“دبلوماسية الفستق”: توقف العالم على “رجل ونصف”!(أكرم بزي)
كتب أكرم بزي – الحوار نيوز
“دبلوماسية الفستق”. هذا المصطلح لرئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر، الذي استحضره في احد اللقاءات حول “الصبر الاستراتيجي” الذي تمارسه إيران قبل اتخاذها أي قرار له علاقة بمصلحة الدولة، أو كـ “صفة عامة” عن الشخصية الدبلوماسية الإيرانية خلال المفاوضات، إن كانت على المستوى السياسي أو التجاري.
فالوزير القطري السابق وصف المشهد بدقة عندما كان يزور طهران للإلتقاء بالمسؤولين الإيرانيين، وبعد الإشادة بكرم الضيافة يقول: بينما كنا نجلس على الطاولة للبدء بالمفاوضات أو المحادثات، كانوا يضعون على الطاولة الحلويات وغيرها ومن ضمنها “الفستق الإيراني”، فكنا أعضاء الوفد القطري كل واحد منا يأخذ “غرفة يد” أو “كمشة حبات” من الفستق ونبدأ بالتهامها، بينما المفاوض الإيراني كان يختار الحبة المناسبة ويقوم بتأملها أولاً ثم تنظيفها وتقشيرها بطريقة متأنية، ومن ثم يتأكد من نظافتها على الآخر، ثم يستمتع بقضمها وهضمها.
ويضيف: بينما كنا نحن أعضاء الوفد (كل واحد منا) يأكل قرابة عشرين حبة فستق ،كان المُضيف الإيراني يأكل حبة واحدة.
بعد ضرب القنصلية الإيرانية مطلع الشهر الحالي في دمشق، من قبل العدو الصهيوني، واستشهاد قائد “فيلق القدس” في سوريا ولبنان، اللواء محمد رضا زاهدي (أبو مهدي)، وعدد آخر من المستشارين الإيرانيين، انتظرت “إسرائيل” أن يأتيها الرد مباشرة بعملية تقوم بها إيران، او أحد أطراف قوى المقاومة في المنطقة، كرد فعل لا بد منه للحفاظ على “توازن الردع”، أو على الأقل لحفظ “ماء وجه” إيران بعد هذه الضربة الكبيرة والتي تجاوزت فيها “إسرائيل” كل الخطوط الحمر والقوانين الدولية التي تحمي بموجبها مقرات البعثات الدبلوماسية في الدول حتى لو كانت في حالة حرب.
إلا أن الرد تأخر، وأدخل الكيان الصهيوني في حالة “رعب” حقيقية، عبر عنها الكثير من المحللين العسكريين والصحافيين الإسرائيليين من خلال وسائل الإعلام العبرية والعالمية، وأشارت الكثيرمن التحليلات إلى أن الرد سيكون كارثياً على “إسرائيل” في ما لو حصل، ولذا تدخلت الولايات المتحدة الأميركية على خط “التهدئة”، لمنع التصعيد، والرد والرد العكسي، حتى لا تتوسع الحرب الى “حرب إقليمية” أو “عالمية ثالثة” كما عبر عنها الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، او كما صرح الرئيس الاميركي جو بايدن مؤخراً، بالطلب إلى إيران عدم الرد، وقال إنه ملتزم بالدفاع عن أمن “إسرائيل” وسيبقى داعماً لها.
لا بل إن الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي، قاموا بعملية تهويل مقصودة من خلال الإيعاز للدول المعنية بالمنطقة، بأخذ التدابير اللازمة ومنع مواطنيها من التوجه إلى الكيان العبري أو الدول المحيطة، بحيث بدت المسألة وكأن المسؤولية ستقع على الإيرانيين وليس على “الصهاينة” فيما لو تمت أي عملية رد على “إسرائيل”.
المفاجأة كانت هذه المرة من “مضيق هرمز”. فقد كشفت وسائل الإعلام العالمية، أن قوات حرس الثورة الإيرانية استولت على السفينة البرتغالية “MCS ARIES” المملوكة لإسرائيل، في مضيق هرمز. كما أشارت إلى أن السفينة المذكورة التي يتواجد على متنها أكثر من 20 بحاراً فلبينياً، كانت تحمل حاويات تجارية متجهة إلى الهند. في حين أعلنت شركة الشحن الدولية “زودياك ماريتايم”، التي يملك رجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر جزءا فيها في بيان، أن إم.إس.سي هي المدير والمشغّل التجاري للسفينة، والمسؤولة عن جميع أنشطتها بما فيها عمليات الشحن والصيانة. ولفتت إلى أن ملكية السفينة المحتجزة تعود لشركة “جورتال شيبينج” كونها الممول وتم تأجيرها لشركة إم.إس.سي تأجيرا طويل الأجل.
ماذا يعني هذا التصعيد، وهل هو كاف كرد فعل مقابل “ضربة القنصلية”، أو لنقل كرد أولي، على الطريقة الإيرانية؟ أم أن الأمر انتهى عند هذا الحد؟
للوهلة الأولى نعتقد أن الاستيلاء على السفينة عمل غير كاف لاعادة الاعتبار لإيران، إلا أن حساسية المنطقة التي تمت فيها العملية، قد تشعل أزمة لا تحمد عقباها على المستوى العالمي!
فـمضيق هرمز، يعتبر طريقا ملاحيا ضيقا في الخليج، ويشكل منفذ نفطه إلى العالم ، وهو شريان الحياة للعالم الصناعي، وثلث الإنتاج النفطي الذي يستهلكه العالم يمر عبره، وسبق إيقاف تصدير النفط منه إلى أميركا والدول الأوروبية لدعمها إسرائيل في حرب 1973، ويشكل نقطة محورية للتوترات الدولية بين طهران والغرب.
إذن، نحن أمام رد أولي وعملية ذكية ومركبة ومعقدة في آن واحد قامت بها إيران بطريقة غير متوقعة، بعد كل هذا الاستنفار العالمي لمنعها من القيام برد فعل عسكري قاس على الكيان العبري، وهي تهدد بإغلاق مضيق هرمز بالإضافة إلى “باب المندب” والذي تسيطر عليه قوات “أنصار الله” في اليمن.
وهذا يعيدنا إلى مصطلح “دبلوماسية الفستق”، إذ انتظر العالم ضربة عسكرية موجعة لـ “إسرائيل”، فإذ “بالرسالة” تأتي بهدوء وتأنٍ غير متوقع لتهدد الأمن العالمي بأجمعه، باعتبار هذه العملية هي عملية أولية وتحذير لكل من له مصلحة في هذه المنطقة بالتحديد، ولا تعتبر عملية ثأرية عسكرية على غرار ما قام به العدو الصهيوني في دمشق. فالرد آت ولا بد منه وعلى من يريد أن يتدخل عليه أن يتحمل تبعات الرد العكسي!