيا” مشهدية لمدة 17 دقيقة، نهلت حركاتها من خوابي التراث البعلبكي المعتقة في أداء خطوات دبكة “الشمالية” و” العسكرية” المتكئة على طيف شيخ الدبكة “أبو يحيى” الذي لطالما رقص شارباه طرباً مع تمايل جسده المفعم بالحيوية، مع توليفة حداثة استنبطت رشاقة ميدانها مسرح باخوس.