بقلم د.عماد عكوش -خاص الحوار نيوز
منذ بداية الأزمة الأقتصادية والمصرفية يتم تداول عبارة توزيع الخسائر ،وتحاول أطراف العلاقة الثلاثة ، المودعون ، المصارف ، والدولة اللبنانية ممثلة بمصرف لبنان ، كل طرف في موضوع الودائع تحميلها للطرف الأخر، وتحاول المصارف على أعتبارها الطرف المسؤول قانونا تجاه المودعين التملص من المسؤولية والأدعاء بأنها تحملت الكثير من الخسائر نتيجة للمؤونات المطلوبة منها، وفقا لتعاميم مصرف لبنان ولمعايير المحاسبة الدولية وتوصية مصرف لبنان وتكوين هذه المؤونات على الشكل التالي :
– 1.89 بالمئة على شهادات الأيداع بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان
– 45 بالمئة على سندات الحكومة اللبنانية بالعملة الأجنبية ومقسط على خمس سنوات
– تكوين مؤونات مقابل تسليفات مقدمة للعملاء،
فهل المطلوب اليوم أعتبار هذه المؤونات خسائر تحملتها البنوك كجزء أو كحصتها من مجموع الخسائر ؟
لكن ماذا عن نتائج أعمال المصارف عن السنوات الثلاث الماضية ؟
من واقع ما يجري لدى المصارف ،وحيث ان معدلات الفائدة المثقلة على الودائع بالليرة بلغت 1.34 بالمئة خلال العام 2021 ،و 0.23 بالمئة على الودائع بالدولار الأميريكي ، بينما تبلغ الفائدة المثقلة على التسليفات بالليرة 7.46 بالمئة و 6.86 بالمئة على الدولار الأميريكي ، فهذا الفارق والبالغ في المتوسط 5 بالمئة كفارق فوائد لمصلحة المصارف على أجمالي الودائع والتوظيفات البالغة اليوم حوالي 100 مليار دولار ، ما يعني 5 مليار دولار أرباحا صافية من الفوائد وخاصة أذا ما تم اضافة ما يلي :
– العمولات النقدية التي تتقاضاها المصارف كالسحوبات النقدية والتي ضاعفتها خلال العام 2021 .
– الفوائد المستوفاة على سندات الخزينة التي تكتتب بها المصارف سواء بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميريكي .
لكن المصارف منذ عامين لا تقوم بنشر بياناتها المالية المدققة بحجة الأزمة الأقتصادية وعدم قدرة مفوضي المراقبة على أبداء الرأي بهذه البيانات لأسباب كثيرة يأتي في مقدمة هذه الأسباب ما يجب أن يتضمنه التقرير حول الرأي الخاص بأستمرارية عمل هذه المصارف والتي أصبحت موضع شك مع أستمرار الأزمة وعدم معالجتها . من ناحية الأموال الخاصة فقد أنخفضت من 30383 مليار ليرة في نهاية العام 2018 الى 25523 مليار ليرة في نهاية تشرين أول من العام 2021 ، وهذا يبين بأن حجم الأموال الخاصة لم يطرأ عليها الكثير من التعديل بالرغم من المؤونات الكبيرة التي تم أستدراكها مقابل التسليفات وسندات الدين والتي طالب بها مصرف لبنان.
هذا من ناحية الأرباح والأموال الخاصة ، أما من ناحية الموجودات الخارجية لا زالت المصارف تحتفظ بقسم كبير منها بالرغم من أنخفاضها نتيجة للتصرفات الأستنسابية لهذه المصارف في دفع بعض الودائع لعملاء محظيين من داخل المصرف أو من خارجه ، هذا وقد أنخفضت الموجودات الخارجية من 25.20 مليار دولار في نهاية العام 2018 ، الى 12.96 مليار دولار في نهاية تشرين أول من العام 2021 وهذا يظهر أنخفاضا بنسبة النصف تقريبا خلال السنوات الثلاث الماضية ،ويبين حجم التهريب الذي حصل لهذه الموجودات وبالرغم من هذا الأنخفاض ،ألا أن المصارف لا زالت تملك 12.96 مليار دولار موزعة ما بين أصول نقدية وأصول ثابتة في الخارج بعكس ما تدعيه المسؤولة الأعلامية لجمعية المصارف، والتي أعلنت أن المصارف لا تملك أي دولار من ودائع المودعين لديها ، وما هو موجود هو لدى مصرف لبنان ضمن الأحتياطي الألزامي .
أضيف في هذا المجال موضوع أخر وهو مراكز القطع الأجنبي والذي سمح مصرف لبنان للمصارف التجارية بتكوينها لحماية أستثماراتها وأموالها الخاصة مقابل تقلبات أسعار الصرف ، حيث سمح لها مصرف لبنان الأحتفاظ بمراكز قطع تعادل 60 بالمئة من الأموال الخاصة المحررة وقد تجاوزت الأموال الخاصة المحررة في نهاية عام 2019 مبلغ 31240 مليار ليرة ، وهذا يعني ان المصارف يحق لها بناء مراكز قطع ما يعادل 18744 مليار ليرة أي ما يعادل على السعر الرسمي 12.43 مليار دولار .
تبلغ أرباح هذه المراكز لغاية نهاية تشرين تاني 2021 مبلغ 316965 مليار ليرة لبنانية ، هذه الأرباح الفعلية لم يتم التصريح عنها لغاية اليوم بسبب أعتماد السعر الرسمي والذي يفرضه مصرف لبنان وبالتالي فهو يجنبها دفع الكثير من الضرائب اليوم تبلغ أكثر من 27 بالمئة على أرباح هذه المراكز والتي ستبلغ حوالي 85580 مليار ليرة لبنانية ، فهل ستقوم الحكومة اللبنانية والمجلس النيابي بسن قانون يعفي هذه المصارف من هذه الضريبة الضخمة أو يجنبها أياها عبر السماح لها برفع رساميلها من خلال هذه الأرباح وبالتالي اعفائها من هذه الضريبة .
أما بخصوص الموجودات العقارية فالموجودات العقارية التي تحتفظ بها المصارف تتعدى قيمتها اليوم ملياري دولار لكن هي مسجلة في سجلات المصارف بالليرة اللبنانية على سعر 1507.50 ليرة لبنانية ، أي بقيمة لا تتجاوز 3.015 مليار ليرة بينما هي تبلغ اليوم بحسب القيمة السوقية أكثر من 54000 مليار ليرة لبنانية ، هذه الأرباح حققتها المصارف نتيجة لأرتفاع أسعار الصرف ، يضاف أليها العقارات التي تم أستملاكها سابقا” مقابل ديون مشكوك بتحصيلها أو تلك التي تم أعدامها نتيجة لعدم تقدم أصحابها لأقفال ما عليهم من ديون .
من خلال ما تقدم يبدو واضحا أن عملية الأحتيال على المودع والمواطن لا زالت مستمرة لأقناعه بأن المصارف تحملت جزءا أساسيا من الخسائر بينما واقعا” حققت أرقاما خيالية من الأرباح لم تكن تحلم بها يوما من الأيام، وهي لا زالت تستثمر في الأزمة ، وتحاول التملص من تهريب جزء من الودائع والسيولة للخارج لمصلحة المساهمين أو المستثمرين الكبار في هذه البنوك ورفض أعادة هذه الأموال المهربة والتي رفضته سابقا” من خلال رفض تطبيق التعميم 154 والذي حث هذه المصارف على أعادة 15 بالمئة للمودعين العاديين و 30 بالمئة منها أذا كانت تخص أشخاصا مقربين أو سياسيين ومفوضي المراقبة .
وهل سيقر مجلس النواب قوانين مريحة لهذه المصارف بحيث يحمل الخسائر بمجملها للدولة وللمودع معا، ويعفي المصارف ومساهميها من المسؤولية الأخلاقية لما ارتكبوه من جريمة مكتملة بحق المودعين نتيجة لتركز ألأستثمارات لدى الدولة ، مما عرضها لمخاطر الذوبان والفقدان بحجة أن المصارف تحملت خسائر على الدفاتر والسجلات فقط بينما الواقع يقول عكس ذلك تماما”.