رأيسياسةمحليات لبنانية

رأس اللواء إبراهيم وعمامته!(أكرم بزي)

كتب أكرم بزي

 

بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 كان المطلوب قلب الأمور رأساً على عقب وأخذ البلد إلى حرب طائفية سنية – شيعية، وإسلامية – مسيحية، تؤدي الى جعل لبنان بوابة عبور آمنة إلى “الكيان العبري” على المستوى السياسي والأمني والاجتماعي، وأن يكون من الدول “المطبّعة” شأنه شأن الدول التي سارت في ركب “كامب ديفيد”، إلا أن “حساب البيدر لم يكن كحساب الحقل” ولم تفلح كل الجهود الدوليّة والإقليميّة والمحليّة في تنفيذ هذا المخطط “الداخلي”، فكان لا بد من الدخول علناً في المواجهة، فكانت حرب الـ 2006، والتي أريد منها تدمير البنية العسكرية اللبنانية وسحق البيئة الحاضنة لها على مستوى الوطن كل الوطن، فجاءت النتائج عكس ما توقعته الإدارة الأميركية الصهيونية، وانتصر لبنان بصمود أبنائه وبدعم الأشقاء والحلفاء وهزمت الآلة الأميركية – الصهيونية وعملاؤها في الداخل.

استمرت حلقات التآمر على لبنان، من نفس المنظومة الأميركية وبأوجه وألوان مختلفة، تارة عبر الانتخابات النيابية، وتارة عبر الحكومات المتعاقبة، من حكومات فؤاد السنيورة مروراً بسعد الحريري الى تمام سلام إلى نجيب ميقاتي، وكل هذه الحكومات كانت تتشكل بشروط الحد الأدنى التي تريده قوى 8 آذار، مع إعطاء هامش كبير لباقي الأفرقاء للتحرك ضمن آليات متفق عليها بين أقطاب السياسة اللبنانية حتى بداية الحرب على سوريا والتي كان المراد منها تدمير سوريا وقلب نظام الحكم فيها وتقسيمها الى كانتونات مذهبية وتوقيعها صكوك الاستسلام للعدو الصهيوني وتنفيذ الشروط التي يريدها العدو لمنطقتنا، وهذا أيضا لم يحصل، فكان أن انتصر النظام في سوريا وثبّت دعائم حكمه من خلال إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية رابعة.

خلال الحرب على سوريا راهن من راهن آنذاك على المجموعات الإسلامية المتشددة و “داعش” والتي احتلت جزءاً من المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود مع سوريا وفي مناطق البقاع والجرود، فكانت بعض الفصائل اللبنانية، وخاصة من قوى 14 آذار، تمنّي النفس “بانتصار” هذه المجموعات والتحالف معها على قاعدة “فليحكم الأخوان”، فالمهم : “أن نتخلص من 8 آذار”، إذا أن هذا أيضا لم يحصل فكان أن انتصر لبنان أيضاً ودحرت كل هذه المجموعات.

لم تيأس الإدارة الأميركية – الصهيونية، فالعقلية الخلّاقة لآليات التدمير والتجويع والقتل ما زالت مستمرة بابتداع الأساليب الفتاكة، للوصول الى مبتغاها والتي عجزت كل الأساليب العسكرية التي اتبعتها ،إن كان بشكل مباشر او عبر حلفائها في الداخل اللبناني او عبر المجموعات الإسلامية المتشددة أو … أو… المطلوب تدجين البلد وتنفيذ الأجندة “الصهيونية” التي تضمن لها حدودها وسطوتها من خلال لبنان على كل المنطقة:

  • توطين الفلسطينيين في لبنان، ترسيم الحدود اللبنانية – “الإسرائيلية” بما يتفق مع الطموحات الصهيونية، تسليم سلاح المقاومة وتدميره، الإبقاء على النازحين السوريين لإحداث تغيير في الديموغرافيا اللبنانية بما يتفق مع تنفيذ المخطط، تسليم البلد لحكام ترضى عنهم القيادة الصهيونية، ولا مانع من أن يكونوا حلفاء كحلفاء السابق في العام 1982 وما قبله.

  • فرض العقوبات والحصار المضروب على لبنان، ومنع دخول الدولار والمساعدات والدواء والغذاء والفيول وصولاً للموت جوعاً هي من الوسائل الاستعمارية التي مورست في أكثر من منطقة في العالم، والشواهد كثيرة في ما يخص الغزوات الأميركية: (من غزو نيكاراجوا 1823، ثم بيرو 1825، واحتلال تكساس وضمها في 1948. غزو كولومبيا 1873. التدخُّل في كولومبيا 1901و1902. الاستيلاء على ست مدن في هندوراس 1907. دخول المارينز هاييتي وقيامهم بالسطو على البنك المركزي سدادًا لأحد الديون! ثم احتلالها من 1915 وحتى 1934. قصف المكسيك 1916. غزو خليج الخنازير 1961. ضرب الحصار الجوي على كوبا. غزو الدومينيكان 1965. غزو جرينادا 1983. التدخل في تشيلي 1988. غزو بنما واختطاف رئيسها 1989. تدعيم الانقلاب على تشافيز في فنزويلا 2012، والتلويح بالتدخل العسكري 2019، ناهيك عن التدخلات في لبنان العام 1958 والعام 1982 واحتلال العراق وأفغانستان وفرض العقوبات والحصار على إيران منذ 40 عاماً، ولم تزل أميركا تترك بصماتها الإجرامية أينما حلت في كل بقاع الأرض).

وفي لبنان ومنذ ما قبل انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، كان المطلوب الذهاب بالبلد نحو الفوضى وصولاً إلى الاقتتال بين فئات المجتمع اللبناني، وتكرير سيناريو الحرب الأهلية خاصة بعد بلوغ الذروة في انفجار المرفأ والذي ذهب ضحيته 200 شهيد و 5000 آلاف جريح وتدمير أحياء ومباني ومحلات تجارية وتعطيل كامل للمؤسسات والشركات وحتى الحياة داخل المناطق المتضررة والمحيطة بها.

وبتكرار متعمّد لسيناريو “الضباط الأربعة”  بعد كارثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واتهام النظام الأمني اللبناني – السوري آنذاك، أُريد من خلال جريمة مرفأ بيروت، “تحميل المسؤولية لفئة معينة من اللبنانيين”، إذ عمدت “وسائل إعلام مدفوعة الأجر” بتحميل المسؤوليّة دون أي دليل ومن اللحظة الأولى لوقوع الإنفجار “للبيئة الممانعة”، وقرار اتهام اللواء عباس إبراهيم مدير عام الأمن العام اللبناني دون غيره من المسؤوليين الأمنييّن والعسكرييّن على وجه التحديد رغم سخافة الدليل، يأتي في السياق نفسه ولدفع أهالي ضحايا المرفأ والمتعاطفين معهم وما تبقى من”منتفضي 17 تشرين” لاثارة البلبلة والفوضى، قد تبلغ ذروتها القصوى في 4 آب – أغسطس المقبل “الذكرى الأولى لإنفجار المرفأ”، والتي تجعل الخيارات السلبية كلها مفتوحة على كل الاحتمالات التصعيدية بالرغم من كل المعاناة التي يشهدها لبنان والتي قد تصل الى “صراعات دموية” أهلية في معظم المناطق اللبنانية، وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية وعملاؤها.

ولكن لماذا اللواء عباس إبراهيم، فالقاصي والداني يعلم علم اليقين أياديه البيضاء في حل العديد من الملفات الشائكة منذ أكثر من 15 عاماً، وهو المفاوض البارع والقادر على تدوير الزوايا وإيصال الرسائل السياسية على كبر حجمها وتبليغها بلغته الهادئة والرصينة، من ملف تحرير الرهائن الأميركيين إلى نزار زكا وما بينهما ،كان للواء إبراهيم الدور الأساس في تحقيق الإنجاز تلوالآخر، فهل المطلوب ضرب مصداقيته ونزاهته وإضعاف موقعيته ومن “يدعمه”، لتخلو الساحة للمنافقين من مختلف الانتماءات؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى