منوعاتوفيات

رحل أحمد زين ..”المفتي الدستوري” للصحافة والصحافيين(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

 

ودعت الأسرة الصحافية والإعلامية اليوم “خبيرها الدستوري” وأحد أبرز مستشاريها في مجال القانون،هو الصحافي الأستاذ أحمد زين الذي كنا نخاطبه تحببا ب “أبو عباس”،وهو إبن بلدة جباع في إقليم التفاح –جنوب لبنان.

عرفت أحمد زين في باكورة عملي في الصحافة عام 1977 ،إذ لم يكن قد مضى علي أكثر من شهر في المهنة ،كمشروع محرر في وكالة أخبار لبنان ،حين أوفدني الأستاذ عباس بدر الدين ناشر الوكالة (ورفيق الإمام موسى الصدر إلى ليبيا) إلى مجلس النواب لتغطية نشاطاته واكتساب خبرة صحافية يقل نظيرها.

  ولجت الى مقرمجلس النواب في قصر منصور(منطقة المتحف) بعيد التاسعة صباحا برفقة الصحافي الراحل حسن يونس الذي أوصاني سلفا باعتماد الصمت وقلة الكلام في المرحلة الأولى “لأنك ذاهب إلى مكان يحوي كل (عتاعيت البلد) من نواب وسياسيين وصحافيين”.  التزمت بوصايا الاستاذ حسن ،وانتحيت جانبا في إحدى زوايا البهو الرئيسي للقصر أراقب النواب والصحافيين وحراس المجلس من دون التحرش بأحد.إنه عالم جديد بالنسبة إلي،وكان علي أن أكون حذرا للغاية ،وهو في الأساس طبعي شخصيا عند التعرف على الآخرين.

  فجأة اهتز المجلس .لم يكن هناك زلزال بالطبع.بدأ كبار موظفي المجلس وضباطه يتراكضون يمينا وشمالا .أُفرغ المدخل والبهو الرئيسي من الجميع.طُلب الى الصحافيين الدخول الى الغرفة الصغيرة المخصصة لهم.دلف كبار الموظفين والضباط الى الخارج.صفارات الإنذار تدوي من بعيد وتقترب شيئا فشيئا.تجرأت عندها على السؤال:ما الذي يجري؟.. ومن باب الصدف رد علي الزميل أحمد زين بسخريته المعهودة ،وكنت التقيه لأول مرة: “هيئتك تلميذ جديد” !

  قلت بحدة: يا أخي تلميذ مش تلميذ مش مهم.لقد وقع قلبي بين رجلي ،فما الذي يحصل؟

قال موشوشا:لقد حضر البيك ؟

والبيك هو رئيس المجلس كامل الاسعد..

ولكن هل يستأهل حضوره الى المجلس كل هذا الاضطراب؟

سألت، فرد أحمد زين :ألم أقل لك إنك تلميذ جديد في هذا المكان؟ لا تزعل يا عزيزي،كلنا تلاميذ هنا!!

ومضت الأيام وصرت وأحمد زين صديقين حميمين في المجلس،حيث تعلمت منه الكثير، ،وتزاملنا لاحقا في صحيفة “السفير” ،وكنت رئيسا لقسم السياسة المحلية ،وكان “أبو عباس ” يكتب لهذا القسم.

 

كنا على مدى عقود عدة إذا غفلت علينا مسألة دستورية أو قانونية ، تواصلنا فورا ب”أبي عباس” ،الذي “يفتي” في المسألة من دون تردد أو ارتباك.ولست لأذيع سرا إذا قلت أن الكثيرين من النواب وعلى رأسهم الرئيس نبيه بري، كانوا يناقشون أحمد زين ويقفون على رأيه في بعض المسائل.

لم يدرس أحمد زين القانون الدستوري في المعاهد والجامعات ،لكنه اكتسب خبرته بفعل المهنة التي مارسها لأكثر من نصف قرن من الزمن ،وكانت المسائل الدستورية والقانونية والنقاش فيها يشكل بالنسبة إليه نوعا من المتعة الشخصية.فهو عايش كبار الفقهاء الدستوريين في مجلس النواب وخارجه،ومنهم مع حفظ الألقاب، حسن الرفاعي ونصري المعلوف وخاتشيك بابكيان وحسين الحسيني وألبير مخيبر ومنير أبو فاضل وغيرهم ،فضلا عن كبار رؤساء المجالس الكتل النيابية منذ الستينات،وقد بات صديقا للجميع، ومن خارج البرلمان تنادم وتجادل مع كبار الخبراء في الدستور والقانون.

إنطلاقا من ذلك استعانت به المديرية العامة للدراسات والأبحاث في مجلس النواب ،فأعد لها كتابا تحت عنوان ” محاضر ومناقشات الدستور اللبناني وتعديلاته 1926- 1990″. ويعد هذا الكتاب مرجعا لكل دارس أو باحث في علم الدستور والقانون.

 

قبل سنوات غاب أحمد زين عن الساحة بفعل المرض، وفقدنا فيه “المفتي الدستوري” للصحافة والصحافيين،إلى أن انتقل صباح اليوم إلى جوار ربه ،ووري في الثرى في تراب جباع.

رحم الله “أبا عباس” وأسكنه فسيح جنانه،وخالص العزاء لعائلته الكريمة وللأسرة الصحافية جمعاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى