زمن المتاهة ليمنى العيد: تأريخ لما أفرزته الحرب الأهلية
"زمن المتاهه" كتاب قاس وممتع للدكتوره يمنى العيد يعيد التأريخ لما افرزته الحرب الاهليه من تغييرات متنوعه ،انصح كل الطلاب والمثقفين بقراءته للتعلم من دروس الحرب وتأثيرها على كل الاجيال التي أتت وتأتي بعدها
كتاب الدكتوره يمنى العيد بعنوان " زمن المتاهه " يروي سيرتها كتلميذة وأستاذه ومديره ودكتوره تنتمي الى جيل لا خيارات له خارج العام المزمن ،في تاريخ يتكرر دائماً في بلدان العالم الثالث المدمن بحروب استعماريه او طائفيه لا تكاد تنتهي الا لتبدأ و بصيغه لا غالب ولا مغلوب ،وطنياً وطائفياً ،بينما تنتهي بابنائها الفقراء دائما بصيغه الخاسر ! كتاب صعب كونه يؤرخ لمرحله قاسيه في حياة المثقف الثوري الذي يتحصّن بقدرة فكره على التجاوز والفهم أولاً ، وقدرة روحه التي لا تريد أن تستسلم لقدرها في العام الطائفي ثانياً . بل تمضي الروح والفكر عنده وهما يشحذان كل أسلحتهما في مرارة العام عبر معاناة الخاص الذي لا يريد أن يساوم إلا ليستل كل ما يملك من أسلحة الحكمه والحنكه والبصيره ،ليتسلح بها عبر كل أشكال المقاومه دون تردد ، لان هذه الروح عرفت كيف تشحذ اسلحتها لمواجهة ملابسات الحروب التي تتكرر وتمتد دون رحمه من الماضي الى الحاضر ،عبر ما أحاط بزمان السرد وامكنته الموزعه على حاضر ساحات اهم مدينتين لبنانيتين هما صيدا وبيروت، لتنضم إليهما لاحقاً باريس بصيغه الشاهد عبر تشابك كل الأحداث القاسيه المذكوره اعلاه خلال ما جرى من أنعكاس لنتائج هذه الحروب على أنواعها، بما تفرضه من فظائع ومذابح وتهجير والغاء ..
سنفهم ترابط كل تلك الصعوبات التي سيشعر بها القارئ مفككة ومترابطة بفظاظتها على الفرد والمجموع . الكتاب يروي احداثه المرافقه لتشابك مهمات التحرر الوطني من جهه ( عبر عدوان اسرائيلي مستمر ) ومهمات التحرر الاجتماعي والاقتصادي والطبقي ( تركيبه لبنان المصطنعة ضمن نتائج معاهدة سايكس بيكو ) التي فككت المنطقه من جهه اخرى . ستتراكم ويلات واحداث جسام أججت حروبا وموتا وذكريات واغتيالات قبل وخلال وبعد انفجار الحرب الاهليه اللبنانيه والحروب العدوانيه الاسرائيليه التي وصلت لاحتلال مدينتنا بيروت كاول عاصمه عربيه تسقط ولا تستسلم … لتشهد شوارعها وتاريخها ولادة جبهة المقاومه الوطنيه اللبنانيه التي طردت عنها وعن غيرها هذا الاحتلال دون قيد اوشرط.
المكان محدد إذن بين صيدا وبيروت وباريس ليختزل في رمزيته المكان العربي العام من المحيط الى الخليج ،مشتتاً بينها هذه الامكنه فيفرقها ليسم و ليرسم خصوصية كل بلد يحاول ان يعثر على كرامة الخاص فيه مشتتاً في هزيمة العام . روح الخاص المتجسد في حلم وطموح فتاه لا نعثر على اسمها الحقيقي الضائع في قوة وجبروت الجبريه التي تسعى لترويضها طائفياً واجتماعياً وذكورياً ( كما تسعى به مع الجميع )لاسلبة البشر وتحويلهم الى قطيع طائفي يجري تدجينهم لذبحهم عبر تاريخ لبنان .. وإذ بهذه الفتاه وجيلها ورفاقها التى نسيت فيهم ومعهم اسمها ، تنتصر من باب الخاص لتُعمّمه جديداً في العام، فتكتب به وبهم اسمها الجديد الدكتوره المفكره الاديبه الناقده يمنى العيد التي وُلِدت من ركام اسم حكمت الذي صدف أنه كان عثماني الاصل ولا يمكن إحتسابه كهويه جنسيه لا على ذكر ولا على أنثى !.
تنتصر يمنى التقدميه اليساريه لتصنع قدرها الأنثوي الجديد وسط سلسله هزائم متنوعه يقع فيها كل من رفض المواجهه الشخصيه من باب الخاص، ليفتش عن اعذار تقع في خانة الخنوع والاستسلام ! .
في الشكل ، الاسم الحقيقي ليمنى العيد لم يعد مهماً للقارئ كما ظن في البدايه وحاول ان يجده دون جدوى ! .. لماذا ؟ لان الروح لا يهمها الشكل بل تسعى الى المضمون حيث به تواجه وتنتصر وترسم قدرها كامرأه تحدت الواقع وانتصرت عليه . يبقى ما يعتقد البعض انهم ضحايا … بينما التاريخ يؤكد انهم ليسوا فقط ضحايا في الحروب بل شهداء الفكر الحر الذي كان يعرف الثمن سلفاً … هناك معارك نخسرها ومعارك نربحها ولكن الايمان بالنصر وبالتاريخ وبضروره التغيير هو الاهم والأبقى، بينما الباقي سيبقى تفاصيل تغطي كل شيئ اخر . ربما تفاصيل مره قاسيه، ولكن ارادارادة الحياه والتغيير بالصبر والمكر والذكاء هي الاهم .
الكتاب لا يمكن ان يقرأه كل من عاش الحرب الاهليه الا ويعرف اهميه نساء مثل د. يمنى العيد وقدرتهم على ان يكنّ نماذج مثاليه حيه تقول قدرتهنّ على صنع التغيير !. قريباً نتطرق لكتابها الثاني الذي وصلني متأخراً .