رأي

حَمَلُ الثورة في حظيرة الذئاب(حاتم علامي)

د. حاتم علامي*

أردنا لهذه البداية أن تؤسس لمعادلة جديدة لمجموعة من الفواعل التي يرتعد الشارع اللبناني تحت إيقاعها. فرأفة بالطامحين الى اختصار الطريق، الى الثورة من الحراك الى الإنتفاضة فالثورة التي تدك أحلامها صروح هذا النظام المتعمشق بحقوق الناس برغيف خبز، أو المتكورن في تنهداتهم على طعم للحياة ومعنى، وعطفاً على قناعاتنا بالتغيير، نأخذ بصورة الثورة حمَلاً يؤمل أن تكتب له الحياة، والنمو الى درجة الثورة المزلزلة الضاربة. تأخذنا صورة الثورة في يناعتها الى حيث نبحث عن ميدان وشعار وخارطة وكلمة سواء.

فيا أيها الحمل الحامل لأحلامنا بالتغيير ترانا بك في حظيرة الذئب، فحاذر.

فأنت الحمل وهم الذئاب، مراوغون، مواربون، مفترسون؛ إنهم يسنون أنيابهم لوليمة جديدة احتفالاً بنصر جديد.

نستجير بوصايا المسيح في افتداء القطيع، وبالدعوة النبوية كلمة حق وحقيقة لثورة مدوية في دنيا الجاهلية، فاحترسوا ايها القادمون الى صورة الإنتصار للتغيير، فهم يتقاسمون رموز الشيفرة، ونحن نعرف حقيقتهم بالمفرق ، لكن الجمع يعمينا، فالجمع هنا انتماء لقبيلة، وعشيرة، ومذهب، وطائفة.

إنا حزانى على المستوى الأول، لأن ما يفرق أكثر مما يجمع ، وأشد تأثيرأ  وعلى المستوى الثاني تنتابنا اللوعة ويتملكنا الأسف لخواء الشعار.

 في صورة الشارع ظلام وظلامية ولسعة الواقع الملتهب، والشارع ، ما الشارع في الثورة وسبيلها ؟ إنه الخيار الموصل الى إزاحة جدران القهر والجوع، وتهديم صروح الفساد والباطل ، فكم نتوق الى شارع يفتح طريق الثورة .وينتشلها من أنياب الذئاب المفترسة .

ها هم هنا بالصوت والصورة ، والعواطف لا تطرد الذئب ولا تنتزع مخالبه ؛ فيا أيها الثائرين اليكم عن الولاء للذئاب المتربصة بكم بالمباشر أو بالواسطة ؛ فقد صار من حق الثورة أن تسمع نشيدها ،ومن حق الشعب أن يسمع خطابه ، وعلى الثقافة أن تقول كلمتها . فإنا ما نخشاه أن إقفال الشارع بالنار ، واستدراجنا الى وهم الكاميرا ، ورنين كلمة مواربة تدغدغ عواطفنا، وهي وهم الثورة لا طريقها .

فالثورة هي عبور الوعي الثوري للذات ، وبعدٌ للتفكير الجديد ، والتغيير هو ارتكاز معرفي يطلق الكلمة سهاماً  صنواً للحقيقة ، وهو المنادى العابر للطوائف ، والأحزاب والمناطق ، ففي الكل بعض من الرجاء ، ولدى الكل شوق للقاء ، وحذار أن تتحول الصرخة دافعا لشقاق وانقسام وعبث .

فللثورة ، وهي الآن حمل ، أن تنمو في العقل وعياً ، وفي المعرفة خطاباً ورسالة ، وفي الشارع قيادة هيهات منها ما أعظمها إزاء التحديات . الثقافة هي بديل لهذا العهر المتلبس بساحات الماضي ، حيث وصلنا الى درك في حقيقة مرة على وقع : تسقط الدولة تحيا الطائفة ، تسقط الطائفة يحيا الزعيم . فالى الحمل الوادع الوديع كل الحماية بالقلب والفكر والجفون ، وإلى المثقفين بأن طال انتظاركم لإخماد الحريق ، فقد يغتفر لناقم إذكاء النار ، ولا يغفر التاريخ لمثقف يتفرج على لبنان يحترق .

نستجير بالمثقف والمثقفين وسط الحاجة الى مؤشر ومعيار ومعنى ، في موسم الهيجان تعصف رياح المرحلة بالعقول وأشجار الوعي المنتشر على مساحة لبنان الجريح . الصورة أصدق تعبيراً في ملامح الثورة ، ومأساة البعض منا انجرار الغالبية في شارع الثورة الى نزوة الصورة ، ووهم الكلمة ، وخواء الشعار . أتساءل عن واقع الحال هذا عن مدى الرحلة لبداية ، وعن صلة السيناريو بإعداد لهذه النشرة الإخبارية ، أوتلك ، وهل نحن أمام ثورة في الإعلام ، أم ثورة بالإعلام .

بين انطلاق مشروع الثورة ، وحراك اليوم ألف قصة وقصة ، وألوف المواقف . من الجميل أن نرى استدامة في حضور مجموعة من القياديين ، دون أن ننكر أن للإعلام من القدرة والحضور أن يعلي شأن بعض الوجوه ويطمس أخرى ؛ والسؤال اليوم يطرح مجدداً هامشية الخطاب الجامع ، وذلك التناوب على دغدغة مشاعر الضحية ، فطوبى للذين يبلسمون الجراح النازفة ، وتنبيهاً للثائرين بأن يبحثوا في الساحات لا المنصات عن رفقة للاستمرار وانتصار .

لنتنبه أن السياسة هي ثعلب متلبس بثوب النزاهة والصداقة ، بحثاً عن اصطياد في وجع وألم وحاجة ؛ نحاول أن نلتقط صورة التغيير مع كل ثورات العالم ، لندرك أحقية الرحلة ، ومشقتها . ونردد مع فيلسوفة الثورات القلقة حنة أرندت : إن ما يجب أن يعيه القائمون بالثورة هو حقيقة أن الثورات أكثر من تمردات ناجحة ، فالمفهوم الحديث للثورة يرتبط ارتباطاً لا انفصام له بالفكرة التي تقول أن مسار التاريخ قد بدأ فجأة من جديد.

*باحث في شؤون التنمية والفكر السياسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى