زياد بارود يشرّح قانون الانتخاب الحالي وإشكالياته
الحوار نيوز – عن مجلة الأمن العام*
في كل دول العالم، تخضع القوانين كما الدساتير للتعديل بهدف التطوير وسد الثغر التي تظهر في خلال الممارسة، وهذا مقياس لتطور الانظمة ومجاراتها لكل ما هو جديد في عالم التحولات والاكتشافات المتسارعة التي تفرض قوانين تواكبها. من هذه القوانين ذات الاهمية الاستثنائية، قانون الانتخابات النيابية، باعتبار ان الشعب هو مصدر السلطات.
اقر مجلس النواب في حزيران عام 2017 قانونا نسبيا هجينا للانتخابات النيابية يجمع بين اللائحة المغلقة في 15 دائرة، والصوت التفضيلي الواحد ضمن القضاء (الدائرة المصغرة)، والفرز المذهبي لمقاعد المجلس الـ128 (نصفان: مسيحي ومسلم). هذا العدد المرتفع للدوائر نسبة الى الحجم الصغير للمجلس، يخفف من اثار النسبية المعتمدة فيه، فتصير في بعض الدوائر “اكثرية مقنعة”، لاسيما ان للمستقلين والقوى العلمانية شعبية موزعة جغرافيا وبين الطوائف، ولن ينالوا تاليا نسبا تخولهم من دخول المجلس النيابي في دوائر قسمت على اساس طائفي. كما ان النسبية في هذه الدوائر مبنية على حاصل انتخابي مرتفع (يجاور معدله العشرة في المئة)، ويحتسب بقسمة عدد المقترعين على عدد النواب. كل هذه التعقيدات اوجد لها الدستور حلولا، عندما اشار الى ان مجلس النواب يتألف من نواب منتخبین یكون عددهم وكیفیة انتخابهم وفقا لقوانین الانتخاب المرعیة الاجراء.
والى ان یضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القید الطائفي، توزع المقاعد النیابیة وفقا للقواعد الاتیة، بالتساوي بین المسیحیین والمسلمین، نسبیا بین طوائف كل من الفئتین ونسبیا بین المناطق، على ان تعتمد المحافظة دائرة انتخابية بعد اعادة النظر في التقسيمات الادارية. لكن اعيد النظر في هذه التقسيمات، وزادت اعداد المحافظات من 5 الى 9، لكن ظل الخلل في التقسيمات الانتخابية في عملية دمج وتفريع مما جعل القانون الانتخابي غير متوازن، لا بالشكل ولا بالمضمون ولا بالنتائج.
هذا ما شرحه الوزير السابق زياد بارود بالتفصيل، طارحا الحلول الناجعة لاعتماد قانون انتخاب غير اقصائي.
* بعد تجربتي 2018 و2022 هل نجح تقبل اللبنانيين التصويت النسبي بديلا من الاكثري؟
– ليس فعلا. لا شك في ان النسبية ترفع منسوب التمثيل بالمقارنة مع الاكثري، خصوصا عندما يكون هذا الاخير في لوائح (plurinominal) وليس في دوائر فردية او صوت واحد لكل ناخب، لكن للنسبية اشكالا وصيغا مختلفة، ولعل ابرز ما يعطل تقبلها على نطاق واسع ثلاثة اعتبارات: الاول انها تفرض لوائح مقفلة، وهو ما لم يعتد عليه اللبنانيون واللبنانيات سابقا. والثاني انها ترتبط بصوت تفضيلي واحد فقط، مما يجعل المنافسة شديدة بين اعضاء اللائحة الواحدة. والثالث انها تقوم على حاصل انتخابي (عدد المقترعين مقسوما على عدد المقاعد) متحرك ومرتفع في غالب الدوائر، مما يقصي بعض اللوائح من المنافسة (بلغ الحاصل في دائرة صيدا عام 2018، مثلا، 20%). لذا، قد يكون من المفيد التذكير في هذا السياق بما كانت قد اقترحته الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب برئاسة الوزير الراحل فؤاد بطرس لجهة النظام المختلط الذي يزاوج بين الاكثري والنسبي ويوزع المقاعد بين الاثنين.
* الصوت التفضيلي لمصلحة مَن كان في الاقتراع؟ للمرشحين ام للناخبين؟
– لا شك في ان الصوت التفضيلي هو لمصلحة القوى السياسية التقليدية والكتل الناخبة المنظمة. دور الناخب يقتصر على مساهمته، عبر التفضيلي، في ترتيب اللائحة بين اول واخير. لكن هذا الصوت يقترب من النظام الاكثري، وهو يكاد يكون طائفيا بامتياز في بعض الدوائر المختلطة، الى جانب انه يؤدي الى منافسة شديدة واحيانا غير صحية بين اعضاء اللائحة الواحدة. لذلك لم نرَ في الحملات الدعائية في انتخابات 2018 مثلا (وفي العام 2022) صورا للوائح الا في ما ندر، بل مجرد صور مرشحين بالشخصي، على الرغم من انتظامهم في لوائح كما يفرضه القانون. السبب في ذلك، ان كلا منهم يريد ان يقول للناخبين “فضلوني”.
* هل يتوافق قانون الانتخاب الحالي مع نص الدستور؟
– هذا نقاش طويل. هل يتوافق قانون الانتخاب مع نص المادة 24 التي تقول بالمناصفة في مقاعد المجلس بين المسلمين والمسيحيين والنسبية بين الطوائف والمناطق؟ نعم. هل هناك فعلا مساواة بين الناخبين؟ ليس فعلا، نظرا الى التفاوت بين معدلات الناخبين بين دائرة واخرى. هل يعتمد معايير واحدة في تقسيم الدوائر؟ لا يبدو كذلك، اذ بعض الدوائر محافظات (عكار، مثلا)، فيما بعضها الاخر اقضية (المتن الشمالي، مثلا)، والبعض الاخير مجموعة اقضية (الشمال الثالثة، مثلا). بل اكثر من ذلك، هل يحترم القانون الحالي، كما كل قوانين الانتخاب السابقة، مبدأ المساواة لجهة الانفاق المالي او الظهور الاعلامي؟ قطعا لا. في اي حال، يبدو لي ان المادة 24 في ذاتها لا تتوافق مع المبادئ الدستورية ولو انها نص دستوري! ففي ما تنص عليه من مناصفة، هي تستبعد من التمثيل فئتين من اللبنانيين: اليهود اللبنانيون (هؤلاء ليسوا صهاينة بل هم مواطنون مهما بلغ او تراجع عددهم كناخبين)، وكذلك الذين لا ينتمون الى اية طائفة او ينتمون الى طائفة القانون العادي (الطائفة 19) عملا بالقرار التشريعي 60/ل.ر. الصادر عام 1936 الذي لا يزال ساري المفعول.
* كيف تنظر الى تقسيم الدوائر وعدم اعتماد المحافظة دائرة انتخابية، وعدم المساواة ايضا في توزيع المقاعد وتقسيم الدوائر؟
– الاشكالية تكمن في المعيار الواحد. وقد تطرق المجلس الدستوري الى هذه النقطة بالذات في معرض بته بمراجعة قدمت عام 1996 طعنا بمواد في قانون الانتخاب يومها، فقرر (القرار رقم 4/1996 تاريخ 7/8/1996) بأن هذا القانون قد اعتمد مقاييس مختلفة في تحديد الدوائر الانتخابية، واوجد تفاوتا في ما بينها، وميز في المعاملة بين المواطنين، ناخبين او مرشحين، في الحقوق والفرائض، مما جعله مخالفا لمبدأ المساواة الذي نصت عليه المادة السابعة من الدستور. هذا ما نراه ايضا في القانون 44/2017 الذي يعتمد المحافظة حينا والقضاء حينا آخر وقضاءين او اكثر احيانا، كما اسلفنا. كل ذلك على خلفية تطبيق اتفاق الطائف على نحو مجتزا وانتقائي ودون معايير واضحة. هذا الاتفاق قال منذ العام 1989 بضرورة اعادة النظر في التقسيم الاداري، فماذا حصل؟ محافظة في عكار واخرى في بعلبك -الهرمل عام 2003 ومحافظة كسروان – جبيل عام 2017. هذه المناطق تستحق من دون ادنى شك ان تكون محافظات، ولكن لماذا “بالمفرق”؟ كيف يمكن تفسير ان عكار محافظة ودائرة انتخابية من 7 مقاعد، فيما سائر الشمال محافظة وفي دائرتين؟ كيف تكون كسروان – جبيل محافظة ودائرة من 8 مقاعد وجارها المتن الشمالي قضاء ودائرة من 8 مقاعد ايضا؟ انها فوضى المعايير والمقاربات غير السوية.
* هل استطاع القانون الحالي التخفيف من قوة تأثير الاحزاب السياسية التي كانت تحتكر التمثيل عبر قانون الستين الاكثري؟
– ثمة نمط شائع، افهم مصدره وهو مشروع، يتعلق بالنظرة الى الاحزاب السياسية. لكن هذه الاخيرة من المفترض ان تكون في صلب الحياة العامة. واذا كان بعضها قد اساء الى صورة الاحزاب عموما، فهذا لا يعني ان البديل هو في غيابها، بل في تطويرها وانضاج حالات سياسية منظمة. حتى القوى المنبثقة من 17 تشرين لا يمكن ولا يجوز ان تكون الا في اطار الجمعيات السياسية اذا ما اختارت خوض الانتخابات او العمل السياسي. فالمجتمع المدني لا يعود “مدنيا” عندما يدخل عالم الانتخاب مثلا. اما في العودة الى السؤال، فالحقيقة ان تأثير الاحزاب السياسية لا يزال قائما وبقوة، على الرغم من تراجع شعبية بعضها، لسببين على الاقل: اولا، لان تلك الاحزاب “طبخت” قانون 2017 على ما يناسب مقاعدها على المائدة، وثانيا، لأن الحاصل الانتخابي المرتفع نسبيا لا يزال اقصائيا للمجموعات الحديثة النشأة.
* هل يمكن القول ان الصوت التفضيلي كان بديلا ملائما من اعتماد النظام التأهيلي؟
– اطلاقا. التأهيل نظام غربلة اولية، وخلفية طرحه في لبنان طائفية. فعلى الرغم من التقارب بين التفضيلي والتأهيلي من حيث التصويت الطائفي، الا ان الفارق التقني بينهما كبير ولا يؤدي التفضيلي الغرض من التأهيلي بالضرورة.
* اي قانون انتخاب تراه دستوريا؟
– اي قانون يحترم مقدمة الدستور في ما نصت عليه لجهة العيش معا ولجهة النظام البرلماني الديموقراطي، واي قانون يحترم المساواة بين اللبنانيين واللبنانيات، وبين المرشحين وبين الناخبين، اي قانون لا يستبعد ولا يقصي احدا (من اللوائح الى الاقليات السياسية والعمرية والطائفية الى العسكريين كناخبين…)، اي قانون تشاركي، اي قانون يضبط المال الانتخابي لأن تفلته يخرق مبدا المساواة الدستوري. بعد تجربتي 2009 و2018 وفي ضوئهما، قد يكون مفيدا نفض الغبار عن مشروع الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب (2006) الذي كان اقترح نظاما مختلطا، بحيث توزع المقاعد بين فئة منتخبة على اساس النظام النسبي (في دوائر كبرى)، وفئة منتخبة على اساس النظام الاكثري (في دوائر صغرى). للتذكير ايضا، ان المشروع المذكور كان اقترح ان يصار الى ادخال تعديل دستوري يقضي بعدم امكان تعديل قانون الانتخاب خلال السنة التي تسبق الانتخابات، الى جانب قيام هيئة مستقلة بالكامل تحل محل وزارة الداخلية في تنظيم العملية الانتخابية والاشراف عليها.
*أجرى الحوار داود رمال